درنة تدفع باهظا ثمن سنوات من الفوضى والإهمال
طرابلس - أدت الفوضى السائدة في ليبيا بعدم إيلاء البنى التحتية الحيوية الأهمية اللازمة إلى انهيار سدّي درنة في الشرق نتيجة عاصفة "دانيال" متسببا في فيضانات مدمرة اجتاحت المدينة ومحيطها في بلد تتنافس فيه حكومتان على السلطة ويشهد انقسامات عميقة.
ويقول المحلل الليبي في "مؤسسة صادق" أنس القماطي إنه بعد "سنوات من الإهمال، فإن عدم تخفيف ضغط مياه السد مع اقتراب العاصفة كان بمثابة قنبلة موقوتة".
ويعتبر القماطي أن "السلطات في الشرق وخصوصا قوات الجيش الليبي ارتكبت حسابات خاطئة مأسوية وإجرامية لم تتحمل مسؤولياتها"، لافتا إلى أن قرار بلدية درنة بفرض حظر التجول مساء السبت تحسبا للعاصفة "لم يحم المواطنين، بل على العكس، حاصرهم".
بدوره قدّر رئيس المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة بيتيري تالاس أنه "كان من الممكن تجنب سقوط معظم الضحايا"، لافتا إلى الفوضى التي أنتجت غياب الاستقرار السياسي الذي تعاني منه ليبيا منذ سنوات.
وكان المهندس والأكاديمي الليبي عبدالونيس عاشور حذر في دراسة نشرت في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 من كارثة ستحل بمدينة درنة، إذا لم تبادر السلطات إلى صيانة سديها، سد أبومنصور بسعة 22.5 مليون متر مكعب، وسد البلد بسعة 1.5 مليون متر مكعب من المياه.
وعلى الرغم من ذلك التحذير لم يتم تنفيذ أي صيانة في السدين، رغم أن صيانتهما مدرجة في الموازنة. كما أن ليبيا التي تمتلك احتياطيات النفط الأكبر في أفريقيا لا تشكو من نقص التمويل في ميزانيتها.
ولم تنجز أعمال الصيانة في هذه المنطقة كما في سائر أنحاء البلاد وأهملت من قبل الحكومات المتعاقبة منذ العام 2011، كما كان الحال أيضًا في ظل نظام القذافي الذي صرف النظر عن درنة، معتبرا انها مدينة متمردة عليه.
وطلب المجلس الرئاسي المنعقد في طرابلس من النائب العام فتح تحقيق في الكارثة ومحاكمة كل من يشتبه في ارتكابه أخطاء أو إهمالا أدى إلى انهيار السدين والتسبب في كارثة.
وفي مواجهة حجم الدمار وضعت الخلافات بين منطقتي الشرق والغرب جانبا وفُسح المجال أمام المد التضامني.
وفي مناطق في غرب وجنوب البلاد، يتم تنظيم عمليات جمع التبرعات عبر شبكات التواصل الاجتماعي، فيما أعرب عدد من الممرضين والأطباء والمتطوعين عن رغبتهم في السفر إلى درنة من طريق مطار معيتيقة بطرابلس.
لكن الافتقار إلى التنسيق بين الحكومتين المتنافستين وغياب السلطة المركزية الواحدة يزيد من تعقيد عملية تنظيم الإغاثة ووصولها في أقرب وقت.
ويرى الخبير المتخصص في الشؤون الليبية جليل حرشاوي أن "الانقسام بين الشرق والغرب سيستمر بشكل أو بآخر. وبطبيعة الحال، هذا الخط الفاصل ليس أمرا جيدا من الناحية اللوجستية ومن ناحية فاعلية عمليات الإغاثة".
وشكل المجلس الأعلى للدولة الليبي لجنة لدراسة تقدير حجم الضرر الذي أصاب المدن المنكوبة في المنطقة الشرقية جراء الإعصار والفيضانات التي خلفت آلاف القتلى والمفقودين.
ونص القرار على أن "تشكل لجنة برئاسة عبد الكريم فرج حسن آدم وعضوية حسن سويحل استيته وخالد سعد الناظوري وصفوان محمد المسوري وخالد محمد الغريب".
وطلب من اللجنة دراسة أحوال المدن المتضررة وتقدير حجم الضرر الذي أصاب المدن المنكوبة والتنسيق لإيصال المساعدات التي خصصها المجلس الأعلى لها.
وتحكم ليبيا، التي دمرتها الانقسامات السياسية منذ سقوط الزعيم الراحل معمّر القذافي في العام 2011 حكومتان متنافستان، واحدة في طرابلس (غرب)، معترف بها من الأمم المتحدة ويقودها رئيس الوزراء عبدالحميد الدبيبة، وأخرى في الشرق، تابعة لمعسكر المشير خليفة حفتر.
وتصاعدت وتيرة الخلافات السياسية مرارا وتكرارا وأفضت إلى قتال دام مرارا. لكن منذ العام 2020 تم احترام قرار وقف إطلاق النار إلى حد كبير.
وعلى الرغم من أن الكارثة وقعت في منطقة خاضعة لسيطرة المعسكر الشرقي، إلا أن الدبيبة الذي يتخذ من الغرب مقرّا له، اعتبر الخميس أن ما حصل سببه "ما تم تخطيطه في السبعينات والذي لم يعد كافيا اليوم بالاضافة إلى الإهمال".
وقال خلال اجتماعه مع الوزراء والخبراء إن "هذه إحدى نتائج الخلافات والحروب والأموال التي ضاعت".
وأوضح رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية أن "الوثائق كشفت تخصيص أموال لصيانة السدود في مدينة درنة، لكنها لم توظف في ذلك".
وتابع أن" وزارة التخطيط أوضحت أن العقود لم تستكمل لإنجاز عملية الصيانة"، مشيرا إلى أن جميع المسؤولين ومن بينهم رئيس الحكومة والمسؤولون في وزارة المياه يتحملون مسؤولية إدارة السدود وصيانتها.