ولادة عسيرة لسينما الرعب المغربية في 'فندق السلام'

فيلم المخرج المغربي جمال بلمجدوب يعد خطوة مهمة في تطوير السينما المحلية وتحديًا كبيرًا نظرًا لعدم توفر تقنيات متقدمة وللإمكانيات المحدودة.

تدور أحداث فيلم“فندق السلام” السينمائي للمخرج المغربي جمال بمجدوب حول موضوع الجن وارتباطه بالثقافة المغربية، إذ يحكي قصة أشخاص غلب عليهم الطمع والجشع ليجدوا ذات يوم أنفسهم في مواجهة مع “الجن” الذي يحرس الكنز الذي قاموا باستخراجه من تحت الأرض، وهذا ما سيعرض أغلبهم للمس وللعنة، فيتحولون من أصدقاء إلى أعداء.

الفيلم من سيناريو  جمال بلمجدوب وبطولة كل من  الممثل القدير محمد الشوبي وسلوى زرهان وسامي الفكاك وبن عيسى الجيراري وعزيز بوزاوي.

يقدم فيلم "فندق السلام"  استكشافًا عميقًا للصراعات الداخلية التي تواجهها الشخصيات مركزا على الجانب المظلم من النفس البشرية، حيث يتجلى الطمع كقوة دافعة تؤدي إلى انهيار العلاقات.

تعكس الشخصيات تنوعًا نفسيًا، ما يسمح للمتلقي بالتعاطف معها في بعض اللحظات، بينما يستشعر الفزع من تصرفاتها في أخرى، كما أن التحول  الكبير في العلاقات يعكس حقيقة مؤلمة عن الطبيعة البشرية، حيث يمكن أن تقود الأزمات إلى التفكك الاجتماعي، وهذا الانهيار العاطفي يعكس قلقًا وجوديًا، ما يضفي عمقًا نفسيًا على الحبكة.

وتعتبر استجابة المتلقي لفيلم "فندق السلام" عنصرًا مهمًا لفهم تأثيره، فالجمهور المغربي الذي قد يكون أقل تعرضًا لأفلام الرعب، يظهر استجابة متباينة تثير مشاهد الرعب القوية في الفيلم مشاعر الخوف والقلق.

ويمكن لللتفاعل مع هذه المشاعر  أن يؤدي إلى حوار داخلي حول القيم الإنسانية والأخلاقية، خاصة في سياق الطمع والجشع الذي يظهر في الفيلم.

ويعتمد فيلم "فندق السلام" على الثقافة المغربية، خاصة من خلال استحضار موضوع الجن الذي يرتبط بمعتقدات شعبية عميقة، وهذا البعد الثقافي يجعل الفيلم أكثر ارتباطًا بالجمهور، حيث يستحضر الخرافات والتقاليد المحلية.

تفاعل الفيلم مع هذه العناصر الثقافية يمنحه مصداقية ويجعله تجربة فريدة في السينما المغربية، بينما استخدام الجن كعنصر محوري يفتح المجال لاستكشاف موضوعات الهوية.

ويعتبر إنتاج فيلم رعب في السياق المغربي تحديًا كبيرًا، نظرًا لعدم توفر تقنيات متقدمة وللإمكانيات المحدودة في هذا النوع من السينما، ومع ذلك تمكنت شركة "جاكارندا برودكشن" من تقديم عمل بمستوى احترافي، حيث تم استخدام تقنيات متطورة في الماكياج السينمائي والديكور.

وتتطلب التكاليف المرتبطة بإنتاج فيلم رعب استثمارات كبيرة، كما أن العمل في مواقع غير تقليدية مثل الفنادق المهجورة يزيد من تعقيد العملية الإنتاجية، لكن استجابة الجمهور والنقاد الايجابية، تدل على أن الجهد المبذول قد أثمر نتائج ملموسة.

ويمثل فيلم "فندق السلام" خطوة مهمة في تطوير السينما المغربية، حيث يجمع بين الرعب النفسي والعمق الثقافي، ويقدم نظرة مثيرة على التحديات النفسية للأبطال.

جمال بلمجدوب (يمين)
تميز واضح في كيفية ترتيب المشاهد وتنظيم اللقطات

وتعتبر سلوى زرهان  واحدة من أبرز الوجوه في الدراما المغربية، وقد أثبتت قدرتها على الانتقال إلى عالم السينما من خلال أدائها في فيلم "فندق السلام"، حيث ان تواجدها في هذا العمل يمثل تحديًا جديدًا، تجسد من خلاله شخصية تتعرض لصراعات نفسية عميقة، ويعكس أداؤها مزيجًا من القوة والضعف، واستطاعت زرهان أن تُظهر تطور شخصيتها بشكل متقن، حيث تتحول من شخصية تعكس الضمير إلى واحدة تتصارع مع قوى خارقة.

