إيمان حامد تقدم في 'صدى' نسق تعبيري معاصر

الفنانة حضور فني تونسي ودولي ضمن المسارات الفنية والعلمية وضمن عدد من المعارض والورشات والفعاليات الثقافية.

يمضي الكائن إلى ذاته التي يحاورها تقصدا وسؤالا بحثا عن ملامح صوته الضائع في الزحام في كون من التداخل والحركة والضجيج حيث الفن هنا مجال حيرة نشدانا للخصوصية وللكامن في الكينونة من أصداء تناغما مع رغبات شتى في اكتشاف العادي والذي يمر به الآخرون دون انتباه حسي وجمالي.. ووحده الفنان هنا يعيد تشكيل علاقاته وفق هذا النحو ليرى أناه في هذا الصدى الطالع مثل نشيد آخر فيمضي مع المادة في سياقها المفتوح على التشكل والبوح والتعبيرية اليانعة منصتا لذاكرة الأشياء.. إنها لعبة الفن وهو يعدد من ممكنات الإفصاح عن المخفي.. عن الصدى.. صدى الأعماق في الأشكال..

هكذا.. ومن شواسع الذات تمضي الفكرة إلى ما به تفصح العناصر عن أصواتها الأخرى حيث القول بالأصداء الطالعة من الكنه والجوهر في ضروب من التعاطي الجمالي وفق اعتمالات شتى فكأن المشهد حالات من تجريدية القول والأصوات.. والخزف هنا حمال حيز مهم من هذا النزوع الجمالي نحو الخصوصية فاللعبة الفنية الخارجة لتوها من القلب والسائرة في الطرق غير المطمئنة لم تكن ترنو إلى غير الكشف في كثير من الابتكار عن الممارسة الفنية الإبداعية التي تروم الاختلاف ضمن البحث والإنجاز الفني..

وعندها ماذا لو قال الطين كلمته للفنان وهو يدعكه بحثا ونحتا وتشكيلا ملتحما بكون أفكاره ضمن الجدوى التعبيرية الموغلة في الأصوات وبوحها المبين عن عوالمها المدهشة والقائلة بالفن عنوانا يعلي من شؤون وشجون الكائن في حله وترحاله.. إنها الرغبة في الإنصات للكائنات والعناصر والتفاصيل تفاعلا وجوابا عن بعض ما يخالج جواهرها من أحاسيس وانفعالات الأمر المحيل إلى الإنسان في هذه الأزمنة وهو في هيجانه الانفعالي في عوالم مربكة ومتداعية تتلاطم فيها الأحداث والمتغيرات واللامنتظر من المسارات والسياقات المدوية بمكوناتها وتفاعلاتها..

إنها تلوينات الفن ومغامراته الآخذة ملابسات عناصره وفق رغبة الفنان وهو يعي ما يفعل ويحلم في فعله هذا وأثناءه وقبله متخيرا نهجه.. وهنا نمضي مع الفنانة الدكتورة إيمان حامد التي تخيرت هذا النهج الجمالي في تعاطيها مع اللعبة الفنية الإبداعية وضمن بحثها الأكاديمي من سنوات لتصل إلى هذا المعرض الشخصي لأعمالها التي هي ثمرة هذا التمشي المذكور والمتقصد..

هذا المعرض الخاص للفنانة التشكيلية والدكتورة إيمان حامد تم افتتاحه يوم الاثنين 05 فبراير/شباط الجاري، بحضور جمع من الفنانين التشكيليين وأحباء الفنون والباحثين في مجالات الفنون البصرية والأساتذة بمعاهد الفنون وذلك برواق المركز الثقافي الجامعي بالمنستير وضمن عنوان لافت ودال هو "صدى" (Résonance).. معرض مثل نشاطا ثقافيا جماليا إبداعيا وعلميا لخصوصياته العديدة.. حيث تقول صاحبة هذه التجربة إيمان ما يلي "يجمع بين أصداء أفكاري بتشكل طيني خزفي في نسق تعبيري معاصر، تصورات صدويه تنبع من العمق الكامن في بناء خزفي يتشكل في لغة مشهدية صامتة، تفسر ما يخالج كامن الإنسان المعاصر لخفايا انفعالات"..

الأعمال المعروضة في هذا المعرض الشخصي تبرز جانبا من جمالية الرؤية الفنية لإيمان وعمق تعاطيها من حيث الفكرة المشكلة للأعمال الفنية والتقنية المتبعة وكذلك الأسلوب.. إنها تروم الإصغاء للمادة وعوالمها في هيئاتها المشكلة وهي تفعل ذلك على سبيل تطويع الأشكال الخزفية والطينية اللينة، إذ تحاور المادة وتحاولها وصولا للجوهر والقيمة فكأننا مع كل عمل نلامس بالنظر والقراءة والتأويل مشهديات متعددة تفضي بالنهاية وبالأساس إلى الكشف وتفكيك ما خفي من أصوات أخرى نحتاجها فهما وتفاعلا وهي أصواتنا الأليفة والقريبة بل هي منا.. إنها لعبة الفن الشاعرة وهي تنتبه بالإصغاء إلى التفاصيل.

