أزمة المركزي تضع صناعة النفط الليبي على المحك
طرابلس - أكد مهندسان في موانئ الهلال النفطي الليبي توقف عمليات التصدير اليوم الخميس، بانخفاض بلغ نحو 700 ألف برميل يوميا، ما يضع ليس صناعة النفط على حافة الانهيار فقط بل ينذر بتفاقم الأزمة المالية بشكل حاد مع اعتماد ليبيا على ايرادات النفط مصدرا وحيدا للدخل، بينما يشكل الانخفاض أكثر من نصف الانتاج اذا بالكاد وصل لنحو مليون برميل يوميا في الأشهر الماضية مع انحسار نسبي لسلاح الميليشيات ومطالب عمال القطاع أو جماعات مسلحة.
لكن الأزمة التي فجرها قرار المجلس الرئاسي باستبدال محافظ المركزي الليبي الصديق الكبير والخلافات المترتبة عن هذا القرار اضافة الى دخول ميليشيات مسلحة على خط الأزمة ورد الحكومة الموازية في الشرق بغلق حقول النفط، وضع الصناعة الرئيسية والمورد المالي الأساسي لليبيا على المحك، بينما ينتظر أن يجري التحالف النفطي المعروف باسم أوبك+ والذي يضم 13 دولة عضو في منظمة الدول المصدرة للنفط و10 منتجين من خارجها، اعادة تقييم لخطط خفض الانتاج بما يتلاءم مع استجد من أزمة في ليبيا.
وينذر هذا التطور بتداعيات سلبية على الاقتصاد الليبي وبالتالي على الجبهة الاجتماعية المتوترة وعلى حجم السيولة المالية في المصارف وكذلك على احتياط البلاد من العملة الصعبة بالنسبة للوضع الداخلي من جهة وبالنسبة لامدادات النفط للعالم من جهة أخرى فليبيا عضو في الكارتل النفطي (أوبك+) الذي يضخ نحو 40 بالمئة من النفط العالمي.
وقال المصدران إن أربع ناقلات حملت كل منها 600 ألف برميل من النفط في المنطقة الشرقية، بما يعادل أغلب صادرات البلاد، اثنان من ميناء السدرة وواحدة من البريقة وواحدة من الزويتينة، وغادرت الميناء في وقت سابق الخميس.
وتوقف أكثر من نصف إنتاج ليبيا من النفط أو نحو 700 ألف برميل يوميا اليوم الخميس مع صدام بلا قتال بين الفصائل السياسية المتنافسة للسيطرة على مصرف ليبيا المركزي وعائدات النفط بإنهاء أربع سنوات من السلام النسبي.
وتهدد أزمة السيطرة على مصرف ليبيا المركزي بموجة جديدة من عدم الاستقرار في بلد منتج رئيسي للنفط ومنقسم بين فصائل شرقية وغربية تستمد الدعم من تركيا وروسيا.
وقال مهندسون، إن الإنتاج في حقول النفط التي تسيطر عليها شركة الواحة للنفط، وهي تابعة للمؤسسة الوطنية للنفط، انخفض إلى 150 ألف برميل يوميا من 280 ألف برميل يوميا، متوقعين أن ينخفض الإنتاج أكثر، مؤكدين أن الإنتاج توقف أو انخفض أيضا في حقول الشرارة والسرير وأبوالطفل وآمال ونافورة.
ووفقا لحسابات رويترز، أدت تلك التوقفات أو الانخفاضات لوقف إنتاج نحو 700 ألف برميل يوميا من النفط. وضخت ليبيا نحو 1.18 مليون برميل يوميا في يوليو/تموز.
وتعهدت الفصائل الشرقية بإبقاء إنتاج ليبيا من النفط متوقفا حتى يعيد المجلس الرئاسي المعترف به دوليا وحكومة الوحدة الوطنية في طرابلس بغرب البلاد محافظ مصرف ليبيا المركزي المخضرم الصديق الكبير إلى منصبه.
وتراجعت أسعار النفط بأكثر من واحد بالمئة الأربعاء مع استمرار المخاوف حيال الطلب في الصين وزيادة مخاطر أثر تباطؤ اقتصادي أوسع نطاقا.
وهبطت العقود الآجلة لخام برنت 1.15 دولار بما يعادل 1.45 بالمئة إلى 78.40 دولار للبرميل كما نزلت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي 1.20 دولار أو 1.6 بالمئة إلى 74.33 دولار.
ولم تتمتع ليبيا، العضو في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، باستقرار يذكر منذ الإطاحة بمعمر القذافي في انتفاضة دعمها حلف شمال الأطلسي في 2011. وانقسمت البلاد بين فصائل في الشرق والغرب في عام 2014.
وانتهى آخر إغلاق كبير، في 2022، حين أحل رئيس الوزراء الدبيبة في طرابلس فرحات بن قدارة الذي طالما اعتبر مقربا من قائد الجيش الليبي خليفة حفتر محل المخضرم مصطفى صنع الله رئيس المؤسسة الوطنية للنفط.
ويسرت هذه الخطوة التوصل إلى تحالف ضمني بين الدبيبة وحفتر، مع تخفيف الضوابط على قطاع النفط الليبي المربح وواردات الوقود، والبذخ في إنفاق أموال الدولة على امتداد البلاد.
وأصبحت الساحة جاهزة لمواجهة بعد أن وقع خلاف بين الدبيبة والكبير العام الماضي حين بدأ الأخير في تشديد القيود على ميزانية حكومة الوحدة الوطنية.
وتراهن فصائل الشرق على أن حرمان مصرف ليبيا المركزي من أي أموال إضافية وجعل عمله على المستوى الدولي أصعب بالطعن في مشروعيته سيدفع السلطات في طرابلس إلى الإذعان.
ومصرف ليبيا المركزي هو جهة الإيداع القانونية الوحيدة لعائدات النفط الليبية وهو الذي يدفع رواتب موظفي الدولة على امتداد البلاد. وإذا أضرت الأزمة الحالية بهذه الوظائف، سيشعر الليبيون قريبا بمغبة ذلك.
ومع ذلك، فإن الألم سيؤثر على الجانبين وقد تعتقد سلطات طرابلس أن البديل المتمثل في التراجع والتنازل في الواقع عن أي تأثير على البنك، المصدر الوحيد للإنفاق الحكومي، سيكون أسوأ.
ولا بوادر على التوصل إلى حسم للنزاع السياسي الأوسع في ليبيا، كما توقفت الجهود الدبلوماسية الدولية لحسمه من خلال الانتخابات.
وإذا فكر أي من الجانبين في اللجوء إلى عمل مسلح لحسم النزاع حول مصرف ليبيا المركزي، فقد يأتي المستقبل بما هو أسوأ.
وأصبح حصار حقول النفط حيلة مألوفة في الحياة السياسية الليبية الموسومة بالعنف والفوضى منذ الإطاحة بالقذافي عام 2011.
وانتهت عمليات إغلاق محلية أصغر حجما في غضون أيام أحيانا، لكن عمليات الإغلاق الأكبر المرتبطة بالصراعات السياسية أو العسكرية الكبيرة استمرت في بعض الأحيان لأشهر.
وأوقف حفتر كل الإنتاج تقريبا في عام 2020 لمدة ثمانية أشهر في أطول حصار كبير، ولم ينته هذا الحصار إلا في إطار اتفاق أوسع بعد أن انهار هجومه على طرابلس.