حرب غزة تنعش حركات الإسلام السياسي

إن كان من المبكر الجزم بما قد يحققه اسلاميو المغرب من مكاسب من خلال استثمار حرب غزة، فإن إسلاميي الأردن انتزعوا بالفعل مكاسب كبيرة بعودتهم بقوة للبرلمان.

تونس - نجحت بعض حركات الإسلام السياسي في المنطقة العربية في توظيف الحرب على غزة ولبنان لجهة العودة للساحة السياسية بعد فشل تجربتها في الحكم وانكسار مشروع التمكين الذي دعمته تركيا وقوى غربية.

وبعد أن خفت تأثيرها وتراجعت قواعدها الشعبية وموقعها سياسيا على سبيل المثال في الأردن والمغرب، أعاد العدوان على غزة ولبنان الروح لتلك الحركات التي تحسن العزف على وتر العواطف وتستثمر الأحداث على دمويتها ومأساويتها لجهة استقطاب الجماهير.

واستفاد حزب العدالة والتنمية الإسلامي المغربي وجبهة العمل الإسلامي في الأردن، سياسيا من عملية طوفان الأقصى التي نفذتها حركة المقاومة الفلسطينية (حماس) المحسوبة على تيار الاخوان المسلمين في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي وكانت سببا في إشعال فتيل الحرب التي تمددت من قطاع غزة إلى لبنان وتنذر بتمددها إلى نطاق أوسع بما يشمل إيران والعراق وسوريا.

وبعد نكسة انتخابية في 2021 أخرجت حزب 'البيجيدي' أو 'المصباح' من الباب الصغير بعد نحو عقدين من قيادة ائتلاف حكومي في مناسبتين منذ 2011، وأحدثت شرخا عميقا في صفوفه مع انشقاقات وخلافات ومناكفات داخلية وتراجعا شعبيا، أعادت التطورات في غزة تحديدا الروح للحزب الذي يستعد لعقد مؤتمره العام التاسع، وسط مطالب داخلية بمراجعة خطابه الديني والسياسي والدفع بقيادة جديدة لمواكبة التطورات وتداعيات الهزات الجيوسياسية.

وبدا حزب العدالة والتنمية المغربي أكثر نشاطا منذ هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، من حيث اللقاءات الشعبية وقيادة احتجاجات دعما للفلسطينيين في تحرك يبدو أقرب للمزايدة منه للتضامن وفي حراك يجري توظيفه لأهداف سياسية داخلية من أجل ترميم الشروخ واستعادة زمام المبادرة في الشارع واستقطاب أنصار كثير منهم انفضوا من حول الحزب وقيادته بعد النكسة الانتخابية في سبتمبر/أيلول 2021.

والحزب الإسلامي الذي وقع بقيادة سعدالدين العثماني حين كان رئيسا للحكومة على اتفاقية استئناف العلاقات بين المغرب وإسرائيل واستنكرها لاحقا خلفه على رأس الأمانة العامة للحزب عبدالاله بنكيران، عاد في الاشهر الأخيرة للنشاط بقوة أملا في استعادة مكانته التي كان عليها في السنوات القليلة الماضية.

ووجد بنكيران الذي تعرض لانتقادات حادة من كبار قادة البيجيدي من أمثال محمد يتيم  ومصطفى الرميد وعزيز الرباح ولحسن الداودي وغيرهم من القيادات، في هجوم طوفان الأقصى ومسار القضية الفلسطينية، فرصة لإعادة إنعاش حزبه شأنه في ذلك شأن حزب جبهة العمل الإسلامي الأردني الذي حقق مكاسب سياسية لم يكن يحلم بتحقيقها في الأوضاع العادية بانتزاعه فوزا ثمينا في الانتخابات التشريعية الأخيرة.

ويسعى بنكيران الذي يرفض ضمنا تجديد قيادة الحزب في المؤتمر القادم، لاستعادة زخم المبادرة سياسيا وشعبيا واستعادة ثقة من انفضوا من حوله واستقطاب متعاطفين جدد لتقوية القاعدة الشعبية للإسلاميين.

وبدا واضحا من خلال تصريحات الأمين العام للعدالة والتنمية أنه راهن على نصرة القضية الفلسطينية والتضامن مع غزة وحماس، لتحقيق مكاسب ما كان ليحققها لولا تلك التطورات المأساوية في الأراضي الفلسطينية.

وتغيرت لهجة بنكيران في الأشهر الأخيرة من الحديث عن الأزمة الداخلية لحزبه وعن وضعها المالي الذي قد لا يسمح له بخوض انتخابات التشريعية 2026، بعد امتناع أعضاء محليين وجهويين وأنصار عن دفع الاشتراكات الحزبية، إلى تأكيد أن البيجيدي لم ينته ولم يمت ولا يزال قادرا على العودة بقوة للساحة السياسية بل ويستعد لخوض المعركة الانتخابية.