وبخصوص هذه التجربة تقول الفنانة الدكتورة إيمان حامد ضمن جانبها النظري "عوالمنا اليوم كما في الماضي الحاضر والمستقبل، ضجيج من الألغاز، تسعى دواخلنا بحثا عن ترجمة وتفكيك رموزها عبر تأملات وتساؤلات، والفنان بدوره يمثل القيمة الأمثل للبحث في ماهية كل ما يختبره ويعيشه، يدرك الواقع ويؤلف عالمه، يتصور ويعبر، لتتمثل أعماله لحظات تصويرية مشهديه بأسلوبه الخاص، ممارسات تطرح إبداعات فنية تشكيلية، ليكون "صدى" صيرورة بحث متواصل طوال سنوات من المرحلة الأكاديمية، معرض شخصي يجمع بين أصداء أفكاري بتشكل طيني خزفي في نسق تعبيري معاصر، تصورات صدويه تنبع من العمق الكامن في بناء خزفي يتشكل في لغة مشهدية صامتة، تفسر عن ما يخالج كامن الإنسان المعاصر لخفايا انفعالات، تصدر في إبداعات خزفية عبر إيقاع تكوينها بين الحركة والثبات، الناتئ والغائر، الملأ والفراغ... في إيقاعات أبحث في طياتها عن تفاعلات مادية في انسجام، تواصل، ازدواج، حركة، تناغم، تجسد، تسرد معنى بصري لصدى دواخل النفس وانفعال جسد لا تفسره كلمات، عالم صدوي داخلي يصدر نحو الخارج في حركة لتدفق ارتداده عبر مسارات إيقاعية تشكيلية تمثله تقنيا عبر البناء والتركيبة التصور والمادة، تفاعل تترجمه الحياكة كتقنية تقليدية تدفعنا في العمل الخزفي لاستعمال اليد كوسيط للتمييز بين سمك المساحات، اكتشاف خبايا الأشكال في مراوحة بين السطح والعمق، حضور لملمس متباين بين طيات التغطية والاختفاء، الحذف والإضافة، في هجين لمواد مختلفة للولوج بجمالية التشكيل.. إنشائية بحث نظري وتطبيقي اتخذت نسقا إبداعيا شكليا تقليديا وتعبيريا نحو مسار مضموني في أساليب وتصورات عرض كالفيديو والبرفورمانس، بالتطرق إلى جوانب الفعل الانفعالي وتمثله خلال صيرورة البحث في طاقات صوتية لتتخذ المادة الخزفية دورا تشكيليا لتدفقه عبر قنوات وحجرات مجوفة في قراءات فنية وتشكيلية معاصرة مثل الجسد لوحة حية  كوسيط مادي متحرك في فضاء الأداء  للفيديو برفورمانس،  وعنصرا يعبر عن رموز وإيماءات انفعالية تتدخل لتطويع الأشكال الخزفية والطينية اللينة، كحوار في تفاعل وتكامل نحو الانصهار في لوحة مشهديه وأثر فني موحد، عبر إعادة التشكيل ليكون الجسد العنصر الأساسي والمحوري في التجارب، يبرز وجوده وحضوره عبر سلطة حركة الصورة المرقمنة، كوسيط مادي لمسار إيقاعات صوتية تتدفق في تفاعل بين الحركة الانفعالية والتشكلات الطينية، وكأنه استرجاع لصدى الصوت من جسدي المادي إلى جسد المادة الطيعة، إثبات للوجود بفعل صدوي جديد، كأنه رجع للصوت في نفس المادة مادة الجسد المصوت وتشكل المادة الطينية، مزج بين تقنيات التشكيل والتعبير تؤيدها وساطة الوسائل الرقمية عبر فنون التصوير وتقنيات الكمبيوتر، تتدخل وتتفاعل هذه الوسائط الفنية المادية والرقمية، لتدعم حضور الجسد المصوت مع المادة التشكيلية كأثر تصويري لتحقيق التواصل  في صدى التجارب الإبداعية...".

