دول غربية تدفع لاحياء حلّ الدولتين في غمرة حرب غزة
القدس - يخرج الكلام عن حل الدولتين في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني من غياهب النسيان، في ظل الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس، من دون أن يعني ذلك أنه سيكون سهلا أن يجد طريقه إلى التطبيق.
أمضى وسطاء من أجل السلام عقوداً من الزمن متشبثين بفكرة أن الفلسطينيين والإسرائيليين يمكنهم العيش جنباً إلى جنب في دولتين منفصلتين ذات سيادة. إلا أن الانقسامات الفلسطينية - الفلسطينية وجنوح إسرائيل نحو اليمين المتطرف ورفض قادتها أي وجود لدولة فلسطينية وملل العديد من دول العالم من صراع متواصل منذ 75 عاما، حوّل الفكرة على مدى العقود الماضية إلى وهم.
وتكشف الحرب التي بدأت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول والتي تسببت حتى الآن بمقتل عشرات الآلاف من الأشخاص، الهوة بين القادة الإسرائيليين والفلسطينيين بشأن المستقبل.
وتضع الحرب على غزة حل الدولتين على المحك، إذ كرر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأسبوع الماضي رفضه لأي سيادة فلسطينية، حتى مع إصرار حليف إسرائيل القوي الرئيس الأميركي جو بايدن والاتحاد الأوروبي على التأكيد أن حل الدولتين هو الحل الوحيد الممكن للصراع التاريخي.
وعد البريطانيون للمرة الأولى بإقامة وطن للشعب اليهودي في فلسطين في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني عام 1917، في رسالة موجهة لوزير خارجية المملكة المتحدة آرثر بلفور، بعد أن أصبحت بريطانيا القوة المنتدبة على فلسطين بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية.
وفي عام 1947، اقترح قرار الأمم المتحدة رقم 181 إنشاء دولتين يهودية وعربية منفصلتين، ما مهّد الطريق لتأسيس إسرائيل في العام التالي.
وعارض الزعماء العرب إقامة دولة يهودية منذ البداية وساعدت هذه القضية في إشعال ثورة أوسع ضد الانتداب البريطاني في العام 1936. وخسر العرب حربهم مع اليهود عام 1948 وتأسست دولة اسرائيل وتشتّت الفلسطينيون وهجروا بعد ما عرف بالنكبة.
وسيطر الإسرائيليون على أراض جديدة أوسع مما كان ينص عليه اقتراح الأمم المتحدة. بعدها ضمت المملكة الأردنية الهاشمية الضفة الغربية اليها وأدارت مصر قطاع غزة وذلك حتى عام 1967 عندما احتلت إسرائيل هذه الأراضي.
كانت منظمة التحرير الفلسطينية تأسست العام 1964 بهدف استعادة كل فلسطين. وبموجب القانون الدولي، الأراضي الفلسطينية لا تزال محتلة حتى هذا اليوم والمستوطنات الإسرائيلية المقامة فيها غير قانونية. وشجعت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة الاستيطان في الضفة الغربية والقدس الشرقية، ما عقد كل تفاوض حول دولة فلسطينية محتملة.
وخاضت منظمة التحرير الفلسطينية معارك عديدة مع اسرائيل. كانت أشرس هذه المعارك في عام 1982 في بيروت العاصمة اللبنانية حيث كان مقر المنظمة قبل أن تنتقل الى تونس.
وبدأت منظمة التحرير تغيّر استراتيجيها وتبنّت فكرة الدولتين وأعلنت دولة فلسطين في الخارج العام 1988. وفي العام 1991 عقد في أكتوبر/تشرين الأول مؤتمر مدريد للسلام الذي شاركت في رعايته الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي آنذاك. وكانت محاولة من المجتمع الدولي لإحياء عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية من خلال المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين ودول عربية بينها الأردن ولبنان وسوريا.
في 13 سبتمبر/أيلول 1993، فوجىء العالم بالإعلان عن اتفاقيات أوسلو في واشنطن عندما صافح الزعيم الفلسطيني آنذاك ياسر عرفات رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين في حديقة البيت الأبيض تحت أنظار الرئيس بيل كلينتون ما أثار أملا بالسلام.
وأوجدت اتفاقيات أوسلو التاريخية حكما ذاتيا فلسطينيا محدودا تحت مسمى "السلطة الفلسطينية" ومقرّها رام الله مع هدف نهائي يتمثّل في إنشاء دولة فلسطينية يعيش شعبها بحرية وسلام إلى جانب إسرائيل.