ويعتبر محمد الشوبي من الأسماء اللامعة في السينما المغربية، وأداؤه في "فندق السلام" يُبرز موهبته الاستثنائية، إذ يتمتع  بقدرة على تجسيد الشخصيات المعقدة، حيث يتمكن من نقل مشاعر القلق والخوف بفعالية ويضفي أداؤه القوي عمقًا على القصة، ما يجعل لحظات الرعب أكثر تأثيرًا، كما أن تفاعله مع بقية الشخصيات يظهر قدرة على بناء العلاقات المعقدة..

في حين أن بنعيسى الجيراري، المعروف بأدواره المتعددة في السينما والتلفزيون المغربي، يقدم  أداءً يمكن اعتباره متوسطًا، على الرغم من خبرته، اذ لم يتمكن من تجسيد الشخصية بشكل يتناسب مع مستوى التوتر والدراما الذين يحملهما الفيلم، إذ يظهر جليًا أن أداءه يفتقر إلى العمق العاطفي المطلوب.

بينما يقدم الجيراري بعض المشاهد الجيدة، فإن افتقاره إلى التنوع في التعبيرات والردود العاطفية قد يترك انطباعًا بأن الأداء كان أقل مما هو متوقع، حيث كان من الممكن أن يستفيد من استكشاف أبعاد الشخصية بشكل أعمق، بينما وجوده في الفيلم يُظهر التزامه بتطوير السينما المغربية، ويعكس الجهود المبذولة في محاولة تقديم أدوار مختلفة في هذا النوع الفني.

ويبرز مخرج "فندق السلام"، جمال بلمجدوب تميزًا واضحًا في كيفية ترتيب المشاهد وتنظيم اللقطات، اذ استطاع  أن يبني تتابعًا دراميًا متماسكًا، حيث تمزج المشاهد بين لحظات الرعب والتوتر مع عناصر الدراما الإنسانية.

وتتفاعل كل لقطة تم تصميمها بعناية مع مشاعر الشخصيات وتطور الأحداث، مما يسهم في خلق جو من التوتر المستمر. بدايةً من الاكتشاف المفاجئ للكنز، مرورًا بالتغيرات النفسية التي تطرأ على الأبطال، وصولًا إلى اللحظات القاتلة التي تواجههم مع قوى الجن، يُظهر بلمجدوب قدرة فائقة على حبكة المشاهد بشكل يضمن انسيابية السرد.

ويحقق التحول بين المشاهد توازنًا بين الخوف والإثارة، حيث تتصاعد الأحداث بشكل تدريجي، وهذه التقنية في الإخراج تعزز من شعور الرعب، وتجعل من "فندق السلام" تجربة سينمائية فريدة تتجاوز التوقعات.

والسينما المغربية بحاجة ملحة إلى استكشاف أنواع جديدة مثل أفلام الرعب، رغم وجود عدد قليل من عشاق هذا النوع في البلاد، إذ يعكس تقديم  صنف الرعب تطورًا في الصناعة السينمائية ويتيح للسينمائيين فرصة للتجديد والابتكار، وهذا النوع يمكن أن يجذب شريحة جديدة من الجمهور ما يساهم في إثراء المشهد السينمائي المغربي، بينما  توفر أفلام الرعب منصة لتناول موضوعات اجتماعية وثقافية مهمة، مثل الخوف من المجهول والصراعات النفسية، كما أن استكشاف الأساطير والخرافات المحلية، مثل موضوع الجن في "فندق السلام"، يضيف عمقًا ثقافيًا ويعزز من الهوية السينمائية المغربية، خاصة و أن  جمهور الرعب قد يكون محدودًا، إلا أن نجاح مثل هذه الأعمال يمكن أن يفتح آفاقًا جديدة لصناعة السينما ويشجع على تطوير محتوى متنوع يتناسب مع اهتمامات الجمهور المختلفة.

 وجمال بلمجدوب مخرج مغربى، وكاتب سيناريو، وناقد، و حصل على بكالوريوس الاقتصاد فى مدينة ليل الفرنسية  ثم درس السينما وعمل مساعد مخرج في العديد من الافلام منها "الطفولة المغتصبة"، ومن افلامه "ياقوت، الحلم المغربى"، كما أخرج مسلسل "خلخال الباتول"، قام بتدريس مادة السيناريو فى المدرسة العليا للإخراج السمعى والبصرى بالدار البيضاء.