
أمطار المغرب تنعش الآمال بانتهاء أزمة الجفاف
الرباط - أنعشت الأمطار التي تهاطلت مؤخرا على الجنوب المغربي الآمال في توديع سنوات من الجفاف الحاد أدى إلى تراجع المحاصيل الزراعية وانخفاض مخزون السدود، بينما نجحت المملكة في مواجهة الأزمة بسياسة ركزت على إنشاء المشاريع المائية ومن بينها محطات تحلية مياه البحر، كما أطلقت حملات لترشيد الاستهلاك.
وتستفيد العديد من الواحات المغربية من الأمطار الغزيرة الاستثنائية التي هطلت نهاية الأسبوع الماضي في الجنوب مع ارتفاع مستوى تعبئة السدود وتغذية المياه الجوفية، لكن الجفاف متواصل في باقي أنحاء البلاد، وفق خبراء.
وشهدت مناطق جنوب وجنوب شرق المغرب عواصف وفيضانات عنيفة غير مسبوقة خلفت 18 قتيلا على الأقل، بحسب أحدث حصيلة نشرت مساء الاثنين.
وتجندت فرق الإسعاف ولجان الطوارىء معززة بقوات الأمن والجيش لانتشال المتضررين وإيوائهم وفتح الطرقات التي أغلقت بسبب السيول.
وهي مناطق صحراوية وشبه قاحلة تأثرت بظاهرة مناخية "استثنائية" مرتبطة بصعود للجبهة المدارية التي تتميز بكتلة هوائية حارة ممطرة للغاية وتلاقيها مع كتل أخرى باردة قادمة من الشمال.
ويوضح الخبير في شؤون المناخ والموارد المائية محمد جليل أن "هذه الأحداث تذكرنا بمظهر تم تجاهله لتغير المناخ، إذ إنه لا يؤدي فقط إلى قلة الأمطار بل أيضا إلى ارتفاع كبير في معدلات هطولها".
ويحذّر المهندس الزراعي محمد الطاهر السرايري من أن "هذه الأمطار ستعطي متنفسا للواحات وزراعتها المعيشية، لكنها لم تهطل في أي مكان آخر. لا تزال البلاد تعاني من جفاف هيكلي شديد".
ويواجه المغرب أسوأ موجة جفاف خلال قرابة 40 عاما، وهي مستمرة منذ ست سنوات وتهدد القطاع الزراعي الهام (11 إلى 14 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي وأكثر من ثلث السكان العاملين)، ما يؤدي إلى تفاقم إجهاده المائي.
ووفق خبراء، تحتاج المياه الجوفية إلى هطول أمطار مستدامة حتى تعود إلى مستوياتها الطبيعية بعد فترة جفاف طويلة.
ولكن على المستوى المحلي، مكنت هذه الأمطار النادرة من رفع منسوب بعض السدود، وستساهم على تجديد المياه الجوفية التي قاربت على النضوب وتبشر بمحصول زراعي أفضل.

ويقول يوسف بن حمو مدير وكالة الحوض المائي لهذه المنطقة إن الخزانات الأربعة لحوض درعة واد نون التي تغطي عدة مناطق متضررة من سوء الأحوال الجوية، "شهدت ارتفاعا في مناسيبها، من 23 أغسطس/آب إلى 9 سبتمبر/أيلول، من 101 مليون متر مكعب إلى 191 مليون مكعب، أي بنسبة امتلاء 19 بالمئة".
وفي هذه المنطقة، استحوذ سد ورزازات الكبير على بعد 500 كلم جنوب الرباط، وحده على 70 في المئة من التساقطات بمعدل 69 مليون متر مكعب، حسب ما أفاد بن حمو، موضحا أن سد فاصك الجديد الذي بدأ تشغيله منذ مارس/آذر 2024، حصل على 10 ملايين متر مكعب من المياه في غضون أربع وعشرين ساعة.
ويؤكد يوسف بن حمو أن "هذه الأمطار تعتبر نعمة للمنطقة لأن هذه الاحتياطيات ستكون قادرة على ضمان أمن إمدادات مياه الشرب التي تظل أولوية".
كما ستعيد تغذية منسوب المياه الجوفية في المناطق المتضررة من الفيضانات جزئيا على الأقل، الأمر الذي من شأنه أن ينعش النشاط الزراعي المحلي.
بدوره، يؤكد الخبير محمد جليل أن "هذه المناطق تعتمد بشكل كبير على المياه الجوفية، وستعمل الأمطار الغزيرة على تجديد طبقات المياه الجوفية وتحسينها، ما سيعطي متنفسا للواحات، خاصة بالنسبة للزراعة".
ورغم الظروف المناخية الصعبة، تنتشر أشجار النخيل، البستنة والحبوب على نطاق واسع في المنطقة. ويشير جليل إلى أن "التأثير النفسي مهم. فهذه الأمطار الأولى تعطي الأمل، ولكن الموسم قد بدأ للتو، ولن نتمكن من إجراء تقييم إلا بحلول مارس/آذار".
من جانبه، أعلن وزير الفلاحة محمد صديقي الثلاثاء، خلال زيارة إلى ورزازات، أنه سيتم تعبئة ميزانية تزيد على 3.7 مليون يورو من أجل "إنعاش الأنشطة الفلاحية وفك العزلة عن الساكنة المتضررة" وإعادة تأهيل البنى التحتية المائية المتضررة بسبب الفيضانات.
وفي المستقبل القريب، لا تتوقع مصالح الأرصاد الجوية المغربية فترات ذروة جديدة من الأمطار الغزيرة في الجنوب. لكن أستاذ علم المناخ محمد سعيد كروك حثّ على "الاستعداد لظواهر جديدة لا يعرف تواترها وعنفها، مع الأخذ في الاعتبار تأثيرات التغير المناخي".
واستطاع المغرب رغم شح المياه تدبير هذه المادة الحيوية بشكل جيد بفضل سياسة السدود التي أطلقها الملك الحسن الثاني ومواصلة تشييد المنشآت المائية التي يسهر عليها العاهل المغربي الملك محمد السادس.
ونفذ المغرب خلال الأعوام الأخيرة العديد من المشاريع في إطار الاستراتيجية الوطنية للماء التي أصدرها المجلس الأعلى للماء والمناخ (2009 - 2030) والمخطط الوطني للماء والمخططين المندمج والمحلي.
ورغم الدور الكبير الذي تلعبه السدود، إلا أن توالي سنوات الجفاف جعل الطلب يتزايد على المياه، مما جعل المغرب يغير استراتيجيته، إذ بدأت المملكة في الاعتماد على حلول أخرى مثل تحلية مياه البحر وتشييد قنوات مائية لربط مناطق تعرف كميات وافية من المياه بمناطق تشهد شحا في المادة الحيوية.