أين الحد الفاصل بين الإيروتيكا والبورنوغرافيا في الأدب؟
الحب موضوع أبدي في الأدب العالمي وقد ألهم الأدباء في كل العصور. وفي كل عصر كان يعبر عن قيم أخلاقية وجمالية معينة للشعب الذي ينتمي إليه الأديب. وهذا الشعور يمنح الانسان السعادة والإلهام أو يجعله يكابد ويعاني، وقد يكون سبباً في القيام بمآثر أو ارتكاب جرائم. ويحتل مكانة كبيرة في حياة كل إنسان، وهو شعور لا معنى للحياة بدونه. وفي الوقت نفسه، يعيش في قلوب كل من الأشخاص الحقيقيين وأبطال الأعمال الأدبية، وكل مظهر من مظاهر الحب فريد من نوعه في نص كل مؤلف.
لقد ولّت منذ فترة طويلة الأوقات التي كان فيها تقبيل يد الفتاة أو رؤية بعض مفاتنها هو الحلم النهائي لمن يعشقها. وبما أن الأدب هو غالبا انعكاس فني للواقع الذي خلق فيه، فليس من المستغرب أن تحتوي أي قصة حب على بعض المشاهد الصريحة في الأقل. إنها تحفز الخيال وتثير مشاعر قوية لدى القارئ. ومع ذلك، هناك احتمال كبير للوقوع ليس في الايروتيكا الجميلة ولكن في البورنوغرافيا أو الإباحية الكريهة، رغم وجود القيود القانونية العديدة في معظم بلدان العالم التي تحد من نشر المواد الإباحية. ومثل هذه المواد لا تثير إهتمام الجميع وتقابل بالسلبية والرفض من القارئ السوي.
وتتمثل إحدى المشكلات في تطبيق المعايير التي تحد من نشر المعلومات الإباحية وما شابهها هي عدم اليقين في مسألة التمييز بين مفهومي الإيروتيكا والبورنوغرافيا، حيث لم يتم تعريفهما بشكل معياري في أي مكان، ولا يزال علماء الجنس يتجادلون حول هذا الأمر حتى اليوم.
ولفهم هذه المشكلة من الضروري أولا وقبل كل شيء، التمييز بين ثلاثة مفاهيم لا ينبغي الخلط بينها. الجنس هو الحياة الجنسية الحقيقية للإنسان بكل مظاهرها، ورغم اختلاف الثقافة الجنسية بين الأمم المختلفة، إلا أنها لا تزال تقوم على الغريزة الجنسية والحاجة إلى الإنجاب واللذة التي ينالها الشخص من تلبية هذه الحاجة.
والإيروتيكا وسيلة لعكس الجنس في الثقافة، وتختلف من ثقافة إلى أخرى ومن بلد إلى آخر، كما تختلف باختلاف المراحل التاريخية، وهي متميزة وفريدة في كل ثقافة. فعلى سبيل المثال يختلف مفهومها في الثقافة الهندية والصينية القديمة كثيرا عن الثقافة الروسية أو العربية..
أما البورنوغرافيا قد تتجاوز الثقافة الايروتيكية لبلد ما، لكنها لا تعدّ كذلك في ثقافة أخرى أو بلد آخر. فعلى سبيل المثال هناك قيود قانونية في معظم البلدان الأوروبية تحد من نشر المواد الإباحية، في حين أنها متاحة في هولندا التي لا توجد فيها مثل هذه القيود.
ولكن بغض النظر عن ذلك، ينبغي أن يؤخذ في الاعتبار أنه في أي مجتمع وفي أي ثقافة، فإن الابتذال واستخدام الألفاظ النابية أو الفاحشة هما أساس البورنوغرافيا في الأدب، في حين أن الذائقة الجمالية ونبل الأفكار شرطان لا غنى عنهما لإنشاء عمل ايروتيكي.
إن معاداة الفن والفظاظة وابتذال الوسائل والتقنيات في حد ذاتها يمكن أن تخلق تأثيرًا إباحياً بالطبع، إذا كانت هناك حبكة إباحية حتى في الحالات التي لم يكن لدى المؤلف مثل هذا الهدف أو النية. وهذا ما يسمى بالإباحية العفوية والتي تصاحب دائما تدني مستوى ثقافة الأديب أو المجتمع ككل.
وتحدد نسبة الإيروتيكا والبورنوغرافيا في أي مجتمع من خلال مستوى ثقافة مواطنيه في المقام الأول. ولهذا السبب، تحديداً عندما يكون هذا المستوى منخفضاً لا يمكن لأي رقابة أن تحد من نطاق انتشار هذه المواد، وفي حالة وجود مثل هذه الرقابة فإنها تتخفى تحت الأرض.
تحدد نسبة الإيروتيكا والبورنوغرافيا في أي مجتمع من خلال مستوى ثقافة مواطنيه في المقام الأول
ومن الصعب التمييز بين المفهومين عندما لا يكون هناك حتى تعريف واحد متفق عليه بين علماء الجنس والباحثين لأي منهما. ومع ذلك، دعونا نكتشف أين هو الحد الفاصل بينهما في الأدب والذي لا ينبغي للكاتب أن يتجاوزه إذا كان يعتمد على قارئ مهتم بالقيم الجمالية.
