الملاحقات في 'سرقة القرن' تطوق الكاظمي ومقربين منه

قضية سرقة القرن لم تبح بعد بكل أسرارها لكن قائمة المتهمين اتسعت لتشمل عددا من كبار فريق عمل رئيس الحكومة السابق والمقربين منه.
القضاء العراقي يصدر بطاقات اعتقال بحق مقربين من الكاظمي
القضاء العراق يعمل على جلب المطلوبين في سرقة القرن الفارين للخارج
الحجز على أموال الكاظمي المنقولة وغير المنقولة تشير إلى شبهات كسب غير مشروع

بغداد - تشير أحدث التطورات في فضيحة الفساد المالي الأكبر في العراق والمتعلقة بنهب أموال الأمانات الضريبية المودعة في مصرف الرافدين الحكومي والمقدرة بنحو 2.5 مليار دولار والمعروفة بـ"سرقة القرن" إلى أن الشبهات بدأت تطرق بقوة أبواب رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي الذي سبق ونفى أي صلة له بالاختلاسات من قريب أو من بعيد وأنه كان أول من أمر بفتح هذا الملف.

ولم تبح هذه القضية بعد بكل أسرارها لكنها سلطت الضوء على غابة الفساد الذي ينهش الجسد العراقي ومؤسسات الدولة منذ العام 2003 تاريخ الغزو الأميركي للبلاد وهيمنة أحزاب شيعية مقربة من إيران على السلطة.

وفي أحدث تطورات هذه القضية، أصدر مجلس القضاء الأعلى في العراق أوامر قبض بحق وزير المالية السابق عبدالأمير علاوي و3 مقربين من رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي. وشملت مذكرات القبض إلى جانب علاوي رائد جوحي مدير مكتب الكاظمي والذي تولى رئاسة جهاز المخابرات في الأسابيع الأخيرة للحكومة السابقة ومشرع عباس (صديق الكاظمي المقرب) المستشارالسياسي الخاص لرئيس مجلس الوزراء السابق  بالإضافة إلى أحمد نجاد سكرتير الكاظمي الشخصي.

وسبق لهيئة النزاهة العراقية المكلفة بمتابعة ملفات الفساد الكبرى أن طالبت قبل أيام قليلة واشنطن وبريطانيا بتسليمها مطلوبين في هذه القضية من المسؤولين السابقين المقربين من الكاظمي. كما أصدرت بحقهم إشارات حمراء لدى الانتربول لجلبهم للعدالة.

ويشير مسار القضية الأكثر جدلا في العراق إلى اتجاه واحد في الوقت الراهن وبحسب آخر تطورات الملف، وهو أن الخناق يقترب أكثر من الدائرة المقربة من الكاظمي ومن بينهم المسؤولين سالفي الذكر.

وبالإحالة يبدو الكاظمي في ورطة في حال ثبتت الاتهامات الموجهة لعدد من كبار فريق عمله حين كان رئيسا للوزراء، فعمليات النهب تمت في عهده وعلى مراحل وبمساعدة (حسب الاتهامات) من مسؤولي مكتبه حيث يعتقد أنهم استفادوا من تلك العمليات وتربحوا بشكل غير قانوني.

وقد يتحمل الكاظمي أحد الشخصيات السياسية والأمنية السابقة الذي دخل حين كان في السلطة في مواجهة مع الميليشيات الشيعية المقربة من إيران، جزء من المسؤولية حتى لو لم تكن له أي صلة بما حدث.

والمسؤولية التي قد تقع على عاتق رئيس الوزراء العراقي السابق هي أنه كان من يدير دفة الحكم وأن المشتبه بهم من كبار المسؤولين مقربون منه ومن فريق عمله وبالتالي هم تحت إشرافه المباشر.

وتقول التقديرات إنه لو كان المشتبه بهم في فضيحة سرقة القرن من المسؤولين من الدرجات الوظيفية الدنيا والبعيدة عن دوائر الحكم أو في الهيئات الفرعية والمحلية للدولة، كان يمكن أن يتجنب الكاظمي الإحراج واللوم أو حتى المحاسبة في انتظار أن يتم اعتقال المطلوبين وجلبهم من الخارج وما ستكشف عنه التحقيقات لاحقا.

والظاهر حتى الآن أن التحركات القضائية تذهب بعيدا وقد تطال شظايا التحقيقات الكاظمي شخصيا الذي ينفي تورطه كما نافيا سابقا مغادرة العراق.

