آيار عبدالكريم تناقش أوجاع المرأة بالحنين لأيام البراءة!
المرأة محور الحياة ومركزها، وهي بحسب الرؤى الإنسانية الأولى ربة للجمال وإلهًا للخصب والنماء، لذلك لا غرابة أن تكون الأنثى الطفلة والشابة الطالبة الجامعية المغتربة والمخطوبة والزوجة والمطلقة هي محور العمل الأدبي الأول للكاتبة الشابة الواعدة آيار عبدالكريم والصادر بعنوان "الحنونة" عن دار "كُتبنا".
اثنى عشرة قصة هي قوام المجموعة التي كتبت بلغة دافئة وأسلوب سردي مكثف يحمل من عفوية وتلقائية الكاتبة الكثير، كما يحاكي في بعض تفاصيله ملامح من حياتها التي تشبه حياتهن جميعًا في مراحل العمر المختلفة ومراحل وأدوار المرأة في المجتمع، إضافة إلى عذاباتها وويلات حياتها تحت قيود العادات والتقاليد في ريف وصعيد مصر، وانخراطا في مجتمع القاهرة التي لا تنام.
تجلى ذلك بوضوح في قصة بعنوان صدمة، حيث تطرقت بجرأة نادرة من القيود الثقيلة التي تكبل المرأة الريفية في قاع الريف والصعيد تحت إطار العادات والتقاليد، كما تطرقت إلى هاجس الحمل والإنجاب حيث حاولت بطلة العمل بشتى الطرق الحمل والإنجاب سواء عن طريق الأطباء أو الدجالين دون جدوى، حتى تجاوزها سن الحمل، وبقت فريسة ليأسها وإحباطها في السن التي عرفت بسن اليأس.
حملت القصص عناوين: "الحنونة – مراهقة ساذجة – الخطوبة والزواج – يشبه فنان – مرآة حياة – مغتربة – شجلاة كافور أم شفرة مبهمة؟ – حيرة – عذراء الحب – منام وردي – ذنب لا يغتفر – في القصر – البيانولا"، والجميل في هذه التجربة طزاجتها التي تعد بكاتبة ذات حس مرهف وقلم حساس أشبه بمشرط جراح محنك، تشتبك مع معاناة المرأة في الخطوبة والزواج، وتفصيلة تزويج الفتيات من الأقارب وتفضيلهم عن فرضيات الحب والحرية في الارتباط بأغراب، كما تقترب من عوالم الدجل والشعوذة في سبيل الإنجاب، وتستعين بالرمز بالغ الدلالة في أكثر من قصة.
ففي قصة بعنوان 3شجرة كافور أم شفرة مبهمة3 تناولت حياة أرملة، صارعت وكافحت لتربية أطفالها، إلا أن السرد والخيال جاء على عكس توقعات القارئ وهو ما أضفى أجواءً من التشويق والدهشة، نهاية القصة نبتت لها شجيرة صغيرة، رمزا لصبرها ومعاناتها بمفردها في مواجهة أعباء الحياة وتحدياتها.
أما القصة الأولى التي حملت عنوان المجموعة، ففيها دفء تلمسه من العنوان والحنين لسنوات الطفولة، فكلنا نعرف حلوى الحنونة، التي كانت تعد بالمنازل أثناء خبز العيش في الأفران المنزلية، فالحنونة عبارة عن عجين محشو السمن والسكر، وكانت على بساطتها وسيلة يتحلق بها أطفال البيوت حول النساء أثناء إعداد الطحين والخبز وعمل الحلوى، وبالتالي هي أكثر من طعم ورائحة، وإنما هي لغة تواصل وعنوان مرحلة البراءة والعفوية والطفولة المحملة بالذكريات، التي اختفت معظمها الآن من البيوت بعد السباق المحموم وراء الأجهزة والهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي.
"آيار" انتقدت بحدة في المجموعة تدخل الآباء في اختيار كليات الدراسة الجامعية للأبناء والبنات على وجه الخصوص، خشية البعد والاغتراب والمسافات، ما أجبرهن على الإقامة في المدن الجامعية التي كانت تجربة قاسية، تحوطها البيروقراطية والقوانين والقيود البالية التي تحولها من مدن للحياة والسكنى إلى مؤسسات عقابية تشبه السجون.
آيار خريجة كلية الإعلام جامعة القاهرة، تفوقت على نفسها في قصة بعنوان "حيرة"، والتي انطقت فيها العصافير، في رمزية سردية بديعة استعانت بها الكاتبة لمناقشة أوجاع الفقد غير المحتملة التي قد تلاحق الإنسان منذ لحظة ميلاده، وما يصاحب ذلك من كوابيس محاولات التعويض غير الممكنة، ويحسب للكاتبة سلاسة اللغة ورشاقتها بعيدًا عن إثقال السردية الخاصة بكل قصة بما لا تحتمل، ومع ذلك فإن قصص المجموعة في معظمها، من النوع الذي لا تتوقع نهاياتها، لمزجها الفريد بين الواقع والخيال والرمز والتجربة الحياتية المعاشة، والتي تقرب القصص من القراء وكأن آيار تحكينا دون أن تحاكينا.