موسم جني الزيتون في جنوب لبنان على وقع قصف لا يهدأ

سكان الشريط الحدودي مع إسرائيل يشكون أساسا من تراجع المحصول هذا العام وفاقم التوتر الأمني الوضع سوءا خصوصا بعدما أدى القصف الإسرائيلي إلى اندلاع حرائق أتت على أربعين ألف شجرة.

بيروت - يحلّ موسم قطاف الزيتون وهو أحد المواسم الرئيسية في مناطق عدة في جنوب لبنان وينتظره السكان من عام لآخر، على وقع تصعيد بين حزب الله وإسرائيل لم تسلم منه أشجار الزيتون.

وينهمك غسان حسان في قطاف أشجار زيتون معمرة في البلدة، بينما يصمّ الأذان أزيز طائرة استطلاع إسرائيلية لا تفارق سماء المنطقة القريبة من الحدود مع إسرائيل لتزيد من قلق سكان متعبين.

ويقول حسان وهو يقطف حبوب الزيتون الناضجة في البستان الواقع عند أطراف البلدة "هذا العام يختلف عن سابقه الطيران فوق رؤوسنا ليل نهار ونحن نعمل وهذا الأمر يسبب إرباكاً للعمال الذين يخافون ويغادرون" أحياناً على عجل.

وما إن ينهي جملته حتى يتلقى أحد عماله رسالة على هاتفه النقال حول قصف يطال بلدة حدودية قريبة يسكنها مع أفراد عائلته. فيتوقف عن القطاف ويتصل بيدين مرتجفتين بقريب للاطمئنان قبل أن يتنفس الصعداء ويتابع عمله.

وتشهد المنطقة الحدودية تبادلاً للقصف بين الطرفين منذ أن شنّت حركة حماس في السابع من الشهر الماضي هجوماً غير مسبوق على إسرائيل التي ترد بقصف مركز على قطاع غزة المحاصر وعمليات برية واسعة داخله.

وفي التصعيد بين جانبي الحدود اللبنانية الإسرائيلية، قتل 62 شخصاً، بينهم 47 مقاتلاً من حزب الله وأربعة مدنيين ضمنهم مصور وثمانية أشخاص في الجانب الإسرائيلي، وفق الجيش.

ويطلق سكان جنوب لبنان على طائرات الاستطلاع الإسرائيلية المسيرة اسم "أم كامل" أو "الزنانة" بسبب "الزنة" التي تحدثها من دون توقف.

ويقول حسان "كانت نسبة مرتفعة من العمال السوريين موجودة في بلدات الخيام والوزاني والماري، لكنهم غادروا" ما "أثّر سلباً علينا وبتنا بصعوبة نجد عمالاً".

ويشكل النازحون السوريون الذين يقول لبنان إنه يستضيف أكثر من مليونين منهم اليد العاملة الرئيسية في موسم قطاف الزيتون، لكن التصعيد دفع مئات العائلات إلى الفرار خصوصاً من البلدات الحدودية.

وكان السكان يشكون أساسا من تراجع المحصول هذا العام وفاقم التوتر الأمني الوضع سوءا خصوصا بعدما أدى القصف الإسرائيلي إلى اندلاع حرائق أتت على أربعين ألف شجرة على طول الشريط الحدودي في محافظتي النبطية وصور وفق ما قال وزير الزراعة اللبناني عباس الحاج حسن

ويقول حسين شاهين بينما يقطف مع عدد من العمال حقل زيتون على أطراف حاصبيا بعد وقت قصير من سماع دوي قصف بعيد نسبياً، "نأمل أن تهدأ الأوضاع حتى يتسنى لنا جمع المحصول هذا العام"، متابعا "قلت للعمال، حمّلوا الأكياس لا نعرف ماذا يطرأ علينا. عندما تسقط أول قذيفة نمشي".

وجمع العمال الزيتون في أكياس وضعوها تحت الأشجار تمهيداً لنقلها على امتداد مساحات واسعة في قضاءي حاصبيا ومرجعيون ويمكن رؤية عائلات وعمال يفترشون الأرض أو يتسلقون الأشجار أو يستريحون قبل أن يعاودوا نشاطهم، فيما طائرات الاستطلاع لا تفارق الأجواء.

ويوضح شاهين "يخاطر الناس بحياتهم.. ينتظرون الموسم من عام لعام حتى يبيعوا الزيت ويؤمنوا لقمة العيش"، متابعاً "عندما يحصل القصف، يعودون إلى منازلهم ويفرجها الله في اليوم اللاحق".

ويضم قضاء حاصبيا وحده، وفق مسؤول في التعاونية الزراعية في المنطقة رشيد زويهد، قرابة مليون ونصف مليون شجرة زيتون.

ويوضح المدرس المتقاعد (73 عاماً)، وهو صاحب معصرة زيتون، أن "موسم الزيتون هو مصدر رزق. قصف أم لا، الناس مضطرون لأن يتوجهوا الى الحقول ويجمعوا الزيتون. يخاطرون بكل تأكيد لكنهم مجبرون".

وفي الهبارية، ينشط أفراد عائلة الشعار في قطف الزيتون. وتقول منى الشعار (54 عاماً) بينما تضع وزرة على خصرها وتنتقل من شجرة إلى أخرى "لا نشعر بالخوف، لكن صوت الطيران صرع رأسنا منذ الصباح. لقد وتّر أعصابنا".

ويتقاسم أفراد العائلة المهمات منهم من يغطي الأرض بقماش لجمع الزيتون عليه وآخرون يتناوبون على القطاف بواسطة عصا يضربون بها أغصان الشجر ليتساقط الزيتون الأخضر أو باستخدام أيديهم.

وعلى بعد أمتار يقول عدنان الشعار إنه لا يشعر بالخوف ويضيف "قبل قليل استهدف قصف تلال الهبارية وكفرشوبا" الواقعتين على بعد بضعة كيلومترات سمعناه بوضوح لكننا تأقلمنا مع الوضع".

ويعتبر عدنان نفسه محظوظا لتمكنه وعائلته من التوجه الى أرضهم ويطلق على شجرة الزيتون في المنطقة اسم "شجرة البركة" كونها من أبرز مصادر الدخل في تلك المنطقة ويعتمد كثر على عائدات بيع الزيتون والزيت في معيشتهم.

ودفع التصعيد، وفق الأمم المتحدة، نحو 29 ألف شخص للنزوح، غالبيتهم الساحقة من جنوب البلاد، خوفا من توسّع الحرب الى لبنان.

ويقول الشعار "أعرف أشخاصاً لم يتمكنوا من جمع رزقهم لأنهم قريبون أكثر من المنطقة الحدودية ويتعرضون للقصف"، موضحا "لقد تركوا رزقهم وأرضهم.. الأمر صعب، لأن الفرد يتعب من أجل رزقه. الرزق كالولد، تهتم به كما تهتم بابنك".