وتم الكشف لأول مرة عن قضية 'سرقة القرن' التي تورط فيها مسؤولون سابقون كبار ورجال أعمال وأثارت احتقانا شعبيا شديدا في العراق في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

ومن حديث الشارع العراقي والأوساط السياسية انتقل صدى هذه القضية إلى خارج العراق وسلطت وسائل إعلام غربية الضوء على حجم الفساد في دولة ترقد على أحد أكبر احتياطي نفطي في العالم ويعيش سكانها فقرا شديدا. وشهد العراق في السنوات الأخيرة احتجاجات شعبية عارمة تنديدا بالفساد وبسوء الخدمات وانقطاعات الماء والكهرباء وارتفاع معدل البطالة.

وفي يونيو/حزيران الماضي أصدر القضاء العراقي أمرا بالتحفظ على أموال الكاظمي المنقولة وغير المنقولة في إطار تحقيق يجريه حول تضخم ثروته، لكن من دون صدور أوامر باعتقاله أو قرار بمنعه من السفر.

وقال مصدر مطلع على الملف حينها إن القرار جاء بعد رصد تضخم في أموال رئيس الوزراء السابق الذي أكد مرارا حين كان في السلطة على ضرورة مكافحة الفساد، مشيرا إلى أنه أول من أمر بفتح تحقيقات في القضية التي باتت معروفة إعلاميا وسياسيا بسرقة القرن.

وكانت هيئة النزاهة المكلفة بالتحقيق في ملفات الفساد الكبرى قد اعتقلت عددا من المسؤولين السابقين بمن فيهم مستشار بمكتب الكاظمي ومسؤولين آخرين مقربين منه.

وأعطت تلك الاعتقالات انطباعا بأن الخناق على الدائرة المقربة من الكاظمي بدأ يقترب منه هو شخصيا.

وسبق أن تردد أن رئيس الوزراء السابق غادر العراق، لكنه نفى تلك الأنباء، بينما تستمر التحقيقات في قضية سرقة القرن والتي تعلقت باختلاس 2.5 مليار دولار من أمانات الضرائب في مصرف الرافدين الحكومي.

ويحذر نشطاء وحقوقيون من ظاهرة الإفلات من العقاب، مشيرين إلى أن السلطات العراقية تطارد حيتانا صغيرة بينما ينجح بارونات الفساد ومنهم مسؤولون كبار في الدولة أو لهم ارتباطات بقوى سياسية نافذة، في الإفلات من المحاسبة.

وكان مصدر حكومي قد كشف في مايو/ايار الماضي أن مقربا من الكاظمي كان قد سلم نفسه، أحيل إلى اللجنة العليا لمكافحة الفساد، وهو تطور مهم في القضية التي تثير جدلا واسعا في العراق وتسلط الضوء على حجم الفساد الذي ينخر الدولة العراقية.

وقال المصدر حينها إن "ضياء الموسوي اللواء في جهاز المخابرات العراقي المقرب من رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي، أحيل إلى اللجنة العليا لمكافحة الفساد التابعة لمكتب رئيس الحكومة العراقية".

وتابع "الموسوي أحد المقربين من رئيس الوزراء السابق قدم معلومات عن شخصيات في مكتب الكاظمي لتورطها بسرقة القرن" وذلك بعد أن عاد قبل أسابيع قليلة إلى العراق الذي غادره لفترة ثم قرر تسليم نفسه للسلطات المختصة.

وبحسب هذا التطور من المتوقع أن يجرّ الموسوي رؤوسا كبيرة أخرى إلى التحقيق بشبهة التورط في نهب المال العام والفساد المالي والإداري.

وفي منتصف أبريل/نيسان أصدرت هيئة النزاهة الاتحادية العراقية أمر قبض وتفتيش بحق مشرق عباس المستشار السياسي السابق للكاظمي، مبررة قرارها بامتناعه عن كشف الذمة المالية دون عذر مشروع.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، ألقت قوة أمنية تابعة للهيئة العليا لمكافحة الفساد القبض على النائب السابق هيثم الجبوري المستشار المالي السابق لرئيس الحكومة السابقة والذي شغل كذلك عدة مناصب حكومية وبرلمانية بناء على شبهات في مصدر تضخم أمواله بطرق مجهولة وغير شرعية.

وأمر الاعتقال له علاقة أيضا باعترافات أدلى بها نور زهير صاحب شركة الأحدب والمتهم الرئيسي في قضية سرقة القرن، للسلطات القضائية ضد الجبوري" النائب ورئيس اللجنة المالية النيابية في البرلمان السابق.

ويشير قرار حجز أموال الكاظمي إلى اتساع دائرة الملاحقات التي تقودها هيئة النزاهة والتي منحها رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني صلاحيات واسعة.

وكان السوداني قد تعهد منذ توليه رئاسة الحكومة خلفا لمصطفى الكاظمي بجعل مكافحة الفساد على رأس أولوياته، لكن تقارير أميركية شككت في قدرته على الوفاء بالتزاماته، مشيرة إلى أنه رغم "نظافة يد السوداني إلا أنه لن يكون بمقدوره محاربة بارونات الفساد.