اسلاميو الأردن نجحوا في استثمار حرب غزة لانتزاع مكاسب سياسية كبيرة
اسلاميو الأردن نجحوا في استثمار حرب غزة لانتزاع مكاسب سياسية كبيرة

وان كان من المبكر الجزم بما قد يحققه اسلاميو المغرب من مكاسب من خلال استثمار حرب غزة، فإن إسلاميي الأردن انتزعوا بالفعل مكاسب كبيرة بعودتهم بقوة للبرلمان.

وفتح العدوان على القطاع الفلسطيني المحاصر الساحات العامة أمام إخوان الأردن الذين كانوا يكابدون في الحفاظ على تموقعهم في مشهد سياسي متقلب عرفته المملكة خلال السنوات الأخيرة.

وتمكن هؤلاء من استعادة زخم المبادرة في مخاطبة مشاعر الأردنيين وتعزيز قواعدهم الشعبية من خلال مخاطبة عواطف الجمهور لا عقله والعزف على وتر دعم المقاومة، بينما لا يشكل التضامن مع غزة ولبنان استثناء يخصهم لوحدهم فقد سجلت كل شعوب الدول العربية والإسلامية بمختلف انتماءاتها الحزبية والايديولوجية تعاطفا كبيرا مع محنة الغزيين واللبنانيين.

لكن بالنسبة لاخوان الأردن يبدو الأمر مختلفا نسبيا نظرا للقرب الجغرافي وللروابط العائلية وللتواجد الفلسطيني المكثف في المملكة.

ومكنت موجة التعاطف مع غزة إسلاميي الأردن من انتزاع خُمس مقاعد البرلمان الجديد في آخر انتخابات تشريعية فقد حصل حزب جبهة العمل الإسلامي الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، على 32 مقعدا بمجلس النواب الأردني من أصل 138.

وقال مراد العضايلة مراقب عام جماعة الإخوان المسلمين حينها إن حزبه حقق تقدما لافتا في الانتخابات النيابية التي شهدتها البلاد.

واستفاد الحزب الإسلامي من قانون جديد يستهدف تعزيز دور الأحزاب السياسية في البرلمان المؤلف من 138 مقعدا، على الرغم من استمرار هيمنة العشائر والأطراف الموالية للحكومة على البرلمان.

ويشكّل مجلس النواب المنتخب أحد جناحي مجلس الأمة الأردني الذي يضمّ أيضا مجلس الأعيان المؤلف من 69 عضوا يعينهم العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني. ويمكن للبرلمان حجب الثقة عن الحكومة وإقرار القوانين وإصدار التشريعات.

وتمثل الانتخابات مجرد خطوة في عملية التحول الديمقراطي التي أطلقها الملك عبدالله سعيا إلى عزل الأردن عن الصراعات على حدوده وتسريع وتيرة الإصلاحات السياسية.

وأبقى القانون الجديد على نظام انتخابي يميل بقوة لصالح مناطق العشائر ومناطق ذات كثافة سكانية منخفضة على حساب مدن مكتظة يشكل الأردنيون من أصل فلسطيني الثقل السكاني فيها وهي مراكز قوة للإسلاميين وبها اهتمام كبير بالسياسة.

وتم السماح لجماعة الإخوان المسلمين بالعمل في الأردن منذ عام 1946، لكنها صارت محل شكوك بعد أحداث ما يعرف باسم الربيع العربي الذي شهد مواجهات بين الإسلاميين والسلطات في العديد من البلدان العربية.

وقاد الإسلاميون عددا من أكبر الاحتجاجات في المنطقة لدعم حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية حماس، حليفتهم الأيديولوجية، وهو ما يقول معارضوهم إنه سمح لهم بزيادة شعبيتهم.

وبالنسبة لعدد آخر من جماعات الإسلام السياسي في المنطقة مثل النهضة في تونس وحركة مجتمع السلم في الجزائر والأحزاب الإسلامية في ليبيا والاخوان في مصر، لا يبدو لتطورات الوضع في الشرق الأوسط تأثير كبير على وضع تلك الحركات.

وباستثناء حركة مجتمع السلم الجزائرية التي تنشط ضمن ضوابط حددتها السلطة با يبقيها فاعلا هامشيا، تبدو النهضة التونسية في وضع هش بعد تراجع شعبيتها إلى مستويات دنيا وفقدان التونسيين الثقة في الإسلاميين.

وتاريخيا يبدي التونسيون عموما بمختلف ألوانهم السياسية والايديولوجية تعاطفا كبيرا مع القضية الفلسطينية وهو وضع مشابه أيضا بالنسبة لليبيين، لكن لم يكون لحرب غزة وطوفان الأقصى أثر في إعادة الروح للتنظيمين في البلدين.

وفي مصر بدا لافتا عودة نشاط جماعة الاخوان المسلمن بقوة من خلال أذرعها الاعلامية ومن خلال منصات التواصل الاجتماعي.

وركز التنظيم المحظور بقرار قضائي على توجيه انتقادات عنيفة للموقف الرسمي وشيطنة جهود وقف الحرب على غزة، مسوقا لرواية تزعم تآمر النظام المصري أو أقله عدم فعله ما يكفي نصرة للقضية الفلسطينية.