الإيروتيكا هو فن نقل المشاعر الجنسية، وفي مثل هذه الأعمال هناك عنصر الإيحاء او الايماء بدلا من التصريح المباشر. وهي تركز فقط على الجمال الجسدي والروحي دون إثارة الرغبة في الإتصال الجنسي، وتصور الرغبات والأفعال الجنسية في شكل فني وتهدف إلى التأثير على عواطف الشخص من أجل إثارة المشاعر والأفكار الجمالية لديه. وغالبًا ما تكشف عن أعماق جديدة للوجود الإنساني، لم يتم فهمها أو قبولها بعد من قبل الأخلاق والوعي الجماعي.
أما البورنوغرافيا فإنها تربط كل شيء حصريًا بالسرير، وهي مليئة بالوصف الطبيعي المباشر، وتنفي تمامًا العنصر الروحي للعلاقة بين الرجل والمرأة، وتجرد الإنسان من الانسانية. علاوة على ذلك، قد تحتوي هذه الكتب على عناصر انحرافات مختلفة، بما في ذلك تلك التي يحظرها القانون.
إذا كانت الإيروتيكا تأخذ القارئ إلى مستوى جمالي جديد وتجعله يحلم ويتخيل ويفكر، فإن البورنوغرافيا لا تترك مجالًا للخيال، لأن التركيز هناك يكون على الاتصال الجنسي نفسه، ويترك كل شيء آخر جانباً. ونتيجة لذلك فإن مثل هذه الكتب تثير الرغبة وتكثفها، لكنها لا تقدم أي غذاء للعقل أو القلب. من الواضح أن الأدب البورنوغرافي، مع استثناءات نادرة، لا يمثل أدنى قيمة فنية، لأن المهمة الرئيسية لأي أدب هي التعبير عن المشاعر والتجارب الانسانية. الأدب فن يجب أن يظل جميلاً وروحانياً للغاية، بغض النظر عن الانحرافات النفسية والسلوكية. وهي قادرة على إشراك القارئ في تكوين أحكام أخلاقية. كما تستطيع استكشاف مجموعة واسعة من المشاعر والاستجابات العاطفية منها الخوف والألم والشوق والإيمان والحب والكراهية والرفض والقبول، وإن هذا النطاق لا نهاية له. أما البورنوغرافيا فإنها بطبيعتها غير قادرة على القيام بأي من هذا بطريقة ذات معنى.
كما أنها الجسد والجمال والبورنوغرافيا هي اللحم والسلعة، وبعبارة أخرى، فإن الأخيرة غير حساسة أو تلقائية أو مثيرة، أي جنس مجرد تماما من الإنسانية. وإذا كان الشخص غير قادر على فهم هذا الاختلاف، فإن هذا يدل في المقام الأول عن تدني مستوى ثقافته العامة والجنسية. وليس لهما نفس التأثير في المجتمع وخاصة في النساء. ففي البورنوغرافيا يتم قمع النساء ومعاملتهن بعنف مثل الأشياء، بينما في الايروتيكا لا يوجد مثل هذا القمع والعنف، بل هو مظهر من مظاهر المتعة التي يشعر بها الشريكان، وليس مظهرًا من مظاهر العنف.
والإيروتيك أو الإيروسية آتية من الإله إيروس، إلهُ الحُبِّ والجنس والخصوبة، وتعبر عن نشاط جنسي كامل قائم على المودة والرغبة المتبادلة بين شريكين متساويين، ونزع صفة الحيوانية عن الإتصال الجنسيّ وتحويله عملاً فنياً يجتمع فيه الخيال والحساسية والفانتازيا. أمّا البورنوغرافيا فإنها تأتي من جذر يوناني آخر "بورنو" والذي يعني الدعارة وتعكس نشاطا جنسيا مجردا من المشاعر والخيال قائما على هيمنة الذكور واستغلال النساء.
ولهذا السبب فإن كلمتي "متبادل" و"بين المتساوين" صريحان بشكل خاص لأنهما تعنيان عدم وجود فرق بين الرجل والمرأة في هذا المجال. لا يستعرض الرجال سلطتهم على النساء، بل على العكس من ذلك، هناك مفهوم المشاركة بين الشريكين.. هذه مشاعر إيجابية يعيشها كل زوجين في الحب. ونتيجة لذلك، تُظهر الإيروتيكا العلاقة الحميمة الطبيعية بين الزوجين. من ناحية أخرى تعكس البورنوغرافيا نشاطا جنسيا حيوانياً قائما على هيمنة الذكور واستغلال الأنثى.
ومن وجهة نظر الحركات النسوية، الابروتيكا هي تصوير للعلاقات الجنسية المتساوية بين الجنسين، والبرنوغرافيا هي العلاقات غير المتكافئة التي تنتهك الرغبات الجنسية للمرأة.
إن ممارسة الحب يجب أن تكون جميلة ورومانسية وناعمة ولطيفة وخالية من الفوضى والابتذال والرغبة في التسلط أو العنف من أي نوع. هذا هو السبب في أن المواد البورنوغرافية تخنق النساء فعلا. في الواقع، احترام المشاعر مهم جدًا بالنسبة لهن ومعظمهن مدفوعات بمشاعرهن، بينما معظم الرجال مدفوعون بالغريزة. على سبيل المثال، ليس من الشائع والصعب بشكل خاص بالنسبة للمرأة ممارسة الحب بدون مشاعر بينما هو شائع لدى الرجل. وهذا هو السبب في أن رؤية الفعل الجنسي بدون مشاعر كما في الأفلام الإباحية ليس خانقًا للرجل كما للأنثى.