إنها فعلا تجربة ومسار مواءمة بين البحث المضني والمنجز الفني تخيرا ومغامرة وفق اشتراطات الفن الجمالية والوجدانية، وذلك في حيز من السياق الزمني الثري بالمشاركات والحضور والنشاط لإيمان حامد ومن ذلك الحصول على الشهادة الوطنية للدكتوراه في جماليات وممارسات الفنون بعد سنوات من نيل الشهادة الوطنية للإجازة الأساسية في الفنون المرئية في مادة الفنون التشكيلية خزف، وهي حاليا أستاذة متعاقدة بالمعهد العالي للفنون والحرف بالمهدية مادة "dessin analytique" لمستوى سنة أولى إجازة تطبيقية في تصميم الصورة، وتنوعت أنشطتها فقد نشطت نادي الفنون التشكيلية بالمركز الثقافي والرياضي الجامعي يحي بن عمر سوسة، ولها تربصات منها التربص البيداغوجي الخاص بمنح التداول باريس Université de Sorbonne Paris، والتربص البيداغوجي  بالمعهد العالي للفنون الجميلة بسوسة مادة الخزف لمستوى سنة ثالثة إجازة أساسية فنون تشكيلية.. ولجانبها العلمي من حيث الندوات وتقديم المداخلات ثراء وتنوع من ذلك تقديمها لمداخلة بعنوان البحث والإبداع في الفن الخزفي من التشكيل إلى التكنولوجياResearch and creativity in ceramic art from formation to technology ضمن الندوة العلمية الدولية بعنوانresearch creation in the arts من 17 إلى 20 ديسمبر/كانون الأول 2023  تحت إشراف الجامعة التركية بكونيا SELCUK UNIVERSITY مع الجمعية التونسية للفنون البصريةATAV  بمتحف الجامعة بكونيا في تركيا، وكذلك تقديم مداخلة بعنوان "حضور الجسد كاستراتيجية تصويرية لتحقيق التواصل" ضمن الندوة العلمية الدولية "L’art à l’épreuve du corps extrême" أيام 1-2-3 ديسمبر/كانون الأول 2023 بالمنستير تحت إشراف جامعة صفاقس واتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين... كما تعددت مقالاتها في مجال بحوثها ومنها ما هي بعنوان "البحث والإبداع في الفن الخزفي من التشكيل إلى التكنولوجيا Research and creativity in ceramic art from formation to technology ".. ومقال فني منشور بالجريدة الإلكترونية "ساسة بوست" تحت عنوان "الصوت الصارخ والصوت الموسيقي تعبير عن الانفعال: الاختلاف والتماثل"..

وبخصوص المعارض نذكر معرض الفن التشكيلي والصورة ويضم 100 لوحة مختلفة التقنيات بعنوان "Création jeunesse espoir" لتلاميذ المعاهد الخاصة بالمنستير بالمركب الثقافي من 27 يونيو/حزيران إلى 04 يوليو/تموز 2020. والمعرض الجماعي بعنوان research creation in the arts ضمن المؤتمر الدولي من 17 إلى 20 ديسمبر/كانون الأول 2023  تحت إشراف الجامعة التركية SELCUK UNIVERSITY مع الجمعية التونسية للفنون البصريةATAV  برواق المعارض بمتحف الجامعة بكونيا في تركيا، والمشاركة في معرض الصالون الدولي للخزف المعاصر تحت إشراف اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين بمتحف قصر خير الدين من 13 أكتوبر/تشرين الأول إلى 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، والمشاركة في معرض Univers Paralléles تحت إشراف الأستاذة سناء الجمالي اعماري برواق دار الثقافة بالمهدية من 03 إلى 24 يونيو/حزيران 2023، والمشاركة في معرض اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين بمتحف قصر خير الدين من 6 مارس/آذار إلى 2 أبريل/نيسان 2020، والمشاركة في معرض جماعي بالقلعة الكبرى ضمن مهرجان علي بن سالم للفن التشكيلي، والمشاركة في فعاليات مهرجان الطالب الأجنبي الذي نظمته جامعة المنستير ضمن المؤتمر العام لاتحاد الجامعات العربية الدورة 55.

وفي جانب الورشات لها مشاركات منها إنجاز ورشة جداريات خزفية في الدورة الثالثة لملتقى التشكيليين الهواة في العام 2021 بدار الثقافة بني حسان، وإنجاز عمل جداري فني بإصلاحية سيدي الهاني سوسة ضمن أيام قرطاج السينمائية  2018، وتنشيط ورشة رسم من 1 إلى 25 أبريل/نيسان 2018 ضمن الاحتفال بشهر التراث بالوسط الطلابي بالاشتراك مع مؤسسات الخدمات الجامعية بالمركز الثقافي والرياضي الجامعي يحي بن عمر سوسة وفي فعاليات شارع الفنون المنتظم بمناسبة الدورة 37 للمهرجان الدولي للزيتونة بالقلعة الكبرى من 17 إلى 24 ديسمبر/كانون الأول 2017، إضافة إلى المشاركات التكوينية ومنها اليوم التكويني حول pédagogique universitaire ضمن الندوة العلمية الدولية "L’art à l’épreuve du corps extrême" أيام 1-2-3 ديسمبر/كانون الأول 2023 بالمنستير تحت إشراف جامعة صفاقس واتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين...

الفنانة التشكيلية الدكتورة إيمان حامد وضمن هذا الجانب الفني والعلمي تواصل نشاطها وفق برامج قادمة من المشاركات والإسهامات العلمية، فضلا عن المعارض حيث مثل هذا المعرض الخاص بعنوان "صدى" (Résonance) محطة مهمة وفق المضامين الجمالية في سياق اشتغالها الفني، وهو معرض يتواصل إلى غاية يوم الخميس 15 فبراير/شباط الجاري.