السعودية تطلق حملة تبرعات ضخمة لغزة في مواجهة حملة انتقادات
الرياض - أطلقت السعودية اليوم الخميس حملة لجمع تبرّعات للفلسطينيين في قطاع غزة المحاصر الذي يئن تحت وطأة القصف الإسرائيلي، بينما كان العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان أول المتبرعين بمبالغ ضخمة، في وقت تبذل فيه الرياض جهودا دولية لتلبية الاحتياجات الإنسانية في غزة ومنع اتساع نطاق الصراع الدائر بالمنطقة.
وتأتي حملة التبرعات السعودية بعد حملة شرسة على منصات التواصل الاجتماعي يدير أغلبها أنصار جماعة الاخوان المسلمين، انتقدت استمرار الرياض في تنظيم فعاليات ثقافية وفنية بينما تتعرض غزة لقصف هستيري إسرائيلي خلف آلاف القتلى معظمهم من النساء والأطفال. وتصدى الوطنجيون لتلك الحملة التي طالبت بالغاء مهرجان الرياض أو تعليقه.
وعطل أعنف هجوم شنته حركة حماس يوم 7 اكتوبر/تشرين الأول على مناطق إسرائيلية ومستوطنات ومواقع عسكرية في غلاف غزة، صفقة تطبيع معلنة بين السعودية وإسرائيل برعاية أميركية اشترطت فيها المملكة تسوية الصراع على أساس قيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو/حزيران وفق حل الدولتين ومنح الفلسطينيين حقوقهم المشروعة إلى جانب شروط أخرى تتعلق بدعم واشنطن لمشروع نووي سعودي سلمي.
ونقلت وكالة الأنباء السعودية "واس" عن المشرف على مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية عبدالله الربيعة قوله "هذه الحملة الشعبية تأتي في إطار دور المملكة التاريخي المعهود بالوقوف مع الشعب الفلسطيني الشقيق".
وتأتي هذه المبادرة في وقت تحاول فيه المملكة تحقيق توازن بين موقفها التقليدي الداعم للقضية الفلسطينية واهتمامها بمصالحها الوطنية والإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الحاكم الفعلي للمملكة.
وأعلن الربيعة في تصريح لقناة "الإخبارية" الرسمية أن الملك سلمان بن عبدالعزيز تبرّع بثلاثين مليون ريال سعودي (حوالي 8 ملايين دولار) فيما قدّم ولي العهد عشرين مليون ريال سعودي (حوالي 5.3 مليون دولار) إلى الحملة.
وأصدرت الرياض بيانات تنديد شديدة اللهجة وتبذل جهودا دبلوماسية لمحاولة التهدئة، كما استنكرت بشدة التهجير القسري للفلسطينيين من قطاع غزة واستهداف المدنيين العزل.
ونشر نادي الهلال السعودي، الأكثر شعبية في المملكة، صورة على منصة "إكس" (تويتر سابقًا) تُظهر لاعبه علي البليهي بـ"الكوفية" الفلسطينية وقد لاقى المنشور تفاعلا كبيرا من أنصاره.
وأطلقت السعودية "موسم الرياض" الذي يضم سلسلة فعاليات ترفيهية احتفالية ضخمة، ونظمت أسبوعا للموضة وهو ما فهمه سعوديون بأنه رسالة لإبقائهم بعيدين عن الأحداث.
ولم تنضم السعودية لاتفاقيات أبراهام التي شهدت تطبيع العلاقات بين إسرائيل وكل من الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، بينما قررت تعليق محادثات إقامة علاقات دبلوماسية مع الدولة العبرية إثر اندلاع الحرب في غزة بعد أن أحرزت تقدما كبيرا.
ولطالما شدّدت الرياض على أنّ تحقيق ذلك يتوقف على تطبيق حلّ الدولتين مع الفلسطينيين وعلى تسوية عادلة لقضية اللاجئين وأشار ولي العهد السعودي في حديثه إلى "فوكس نيوز" قبل شهرين إلى "أهمية القضية الفلسطينية" بالنسبة للمملكة.
وأوضح أستاذ العلوم السياسية في جامعة تولين الأميركية أندرو ليبر لوكالة "فرانس برس" أن "هناك تركيزا كبيرا في ظل القيادة السعودية الحالية على الهوية الوطنية أولاً وقبل كل شيء".
وتابع أنّ الحكومة السعودية "لا تريد توجيه المشاعر المؤيدة للفلسطينيين بطريقة يمكن أن تقيدهم في المستقبل إذا اختاروا مواصلة التطبيع".
