عزوف الليبيين عن التسجيل في الانتخابات البلدية رغم التمديد

محلل سياسي يفسر تجاهل الليبيين للاستحقاق الانتخابي بخيبة الأمل من التجارب الماضية باعتبار أن جل المجالس البلدية لم تقم بتغيير ملموس في الجوانب الخدمية.

طرابلس - أعلنت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في ليبيا للمرة الثانية تمديد فترة تسجيل الناخبين لانتخابات مجالس 60 بلدية من أصل 106 إلى 13 يوليو/تموز الجاري، لإتاحة الفرصة لمشاركة واسعة في الانتخابات التي لم يعلن عن موعد الاقتراع فيها بعد، في الوقت الذي يواصل فيه الليبيون العزوف على الاقبال على التسجيل بعد أن فقدوا ثقتهم في مؤسسات الدولة وقدرتها على إحداث التغيير.
وفي 23 يونيو/حزيران الماضي كانت المفوضية قد أعلنت التمديد الأول لفترة تسجيل الناخبين التي انطلقت في 9 من الشهر ذاته في البلديات المستهدفة والتي تقع ضمن المجموعة الأولى من البلديات المقرر أن تشهد انتخابات لمجالسها. 
ووفق مستشار المفوضية سالم بن تاهية يبلغ عدد البلديات في عموم ليبيا 143 انتهت ولاية مجالس 106 منها وستخضع جميعها للانتخابات.
ولم يحدد بن تاهية المجموعة الثانية التي من المقرر أن يتم فتح باب تسجيل الناخبين فيها لاحقا، بعد الانتهاء من عمليات التسجيل في البلديات الـ60 الأولى.
وسبق أن أشارت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في ليبيا في بيان صدر في 9 يونيو/حزيران الماضي إلى أن البدء في مراحل تنفيذ انتخابات المجالس البلدية في المجموعة الثانية سينطلق مباشرة عقب انتهاء عمليات التسجيل لبلديات المجموعة الأولى، والمتوقع الإعلان عنها في النصف الثاني من أغسطس/آب 2024.
ولا تضم المجموعة الأولى التي تم فتح باب تسجيل الناخبين فيها العاصمة طرابلس أو مدينة بنغازي التي تعد ثاني أكبر مدينة ليبية.
وتقع بعض البلديات تحت سيطرة حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها وأخرى تحت سيطرة موالين لقائد قوات الشرق الليبي خليفة حفتر ويحكمها عسكريون.
وقالت المفوضية في بيان عن التمديد الثاني والأخير لتسجيل الناخبين في البلديات المستهدفة ضمن المرحلة الأولى "نأمل من خلاله أن ترتفع أعداد المسجلين في سجل الناخبين بما يُضفي المزيد من المصداقية على هذه العملية ويُتيح لمواطني تلك البلديات فرصة المشاركة في تقرير مَن سيتولى إدارة شؤون البلدية ويحرص على تلبية مطالبهم".
وبلغ عدد المسجلين في انتخابات البلديات الـ60 المستهدفة الى غاية 10 يوليو/تموز الجاري 166 ألفا و655 ناخبا منهم 122 ألفا و246 ناخبا من الرجال والباقي نساء ويحق لكل مواطن ليبي عند السن القانونية 18 عاما رجل او امرأة لديه رقم وطني، التسجيل في الانتخابات.
وأظهرت إحصائية نشرتها المفوضية علي موقعها الإلكتروني الأربعاء أن فترة التمديد لتسجيل الناخبين والتي انطلقت في 5 يوليو/تموز شهدت زيادة قدرها 36 ألف مسجل فقط حتى 10 من الشهر ذاته.
وبيّنت أن بعض البلديات لم يتعد عدد المسجلين فيها حتى يوم أمس 500 مسجل منذ بداية عملية التسجيل في 9 يونيو/حزيران الماضي بينها بلديات الناصرية (285) ومدور الزيتون (357) والعامرية (479). 
وفيما يتعلق بالبلديات الكبرى، بلغ إجمالي عدد المسجلين في الانتخابات البلدية في مصراتة 30 ألفا و454 ناخب حتى الأربعاء من أصل نحو 200 ألف شخص فوق 18 سنة كانوا مستهدفين بالتسجيل، وفق تصريحات تاهية.
وكانت مراكز الاقتراع في مصراتة شمال غرب البلاد شهدت مشاركة 100 ألف ناخب لانتخاب مجلس بلدي جديد في 2020.
ويعقب تسجيل الناخبين مرحلة توزيع البطاقات الانتخابية على المسجلين الجدد الذين لم يحصلوا على بطاقة في السابق في حين تظل البطاقات الانتخابية التي تم توزيعها عام 2021 سارية المفعول وستستخدم للتحقق من هوية الناخب يوم الاقتراع، وفق المفوضية الليبية.
وفي 2013، أُجريت أول انتخابات بلدية منذ ثورة فبراير/شباط 2011 التي أطاحت بنظام الراحل العقيد معمر القذافي وسط محاولات دولية لإيجاد حل سياسي للأزمة الليبية التي تشهد صراعا مسلحا لسنوات.

