التوتر الإقليمي يدفع أنقرة كرها للتهدئة مع الأكراد
اسطنبول- تسعى الحكومة التركية للتهدئة مع المتمردين الأكراد بالرغم من الاعتداء الذي نفذه حزب العمال الكردستاني هذا الأسبوع والذي يبدو توقيته من باب الصدفة، برأي خبراء.
وتتوجس أنقرة من تصاعد التوترات في المنطقة والمخاطر المحدقة بها وتريد على ما يبدو احتواء المتمردين الأكراد على الجبهتين السورية والعراقية وهو ما يفسر إلى حد كبير المبادرة التي أطلقها زعيم الحركة القومية اليميني المتشدد دولت بهجلي قبل أيام من هجوم أنقرة الذي تبناه حزب العمال الكردستاني وأكد انه مخطط له منذ فترة طويلة وأنه منفصل عن التطورات الهجوم الأخير الذي استهدف الأربعاء الماضي مقر الشركة التركية لصناعات الفضاء قرب أنقرة وأسفر عن سقوط خمسة قتلى و22 جريحا، لكنه حرص في بادرة غير مسبوقة على فصله عن العملية التي باشرتها السلطة.
وإذ أوضح الحزب في بيان طويل عبر تلغرام أن الهجوم كان "مخططا له منذ فترة طويلة" من أجل توجيه "تحذيرات ورسائل ضد المجازر وممارسات الإبادة والعزل التي تعتمدها الحكومة التركية"، أكد أنه غير مرتبط بالمستجدات السياسية في البلد.
وردت الحكومة بقصف حوالي خمسين هدفا للمتمردين الأكراد في شمال العراق، لكن الواقع أنها كانت في اليوم السابق مدت اليد إلى الزعيم التاريخي للحزب عبدالله أوجلان المسجون منذ 1999، من خلال مبادرة قام بها عضو بارز في الائتلاف الحاكم.
ورأى حميد بوزارصلان الخبير في هذه الحركة الكردية أن "قسما من السلطة يود فتح حوار مع الحركة الكردية وخصوصا في ظل فرضية تدهور الوضع الإقليمي وزعزعة إيران"، ما سيكون له "وطأة مؤكدة على العراق وسوريا".
وكان زعيم الحركة القومية المعادي بشدّة لحزب العمال الكردستاني والمنضوي في ائتلاف أردوغان الحاكم، قد دعا الثلاثاء أوجلان (75 عاما) الذي يقضى عقوبة بالسجن المؤبد، للحضور إلى البرلمان لإعلان حل الحركة، مقابل إطلاق سراحه.
وعاد بهجلي وأعلن السبت في لهجة تهدئة واضحة وفي خطاب أكثر هدوء، أن "الأتراك والأكراد يحبون بعضهم بعضا، هذا واجب ديني وسياسي في آن على الطرفين".
وفي مؤشر آخر على رغبة رسمية في حلحلحة الأزمة، سُمح يوم وقوع الاعتداء الأربعاء لابن أخ أوجلان بزيارته في سجنه الواقع على جزيرة قبالة اسطنبول لأول مرة منذ "43 شهرا"، على ما أوضح عمر أوجلان النائب عن حزب الشعوب الديمقراطي، أكبر الأحزاب الموالية للأكراد.
وسارعت الطبقة السياسية إلى الإشارة إلى أن الاعتداء "لا يمكن أن يكون من باب الصدفة" في ظل مثل هذه الظروف وهو ما أكده وزير المال التركي محمد شيمشك أمام معهد بروكينغز في واشنطن، غير أن العملية الجارية تطرح مسألة زعامة أوجلان للحزب بعد قضائه أكثر من 25 عاما في السجن.
ورأى حميد بورصلان أنه بالرغم من السنوات التي أمضاها في السجن "يبقى أوجلان اللاعب المرجعي" الذي يمكنه "التأثير على العملية أو العمليات" التي باشرتها السلطات، لكن "بدون تواصل عضوي" مع حركته، رأى يكتان تركي يلمظ الأستاذ الجامعي في النمسا أنه "سيكون من الصعب للغاية عليه فرض خطة صادقت عليها الحكومة"، مشيرا إلى عدم تجانس الحركة الكردية.
وأضاف أن "أوجلان يجد نفسه اليوم بالتأكيد في أسوأ وضع من مساره السياسي، لأنه لم يكن بحاجة في السابق إلى تعبئة أنصاره أو إقناعهم بحل سياسي سلمي أو بمصالحة" مع السلطات.
لكن الباحث لفت إلى أن "الأمر نفسه ينطبق على الحكومة" في حين أن الرأي العام غير مؤيد بالضرورة لاتفاق مع حزب العمال الكردستاني وأن المحافظين المتشددين معارضون بشدة له.
ويرى المراقبون أن السلطات عمدت إلى مد اليد في ظل وضع إقليمي يهدد بالانفجار، في وقت تخشى أنقرة من اتساع بقعة الحرب التي تخوضها إسرائيل مع حركة حماس في قطاع غزة ومع حزب الله في لبنان.
وقال يكتان تركي يلمظ إن الحكومة التركية تسعى "لتعزيز جبهتها الداخلية لمواجهة التحدي الإقليمي الذي تطرحه إسرائيل"، لكنها ترى في ذلك خصوصا "فرصة" لإزالة الضغط على حدودها مع سوريا، حليفة إيران.
وبعد الضربات الإسرائيلية على إيران ليل الجمعة السبت، دعت تركيا إلى "وضع حد للإرهاب الذي أوجدته إسرائيل في المنطقة" التي باتت "على حافة حرب أكبر".