وأثار انطلاق الألعاب النارية في أجواء احتفالية إيذانا بانطلاق "موسم الرياض" انتقادات واسعة على مواقع التواصل وكتب المصور الفلسطيني معتز عزايزة، الذي يتابعه 11 مليون شخص على إنستغرام، في منشور على منصة "إكس" الأربعاء "مشاهد الحفل في الرياض السعودية مخزية. نحن نموت هنا، نحن نصرخ. دماءنا تسيل بطرق بشعة".
لكنّ رئيس هيئة الترفيه السعودية تركي آل شيخ دافع عن استمرار الموسم الترفيهي، مشددا على أن "السعوديين مشغولون بتطوير بلدهم" وكتب على حسابه على موقع "فيسبوك" "سنة 1967 عندما احتُلت دول لم يتوقف أي شيء وعند حرب لبنان لم يتوقف أي شيء وعندما حاربت بلدي سبع سنوات لم يتوقف فيها شيء".
وتابع "عندما يزايد التافهون علينا يجب أن نوضح الحقيقة.. لا أعرف متى تنتهي مسخرة استخدام اسم المملكة أو اسمي أو اسم موسم الرياض في أي شيء كشماعة لتحويل الأنظار عن حدث آخر أو وضع آخر… وإلى متى السماح للغلط على شخصيات اعتبارية في بلدي والبكاء عند الرد؟ وإلى متى ترهيب كل من يتعاون معنا في عمل شريف مثله مثل أي عمل آخر".
وأكد مسؤولون سعوديون أنهم عازمون على تفادي تداعيات الصراع الإسرائيلي الفلسطيني على تنفيذ الخطة الاقتصادية الطموحة "رؤية 2030" التي يقودها الأمير محمد بن سلمان وتهدف إلى إعادة تشكيل الاقتصاد لتقليل الاعتماد على النفط وتحويل البلاد إلى مركز عالمي للأعمال والسياحة.
وأرخت الحرب بين إسرائيل وحماس بظلالها على مؤتمر للاستثمار عقد الأسبوع الماضي في الرياض حيث حذّر مسؤولون في قطاع المصارف الدولي من أنها قد توجه ضربة قوية للاقتصاد العالمي.
وقال وزير المالية السعودي محمد الجدعان خلال مشاركته في جلسة حوارية "قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول حدث الكثير من التهدئة ما جلب الكثير من الأمل للمنطقة ولا نريد أن تعرقل الأحداث الأخيرة ذلك".
وتقول جميلة (28 عاما) وهو اسم مستعار لمدربة لياقة بدنية سعودية، "أحزن عليهم الفلسطينيين ومن الممكن أن أتبرّع لهم لكن لا يمكننا إيقاف حياتنا".
وأبدى علي (32 عاما) وهو موظف حكومي فضّل إعطاء اسمه الأول فقط لحساسية الأمر "عدم فهمه" لموقف الحكومة من عدم إيقاف الفاعليات الترفيهية وقال لوكالة فرانس برس "لا يمكننا الحديث عن دعم فلسطين علنا".
ويأتي التصعيد بين إسرائيل وحماس بعد أيام فقط من زيارة وزيرين إسرائيليين إلى الرياض للمشاركة في مؤتمرات دولية، في أول زيارتين علنيتين الى المملكة، فيما تبارى قبلهما بأسابيع قليلة لاعبون من الدولة العبرية في مسابقة إلكترونية لكرة القدم في العاصمة السعوديّة.
وشنّت حركة حماس هجومًا غير مسبوق في تاريخ إسرائيل تسللت خلاله إلى مناطق إسرائيلية وتسبب بمقتل قرابة 1400 شخص معظمهم مدنيون قضوا في اليوم الأول للهجوم، وفق السلطات الإسرائيلية.
وتردّ إسرائيل بقصف مدمر على قطاع غزة حيث قُتل أكثر من تسعة آلاف شخص، معظمهم مدنيون وبينهم أكثر من 3600 طفل، وفق آخر حصيلة لوزارة الصحة التابعة لحركة حماس.
ويخضع القطاع الفلسطيني منذ التاسع من أكتوبر/تشرين الأول لحصار كامل من إسرائيل يشمل قطع إمدادات المياه والغذاء والكهرباء ويتخذ الوضع الإنساني أبعادا كارثية بالنسبة للسكان البالغ عددهم 2.4 مليون نسمة.