متشددو إيران لن يسمحوا بقطع أذرعها القوية للانضمام إلى فاتف

الامتثال للمنظمة الدولية يمثل تهديدًا لنفوذ إيران الإقليمي في ظل دعمها لجماعات مثل حزب الله وحماس، لبسط نفوذها العسكري في المنطقة.

طهران - يحتدم الجدل في إيران بين المحافظين المتشددين والمعتدلين حول موضوع الانضمام إلى مجموعة العمل المالي الدولية "فاتف" الذي يعني أن تقطع إيران صلاتها بأذرعها القوية في المنطقة المصنفة دوليا على لائحة الإرهاب، وهو أمر مستبعد جدا.

وتفرض المجموعة الامتثال للوائح المالية الدولية التي أدرجت إيران على قائمتها السوداء. وذكر تقرير لشبكة "ايران انترناشيونال" أن البلاد تشهد انقسامًا حادًا بين السياسيين وقد زاد المتشددون من معارضتهم الانضمام إلى هيئة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب الدولية، بعد ثماني سنوات من مناشدة المنظمة الدولية لإيران بالامتثال لقواعدها.

وهاجمت صحيفة "كيهان"، كبرى الصحف الأصولية، الداعين إلى حل هذه القضية وانضمام إيران إلى هذه المنظمة، واصفة اياهم بأنهم "داعمون لإسرائيل". وقالت إن هؤلاء الأفراد هم أتباع الغرب، ويحاولون إجبار إيران على الاستسلام أمام مطالب هذه المنظمة، وهي مطالب تعني إفشال الإجراءات والأعمال التي قامت بها طهران في سبيل الالتفاف على العقوبات وإبطال مفعولها.

أما صحيفة "شرق" فكانت معارضة لموقف "كيهان" بشكل كامل، حيث شددت على أهمية حل هذه القضية والاهتمام بالأزمات الأخرى، مضيفة أن حكومة بزشكيان لديها الرغبة والحرص على الانضمام، لكن هناك من يعيق جهود الحكومة، حيث إن الملف برمته خارج عن صلاحية الحكومة، ويتحكم به مجلس تشخيص مصلحة النظام الذي يعارض حتى الآن الانضمام إلى"فاتف".

مفتاح الانضمام إلى "فاتف" ليس بيد الحكومة، وإنما بيد مجلس تشخيص مصلحة النظام المسيطر عليه من قبل التيار الأصولي والمقربين من المرشد علي خامنئي

من جانبها، علقت صحيفة "شرق"، على الجدل قائلة إن الحكومة السابقة بقيادة الأصولي إبراهيم رئيسي لم تكن ترغب في الانضمام إلى هذه المنظمة الدولية الهامة، وهو ما كلف البلاد كثيرا من التبعات والخسائر.

وأضافت "الحكومة الحالية بقيادة الإصلاحي مسعود بزشيكان لديها الرغبة والحرص على الانضمام، لكنها لا تملك الأدوات الكافية للانضمام، وهناك من يعرقل جهودها في هذا المجال".

وقالت الصحيفة أيضا إن الحقيقة أن مفتاح الانضمام إلى "فاتف" ليس بيد الحكومة، وإنما بيد مجلس تشخيص مصلحة النظام المسيطر عليه من قبل التيار الأصولي والمقربين من المرشد علي خامنئي.

وأشارت إلى أن حكومة رئيسي السابقة لم تكن مؤمنة بأهمية الانضمام إلى هذه المنظمة والخروج من القائمة السوداء لها، بل كانت تؤمن بطرق أخرى مثل الالتفاف على العقوبات.

ويأتي هذا الصراع الداخلي في وقت تواجه فيه إيران تحديات اقتصادية كبيرة، بما في ذلك العقوبات، والتضخم، والاستياء الشعبي الواسع، مما يضيف ضغوطًا على إدارة الرئيس بزشكيان؛ حيث يتطلب الانضمام إلى المجموعة التزام طهران بالقواعد العالمية المتعلقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، إلى جانب متطلبات أخرى.

ولا تزال إيران عاجزة عن تلبية هذه المتطلبات للخروج من القائمة السوداء، مما يؤدي إلى استمرار عزلتها عن الأنظمة المالية الدولية.
ومع ذلك، يرى التيار المتشدد، المتغلغل في هيكل السلطة الإيرانية، أن الامتثال للمنظمة الدولية يمثل تهديدًا لنفوذ إيران الإقليمي، خاصة في ظل دعمها المالي والعسكري لجماعات مثل حزب الله وحماس، التي تعتبرها طهران أدوات أساسية لبسط نفوذها العسكري في المنطقة.

وأفصح أبو الفضل أبو ترابي، عضو البرلمان الإيراني، عن موقفه الرافض لـ"فاتف" في تصريح أدلى به هذا الأسبوع، واصفًا المنظمة بأنها "أداة وسلاح بيد العدو للضغط علينا لإجبارنا على تسليم بياناتنا لهم".

وتعكس تصريحات أبو ترابي الشكوك العميقة، التي يحملها العديد من السياسيين الإيرانيين تجاه المؤسسات الدولية؛ حيث يخشون أن يؤدي الامتثال لمعاييرها إلى تقويض قدرة إيران على الاحتفاظ بتحالفاتها الإقليمية، والتي تعتبرها طهران جزءًا لا يتجزأ من استراتيجيتها الدفاعية والإقليمية.

وتعد "اتفاقية باليرمو"، واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل في هذا النقاش، وهي التي تتطلب من الدول الأعضاء مكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود.

ويتذرع أبو ترابي والمعارضون الآخرون بأن الانضمام إلى هذه الاتفاقية سيؤدي إلى تصنيف جماعات، مثل حزب الله وحماس كـ"منظمات إرهابية"، وهو ما يرون أنه سيقيّد قدرة إيران على دعم ما يسمونه "حركات التحرر".

وقال أبو ترابي محذرًا "إذا انضممنا إلى اتفاقية باليرمو، فنحن نقطع أذرعنا القوية"، مما يعكس اعتقاد هؤلاء المتشددين بأن الامتثال لـفاتف سيضعف دور إيران في المنطقة.

ويشكل الخلاف الداخلي بشأن هذه القضية تحديًا كبيرًا للرئيس بزشكيان، الذي انتُخب بناءً على وعود بإصلاح اقتصادي. وبعد انتخابات رئاسية شهدت تدنيًا في نسبة المشاركة، وازدياد الاستياء الشعبي من النظام السياسي، حقق بزشكيان النصر بعد تعهداته بتحسين الأوضاع الاقتصادية، في ظل أسوأ أزمة منذ 1979. لكن الوفاء بهذه الوعود أصبح مهمة شاقة، خصوصًا مع استمرار التوترات الإقليمية المتزايدة، خاصة مع إسرائيل، مما يعقد الوضع بشكل أكبر.