'تخيل' يختتم الحمامات الدولي برحلة في أعماق النفس البشرية
الحمامات (تونس) - أسدل الستار السبت على فعاليات الدورة الثامنة والخمسين لمهرجان الحمامات الدولي، بعرض "تخيل" لكريم الثليبي وإنتاج مسرح الأوبرا بتونس.
قدم الثليبي عرضه "تخيل" المستوحى من رواية الأديب محسن بن نفيسة "غدا ...يوم القيامة" أمام جمهور غفير حضر لمواكبة العرض الذي راوح بين الموسيقى الكلاسيكية والسمفونية، ويستمتع بعرض متكامل جاء في شكل مجدد جمع بين الموسيقى والغناء الأوبرالي والرقص الكوريغرافي.
وصاحب العرض شريط سينمائي بإمضاء عبدالحميد بوشناق ورامي الجربوعي قدم من خلاله الثليبي الباحث والمختص تصورا مجددا انبنى على المعالجة الدرامية للموسيقى نوتاته كتابة اركسترالية معاصرة رحلت بالحضور في أعماق النفس البشرية لتسكتشف خباياها ولتنقل لهم باللحن والكلمة والصورة صراعات الأنا.
"تخيل" عرض أوركسترالي من نوع "البسيكودراما الموسيقية" التي جمعت أشكالا تعبيرية مختلفة، فإذا الموسيقى تروي يوما من حياة عجوز منهكة الجسد ابيض شعرها وبلت ملابسها وانهكتها السنين وعبرت النوتات والنغمات عن أحاسيسها في فرحها وحزنها ورافقتها الموسيقى في رحلة ذكرياتها واستوقفتها في لحظات التأمل والنوستالجيا.
وقال الثليبي إن العرض ينغمس بمقاطعه في الهوية الموسيقية التونسية الحبلى بالمعاني "ليطرق البعد النفسي للموروث الموسيقى التونسي أبواب الموسيقى التصويرية وليفتح نوافذ جديدة ومجددة على الموسيقى التجريبية فيكون محملها الموسيقى الكلاسيكية وتتعدد أبعادها ومضامينها".
واعتبر أن "كنه العمل الفني هو البحث والتفكير في أنجع السبل لمخاطبة الجمهور بفكرة ورؤية جديدة ومتجددة يحترم فيها الفنان ذاته ويحترم فيها العقل المفكر التونسي لتدفعه إلى التفكير وإلى مرافقتك في رحلة 'تخيل'".
وأكد الثليبي "اختتام مهرجان الحمامات الدولي بعرض 'تخيل' هو بالنسبة إلي بداية جديدة خاصة وأنه مشروع للتفكير في الموسيقى التونسية يقدم وجهة نظر جديدة تجتمع فيها تعبيرات مختلفة بذوات متنوعة ومتعددة تلتقي لتعبر مجتمعة ومتفردة أحيانا عن المشاعر الإنسانية بألمها وفرحها وابتسامتها وطفولتها وضحكاتها".
وباختتام عرض الثليبي، أسدل الستار على فعاليات الدورة 58 لمهرجان الحمامات الدولي دورة الاحتفال بستينية مسرح الهواء الطلق وستينية المهرجان، بعد أن تواصلت من 5 يوليو/تموز إلى غاية الثالث من أغسطس/آب الجاري التقى المتابعون لمختلف سهراتها الـ28 على وصفها بالـ"دورة الناجحة فنيا وجماهيريا خاصة وأنها استجابت لمختلف الأذواق وحرصت على تقديم عروض فنية وثقافية متميزة".
حضر المسرح في الدورة 58 وكان الافتتاح بقراءة جديدة لمسرحية "عطيل" برؤية إخراجية وسينوغرافية معاصرة من إخراج حمادي الوهايبي لتعيد كتابة تاريخ العرض الافتتاحي للمسرح والمهرجان يوم 31 يوليو/تموز 1964، حيث قدمت هذه المسرحية في أولى دورات المهرجان من قبل المخرج التونسي الكبير علي بن عيّاد.
واليوم، تعود "عطيل وبعد" لتستكمل إحدى روائع شكسبير، المسرحية التراجيدية المؤلفة من خمسة فصول والتي تتحدث عن مواضيع متعددة، وتركز بشكل أهم على الصراع بين الخير المتمثل بشخصية عُطيل، والشر متمثلاً بشخصية ياغو، إضافة إلى مواضيع أخرى مثل الغيرة والخيانة وغيرها.
كما عرض طوال فترة انعقاد المهرجان مسرحيات تونسية أخرى، هي مسرحية "البوابة 52" للفنانة دليلة المفتاحي، و"بينوميs+1" للفنان الشاب عزيز الجبالي ومسرحية "رقصة سماء" لطاهر بن عيسى العربي، ومسرحية "ألباتروس" للشاذلي العرفاوي، ومسرحية "البخارة" لصادق الطرابلسي.
وحضر الفن التونسي بمختلف تعبيراته وتصدر القائمة بمجموع 18 عرضا وزعت إلى 6 عروض مسرحية وبـ11 عرضا موسيقيا، بالإضافة إلى عرض كوريغرافي.
ولم تقتصر عروض الدورة على الأعمال التونسية بل إنها واصلت في تقاليد المهرجان لتقدم 12 عرضا موسيقيا أجنبيا من بينها 5 عروض عربية و7 عروض دولية.
وقال نجيب الكسرواي، مدير عام المركز الثقافي الدولي بالحمامات ومدير الدورة 48 لمهرجان الحمامات، في تصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء "وات" "لقد حرصنا في هذه الدورة، دورة ستينية المسرح والمهرجان أن نلبي كل الأذواق وأن نقدم لجمهور الحمامات برمجة متنوعة فيها المسرح والموسيقى والكوريغرافيا ونضرب لهم مواعيد مع فنانين ومبدعين تونسيين ومع فنانين من بلدان عربية وغربية".
وأضاف "نعتبر أننا وفقنا بنسبة محترمة خاصة وأن عديد العروض المسرحية والموسيقية التونسية والعربية قدمت أمام شبابيك مغلقة"، كاشفا أن"أكثر من 35 ألف متفرج من تونس ومن الخارج حضروا وواكبوا مختلف سهرات المهرجان".
وتابع "ما لمسناه من تفاعل إيجابي للجمهور الذي حضر عروض المهرجان سواء بصفة مباشرة أو من خلال ما نقلته وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة أو على صفحات التواصل الاجتماعي لا يزيدنا إلا حماسا ويطمئننا بخصوص اختيارات هيئة المهرجان وما بذلته من جهد".
وأكد الكسرواي "اجتهاداتنا تبقى نسبية وربما نكون قد أصبنا في مواقع وأخفقنا في أخرى ولكن الأهم هو التفاعل الإيجابي لجمهور الحمامات مع ما وفرناه من مادة ثقافية وفنية تليق بهذا الجمهور وتليق بعراقة مهرجان الحمامات الدولي".