إلى أن يعود لبنان إلى دولته

من السذاجة القول أن حزب الله لا يعاني من مشكلة حقيقية بغياب قيادته التاريخية.

لن يكون مستقبل حزب الله مضمونا حتى لو أسرعت إيران في تشكيل قيادة جديدة وهو ما لابد أن تفعله؟

حسن نصرالله لم يكن زعيما عاديا لكي يتم استبداله في غمضة عين، الزمن الذي استغرقته عملية اغتياله.

كما أن القادة العسكريين الذين تمت تصفيتهم ليسوا من طراز يمكن انتحال تجاربهم بيسر. فهم أبناء خبرة يمتد تاريخها عبر أكثر من ثلاثين سنة من دروس العمل العسكري المباشر الذي تسنده ثقة عقائدية لم تهتز في مواجهة تفوق آلة الحرب الإسرائيلية.

ولكن قبل كل شيء يظل المخطط الإسرائيلي مفتوحا على كل الاحتمالات الذي يقف في مقدمتها الاستمرار في تصفية القيادات الجديدة اعتمادا على اختراق أمني لم يستطع حزب الله حتى اللحظة المعلنة من علاجه على الرغم من أن الشبهات أحاطت بمكتب إسماعيل قآاني زعيم فيلق القدس الإيراني وهو المسؤول مباشرة عن إدارة ملف الحزب. ولكن تلك الشبهات قد تكون مجرد تكهنات إعلامية لا ترقى إلى مستوى اليقين.

وقبل حزب الله كانت إيران نفسها مُخترقة أمنيا من قبل الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية. لذلك يمكن أن تصل القرارات الإيرانية إلى إسرائيل في الوقت نفسه الذي تصل فيه إلى لبنان. ذلك مجرد تخمين. ولكن ينبغي التعامل معه بشكل جاد كما لو أنه يمثل الحقيقة. فالحزب الذي فقد قيادته كلها في غضون أسبوع واحد لابد أن يكون حذرا في يقينه ولابد أن يقدم الشكوك على كل خطوة يمكن أن تبقيه في الهاوية أو تزيد عمقها.

ليس مهما في هذه المرحلة أن يلتفت الحزب إلى اللبنانيين ليؤكد لهم أنه لا يزال قويا وصامدا، بل ومنتصرا. فاللبنانيون سواء مَن فجعوا بمصابه أو مَن فوجئوا بإنهياره يؤلمهم أن الحزب لم يتعلم شيئا من حرب 2006، بل أنه اختار أن يمضي في الطريق التي وصلت به إلى مناطق أسوأ من تلك التي وصل إليها في الحرب السابقة. وفي الحربين كان هو البادئ في اللجوء إلى الحل العسكري.

المهم حتى بالنسبة لنا أن يتم تدارك تداعيات هذا الانهيار العظيم على الواقع اللبناني. فحزب الله الذي دخل الحرب رغبة منه في مؤازرة أهل غزة -وهو مصطلح يعني حركة حماس- قد انتهى بلبنان إلى الحاجة إلى مَن يؤازره. أعتقد أن أكثر من مليون نازح رقم يجب أن نقف أمامه مذعورين. مرة أخرى يدفع لبنان ثمن حرب لم تكن له يد فيها. لذلك فإن ناقوس الخطر سيظل يدق ما دام حزب الله موجودا بصيغته الإيرانية على الأراضي اللبنانية.

لن تنقذ قيادة جديدة لحزب الله لبنان من حرب وحشية يصر نتنياهو على الاستمرار فيها إلى أن يصل إلى أهدافه وهو ما لن يتمكن من تحقيقه إلا إذا استسلم حزب الله وهو أمر مستحيل أو يوكل حزب الله مهمة التفاوض مع إسرائيل إلى الدولة اللبنانية وهو ما لا تفكر فيه إيران اليوم ولكنها قد تتراجع عن عنادها في أية لحظة تبعا لما تشعره من تهديد على أمنها اقومي.  

من السذاجة القول أن حزب الله لا يعاني من مشكلة حقيقية بغياب قيادته التاريخية، ولكن الأسوأ من ذلك أن يستمر في التعامل مع التحولات كما لو أن تلك القيادة لا تزال موجودة. وهنا بالضبط يحل الاسطوري محل الواقعي ويكون الحزب كما لو أنه يحارب طواحين الهواء فيما تحرث آلة الحرب الإسرائيلية أرض لبنان بمَن عليها. وتلك جريمة مضافة لا يمكن أن تُغتفر. غير أن تبعيته لإيران لا تسمح له بالتفكير في مصير لبنان وأهله. سيظل الحزب رهين قرار إيراني قد لا يصدره الولي الفقيه لأنه لم يشعر بعد بأهميته.

كل حديث الحكومة اللبنانية ممثلة برئيسها عن قرارات أممية سابقة لا يمكن أن يكون حديثا واقعيا في ظل جنون إسرائيلي يستند إلى دعم غربي غير مشروط ومطلق. لبنان في حاجة أولا إلى أن يتأكد من أنه لا يزال دولة لها سيادة على أراضيها ومن بعدها ثانيا سيكون له الحق في أن يذهب إلى مجلس الأمن لاستصدار قرار جديد ينظم علاقته الحدودية مع دولة الاحتلال.

ذلك ما لا يمكن إنجازه إلا من خلال الانتهاء من حكاية المقاومة وإقفال الباب أمام التدخل الإيراني واعتبار سلاح حزب الله جزءا من سلاح الجيش اللبناني المدافع عن سيادة لبنان على أراضيه وصيانة حدوده. تلك أمنية.