وقال عبدالحكيم بالخير عضو مجلس إدارة المفوضية الوطنية العليا للانتخابات إن "الانتخابات تحتاج إلى جهد تضامني مع كل الجهات والشركاء مثل وزارة الثقافة والإعلام والحكم المحلي والمجتمع المدني".
واشتكى بالخير من أن "هذه المؤسسات غائبة تماما عن الساحة، كما أن الدور التوعوي ليس من اختصاص المفوضية"، موضحا أن دورها يقتصر على "توعية الناس بآليات التسجيل ومواعيدها وطرق ووقت الاقتراع وإرشادهم إلى مراكز الاقتراع".

وشدد على أن "أهمية الانتخابات وخصوصا انتخابات المجالس البلدية تستدعي تعاون وزارة الثقافة والإعلام والأوقاف التي يجب عليها توعية الناس بدور المجالس البلدية والخدمات التي تقدمها للمجتمع"، مستدركا الجميع يتفرج علي المفوضية ويطلبون منها أن تقوم بدورهم المجتمعي، ومع ذلك لا يعتبر الإقبال على التسجيل ضعيفا مقارنة بعدد سكان البلديات".

ويرى المحلل السياسي الليبي محمد محفوظ أن "عزوف الناس عن التسجيل في الانتخابات البلدية يرجع لعدة أسباب منها الإحباط وخيبة الأمل من التجارب الماضية باعتبار أن جل المجالس البلدية لم تقم بتغيير ملموس في الجوانب الخدمية".
وأشار محفوظ إلى أن "فشل المجالس البلدية في الجانب الخدمي ناتج عن عدم اهتمام الدولة بها وعدم إعطائها اختصاصات محلية".
وأوضح أن "الفترة التي أعلنت فيها المفوضية العليا للانتخابات فتح باب تسجيل الناخبين كانت فترة العشر الأوائل من ذي الحجة، وهي كانت فترة عطلة وانشغال الناس بتجهيزات عيد الأضحى وبالتالي كانت فترة غير مناسبة لدعوة الناس إلى التسجيل".
وأردف أن المفوضية دائما ما يصيبها الكثير من العجز إذ أنها لا تحدّث المنظومة بصورة صحيحة حينما تطلب في كل انتخابات عملية تسجيل جديدة.
وبشأن المطلوب لإنجاح العملية الانتخابية، قال محفوظ "نحتاج إلى خطة استراتيجية للسنوات القادمة بحيث نكتفي بالتسجيل لمرة واحدة"، مضيفا أن "بقاء السلطة في ليبيا متمثلة في مجلسي النواب والدولة وفي وجود حكومتين ما زال يشكل خيبة أمل عند الكثير من المواطنين بأن المشاركة في العملية انتخابية برمتها سواء كانت بلدية أو غيرها، لا يعني سوى تكرار ذات التجارب السيئة الماضية".
ويأمل الليبيون في إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية الى جانب المجالس البلدية لإنهاء نزاعات وانقسامات تتجسد منذ مطلع 2022 في وجود حكومتين إحداهما بالشرق برئاسة أسامة حماد وكلفها مجلس النواب والأخرى حكومة الوحدة برئاسة عبدالحميد الدبيبة والتي تتخذ من طرابلس مقرا لها.