وفي العام 2002، استندت "المبادرة العربية للسلام" على مبدأ حل الدولتين، واقترحت إقامة دولة فلسطينية مقابل إقامة تطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل، في سياق تدعيم فرص الحل.
واغتال متطرف يهودي كان يعارض اتفاقيات أوسلو رابين في العام 1995، ما فتح الطريق لعقود من العنف وتوقف المفاوضات.
ومنذ اغتيال رابين وصعود حزب الليكود الذي يعارض إقامة دولة فلسطينية واتفاقيات أوسلو بدأ الاستيطان يتوسع. ولم تنفّذ إسرائيل اتفاق اوسلو بنقل مناطق من السلطة الإسرائيلية إلى السلطة الفلسطينية، وراوحت مفاوضات السلام مكانها.
وفي العام 2006، حصل شرخ بين حركة حماس وحركة فتح إثر فوز حماس في الانتخابات التشريعية، وبعد صدامات مسلحة، سيطرت حماس على قطاع غزة وأخرجت فتح منه. وعقدت الانقسامات الفلسطينية توحيد الموقف الفلسطيني تجاه إسرائيل.
ويقول كزافييه غينيارد من مؤسسة نوريا للأبحاث التي تتخذ من باريس مقرا إن المجتمع الدولي بذل جهودًا لآخر مرة في محادثات جدية في العام 2013. ويوضح "من الناحية السياسية، لم نشهد أي جهد لجعل ذلك ممكنا منذ ذلك الحين".
ودعا الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى عقد مؤتمر دولي حول هذه القضية في سبتمبر/أيلول الماضي، قائلا إنها "قد تكون الفرصة الأخيرة لإنقاذ حل الدولتين".
وفي العام 2017، قالت حركة حماس للمرة الأولى إنها تقبل بمبدأ إقامة دولة فلسطينية ضمن حدود ما قبل 1967، مع احتفاظها بهدف بعيد المدى يقضي بـ"تحرير" كل فلسطيني التاريخية.
وترفض الحكومة الإسرائيلية الحالية برئاسة بنيامين نتنياهو أي حديث عن إقامة دولة فلسطينية. وطرح بعض الوزراء فكرة فتح باب التهجير القسري أو الطوعي أمام الفلسطينيين في غزة.
وتراجع تأييد "حل الدولتين" الى حد كبير في الجانبين. وقال استطلاع للرأي أجراه مركز "بيو" أن دعم الإسرائيليين اليهود قبل الحرب الحالية لهذا الحل انخفض من 46 في المئة في عام 2013 إلى 32 في المئة في العام الماضي.
وأفاد استطلاع أجرته مؤسسة "غالوب" قبل الحرب أيضا أن التأييد بين الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية انخفض من 59 في المئة عام 2012 إلى 24 في المئة العام الماضي.
وعاد قادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة لتأييد هذه الفكرة علناً. وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الأسبوع الماضي إنه "من غير المقبول" حرمان الفلسطينيين من حقهم في إقامة دولتهم.
ودعا الرئيس الأميركي جو بايدن مراراً إلى العمل على هذا الحل. وقال الأسبوع الماضي "هناك عدد من أنواع حلول الدولتين. هناك عدد من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة... ليس لديها جيوشها الخاصة".
وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إن عباس "ملتزم" بإصلاح السلطة الفلسطينية بطريقة تؤدي إلى إعادة توحيد غزة التي مزقتها الحرب والضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل تحت قيادتها.
وانتقد منسّق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الذي يدعم بقوة حلّ الدولتين القادة الإسرائيليين وتساءل الاثنين "ما هي الحلول الأخرى التي يفكّرون فيها؟ إجبار جميع الفلسطينيين على الرحيل؟ قتلهم؟".
وأصرّ نتنياهو على أن أي اتفاق سلام يجب أن يحافظ على "السيطرة الأمنية لإسرائيل على جميع الأراضي الواقعة غرب نهر الأردن" وهي المنطقة التي تشمل جميع الأراضي الفلسطينية.
ويبدو المحلل غينيارد أقل تفاؤلاً بشأن مستقبل حل الدولتين ويقول "قد أكون متشائماً، لكن الصراع الحالي لم يغيّر شيئاً لأن حلّ الدولتين كان ميتاً منذ زمن طويل على أي حال".