مقاربة فرنسية ايطالية لرأب صدع أوروبي حول الهجرة

قادة تسع دول أوروبية يبحثون في مالطا تطبيق خطة من عشر نقاط للسماح للاتحاد الأوروبي بمواجهة تحدي الهجرة غير الشرعية، بالتوافق مع تونس التي تدعو إلى مقاربة شاملة لمعالجة مسألة الهجرة.
ميلوني وماكرون يدعوان إلى تعاون أوثق مع تونس
اليونيسيف: البحر المتوسط بات مقبرة للأطفال
ألمانيا أعطت الضوء الأخضر لفصل أساسي من ميثاق الهجرة

فاليتا - يسعى قادة تسع دول متوسطية في الاتحاد الأوروبي لتوحيد مواقفهم على صعيد الهجرة، خلال لقائهم الجمعة في مالطا، مع تصاعد أعداد المهاجرين لأرقام قياسية، مستفيدين من توافق غير متوقع بين إيمانويل ماكرون وجورجيا ميلوني على خلفية مفاوضات صعبة في بروكسل.

ويجري الرئيس الفرنسي ورئيسة الوزراء الإيطالية لقاء بعد الظهر على هامش قمة ميد9 تنضم إليه رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين على ما أفاد الوفد الفرنسي.

وتدعو ميلوني التي تواجه منذ كانون الثاني/يناير تدفق المهاجرين بأعداد متنامية مقارنة بالعام 2022 رغم وعود التشدد، وماكرون إلى تعاون أوثق مع تونس رغم ادعاءات المدافعين عن حقوق الإنسان حول ممارسات هذا البلد. ويريد الثنائي الإيطالي-الفرنسي تشديد عمليات المراقبة الأوروبية في البحر.

من جهتها، تدعو تونس إلى ضرورة اعتماد مقاربة شاملة لمعالجة مسألة الهجرة غير النظامية تقوم على القضاء على أسبابها العميقة لا على معالجة نتائجها. وتطالب بتحمل كافة الأطراف من بلدان المصدر والعبور والمقصد والمنظمات الإقليمية والدولية لمسؤولياتها في ذلك.

وأوضح المصدر أن اللقاء سيتمحور على "تطبيق خطة من عشر نقاط عرضتها المفوضية الأوروبية للسماح للاتحاد الأوروبي بمواجهة تحدي الهجرة".

وعُرضت خطة طوارئ لمساعدة إيطاليا خلال زيارة لفون دير لايين منتصف أيلول/سبتمبر لجزيرة لامبيدوسا التي يتدفق إليها عدد قياسي من المهاجرين. فبعد أكثر من أسبوع من الهدوء المرتبط بسوء الأحوال الجوية، استؤنف وصول المهاجرين عن طريق البحر الجمعة إلى الجزيرة الإيطالية.

مأساة المهاجرين
مأساة المهاجرين

وأعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة أنّ "البحر المتوسط بات مقبرة للأطفال"، وأن عدد المهاجرين الذين قضوا أو فقدوا خلال عبورهم هذا البحر في صيف 2023 ازداد ثلاث مرات مقارنة بالفترة نفسها من العام 2022.
وبين حزيران/يونيو وآب/أغسطس، غرق ما لا يقل عن 990 شخصاً في وسط البحر الأبيض المتوسط، أي أكثر بثلاثة أضعاف ممّا كان عليه خلال الصيف السابق، وفقاً لإحصاء نشرته منظمة اليونيسف الجمعة، معربة عن أسفها لتحوّل هذا البحر إلى "مقبرة للأطفال ومستقبلهم".

وقالت المنظمة إنّ حوالى 11600 "قاصر غير مصحوبين" بأهاليهم حاولوا التوجه إلى إيطاليا بين كانون الثاني/يناير ومنتصف أيلول/سبتمبر على متن قوارب مؤقتة، أي أكثر بنسبة 60 في المئة عمّا كان عليه الأمر في الفترة نفسها من العام 2022.

وأجرى الرئيس الفرنسي الذي يؤكد أنه تقدمي ويعمل من أجل وحدة الصف الأوروبية ورئيسة الوزراء الإيطالية التي ترأس حكومة تعتبر وريثة الفاشية وانتخبت قبل سنة على أساس برنامج قومي، محادثات طويلة الثلاثاء في روما وبات لديهما "رؤية مشتركة لإدارة مسألة الهجرة".

والأحد، أشاد ماكرون بموقف ميلوني "التي تتحمل مسؤولياتها" بمنأى عن التوترات الفرنسية-الإيطالية الماضية بشأن هذه المسألة المتفجرة. وبمنأى أيضا عن "الاستجابة المبسطة والقومية" التي نسبها من دون أن يسميه إلى ماتيو سالفيني زعيم رابطة الشمال أحد أسس الائتلاف الحكومي وحليف زعيمة اليمين المتطرف في فرنسا مارين لوبن.

وتأمل فرنسا من خلال هذا التوافق الذي يغلب المصلحة، أن توجه قمة ميد9 في فاليتا "رسالة واضحة" على أن الاستجابة يجب أن "تتم على المستوى الأوروبي".

وكانت ألمانيا أعطت الخميس في بروكسل الضوء الأخضر لفصل أساسي من ميثاق الهجرة الأوروبي كانت يعطل المفاوضات حول إصلاح نظام اللجوء في الدول الأعضاء. إلا أن روما أبدت بعض التحفظات مطالبة بمزيد من الوقت لدرس محتواه بالتفصيل.

وقامت مالطا بإدراج بند الهجرة على جدول أعمال القمة الذي يتضمن أيضا دعم أوكرانيا وتوسيع الاتحاد أو المسائل الاقتصادية قبل لقاءات مهمة للاتحاد الأوروبي في غرناطة في إسبانيا بعد أسبوع وفي بروكسل نهاية تشرين الأول/أكتوبر وفي كانون الأول/ديسمبر.

وأدرجت حكومة جزيرة مالطا الواقعة بين سواحل إيطاليا وشمال إفريقيا، ندوة حول العلاقات مع الجيران على "الضفة الجنوبية" للبحر المتوسط ومن بينها تونس وليبيا وهما بلدا عبور للمهاجرين. وينتظر الأوروبيون المزيد من الجهود من جانب هذه الدول لاحتواء عمليات المرور.

ويتوقع أن يتطرق قادة دول ميد9 التي تضم أيضا كرواتيا وقبرص وإسبانيا واليونان والبرتغال وسلوفينيا إلى انعدام الاستقرار في منطقة الساحل الذي قد يؤثر على دول شمال إفريقيا التي تشكل نقطة عبور للمهاجرين القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء.

وسيتناول قادة هذه الدول أيضا الكوارث الطبيعية التي تشكل تحديات إقليمية بعد زلزال مدمر في المغرب وفيضانات كاسحة في ليبيا.

وقالت فون دير لايين "لطالما اضطلعت مالطا بدور استراتيجي في المتوسط. وما من مكان أفضل لإجراء المحادثات المهمة المدرجة في إطار هذه القمة حول مستقبل المنطقة".

 باعتبارها بلد عبور تونس معنية بأزمة المهجرين
باعتبارها بلد عبور تونس معنية بأزمة المهجرين

وذكرت وزيرة الداخلية الألمانية، نانسي فيزر الجمعة، أن بلادها وبولندا وجمهورية التشيك تريد أن تتخذ موقفا أقوى ضد الهجرة غير الشرعية على حدودها.

واتفقت الأطراف الثلاثة على أن الشرطة الألمانية ربما تسير أيضا دوريات في أراضي الدولتين الجارتين. ويتمثل الهدف في مواجهة المهربين بشكل أكثر فعالية ولرصد ومنع دخول المهاجرين غير الشرعيين.

وكانت وزيرة الداخلية الألمانية قد قدمت في السابق خططا لزيادة عمليات التفتيش المرنة على الحدود إلى الدولتين الجارتين، ولم تستبعد الآن بشكل قاطع، عمليات تفتيش حدودية ثابتة، والتي يجب تقديم طلب للحصول عليها من المفوضية الأوروبية.

وتدعو المعارضة الألمانية أيضا إلى عمليات تفتيش على الحدود. وقالت الوزيرة "نريد العمل معا لتدمير النشاط الوحشية لعصابات التهريب، التي تتربح من محنة الأشخاص وتهريبهم عبر الحدود، مما يعرض حياتهم للخطر".

وأضافت الوزيرة "في نفس الوقت يتعين أن نرصد ونمنع الدخول غير المصرح به في وقت مبكر".

وتابعت "ستمنع عمليات التفيش المرنة والمتنقلة المهربين من التحايل على الدوريات بتغيير أماكنهم".

وأعادت صور الوافدين إلى جزيرة لامبيدوسا الإيطالية الصغيرة في منتصف أيلول/سبتمبر التركيز على قضية التعاون الأوروبي في إدارة تدفقات الهجرة.

وأثار وصول 8500 شخص إلى الجزيرة خلال ثلاثة أيام، أي أكثر من إجمالي عدد سكانها، أزمة محلية في لامبيدوسا وعاصفة سياسية في إيطاليا التي كثفت منذ ذلك الحين إجراءات الطوارئ والمراقبة.

ووافقت الحكومة الإيطالية برئاسة جورجيا ميلوني مساء الأربعاء على مشروع مرسوم يجيز وضع القاصرين غير المرافقين الذين تزيد أعمارهم عن 16 عاما لمدة أقصاها 90 يوما في أماكن مخصصة في مراكز استقبال للبالغين، وإخضاعهم لفحوص طبية لتحديد أعمارهم.

وما زال يتعين موافقة البرلمان على هذا المشروع، حيث تتمتع حكومة جورجيا ميلوني المحافظة بالأغلبية المطلقة. ويسمح النص بإجراء قياسات وفحوص طبية ومنها الشعاعية لتحديد أعمارهم.

وحذرت ميلوني على صفحتها على فيسبوك، قائلةً "مع هذه القواعد الجديدة لن يكون من الممكن بعد اليوم الكذب بشأن العمر الحقيقي".

واعتبر المتحدث باسم اليونيسف في إيطاليا أندريا ياكوميني الخميس أنه قرار "مقلق".

بدورها، رأت رجينيا دي دومينيسيس أنّ "اعتماد استجابة على مستوى أوروبا لدعم الأطفال والأسر"، أمر "ضروري جداً لمنع معاناة المزيد من الأطفال".

وأكدت اليونيسف أنّ "الحرب والصراعات والعنف والفقر" عوامل تدفع الأطفال "إلى الفرار من أوطانهم وحدهم". ولفتت إلى أن مَن بلغوا الشواطئ الأوروبية تعرّضوا لمخاطر الغرق في البحر، و"الاستغلال والانتهاكات في كل مرحلة"، ليتم "احتجازهم" لدى وصولهم أولاً في مراكز، قبل نقلهم إلى مباني إيواء "مغلقة عادة".

وفي هذا الإطار، اعتبر المتحدث باسم يونيسيف أندريا ياكوميني أن قرار إيطاليا بشأن القاصرين "مقلق"، مضيفاً "لا يمكننا وضعهم مع البالغين".