'جوكينغ' مسرحية لبنانية تضيء على واقع المرأة العربية

المسرحية للممثلة اللبنانية حنان حاج علي تقدم التحديات الجذرية للصور النمطية والأحكام المسبقة التي تثقل كاهل النساء في العالم العربي.

تونس - تتبّع الممثلة اللبنانية حنان حاج علي في عرضها المسرحي "جوكينغ" قصص أربع نساء، وكل واحدة منهن تعكس تجسيدا لجزء من حياة حنان نفسها، فهذه القصص تتشابك مع الواقع المأساوي للمرأة في الشرق الأوسط وتطرح أسئلة عن القتل والخيانة والتضحية.

أولى هذه الشخصيات هي "ميديا" وهي المرأة التراجيدية في الأساطير اليونانية التي قتلت أطفالها انتقاما وردا على خيانة زوجها. تكشف حنان حاج علي عن حكاية "ميديا" بتهكم وسخرية في ظاهرها لكن الباطن جاء محملا وجعا وآلاما نفسية وذهنية وفيزيولوجية.

وليست حكاية "ميديا" سوى مدخلا لرواية معاناة نساء أخريات، إذ تعود المسرحية لتستعرض تجارب أخرى لنساء مررن بتجارب قاسية مشابهة مثل شخصية "إيفان" تلك المرأة اللبنانية التي انتقمت من زوجها عبر قتل بناتها الثلاث قبل أن تنتحر، إلى جانب شخصية "زهرة" التي فقدت أطفالها الثلاثة وخانها زوجها أيضا. وهذه الشخصيات تعكس معاناة النساء اللواتي تَجرّعن الألم نتيجة الخيانة والعنف، بل ويُعدن تسليط الضوء على المأساة المستمرة التي تعيشها المرأة في الواقع العربي.

وقد أتيحت لجمهور قاعة الفن الرابع بالعاصمة التونسية فرصة مشاهدة مسرحية "جوكينغ"، الخميس، في إطار عرض شرفي قدم من لبنان في اختتام الدورة الثانية للمهرجان الوطني للمسرح التونسي "مواسم الإبداع" الذي أقيم خلال الفترة الممتدة من السابع إلى غاية الرابع عشر من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.

وهذا العرض يصنف في خانة المونودرام وهو من إخراج إريك دينيود ودراماتورجيا عبدالله الكفري، وهو عمل متجدد يندرج ضمن "مسرح قيد التطوير" وتم تقديمه إلى الجمهور في مختلف العواصم الأوروبية والبلدان العربية وحتى في مخيمات اللاجئين في لبنان وفلسطين. وكان قُدّم كذلك ضمن العروض الموازية لأيام قرطاج المسرحية سنة 2017 في تونس بفضاء مسرح الحمراء.

وتبدأ أحداث المسرحية بجري متسارع على خشبة المسرح، في حركة تبرز مرونة جسد الممثلة حنان حاج علي التي أخذت مكانها على خشبة المسرح قبل دخول الجمهور إلى القاعة، مرتدية لباسا أسود اللون، وقد باشرت تمارين الإحماء التي تسبق عرضها، مهيئة جسدها وصوتها لأداء دور معقد ومؤثر.

ويعتبر الأسلوب الفني في "جوكينغ" أحد أبرز عناصر العرض، فمن خلال الكاشفات الضوئية، يتم إبراز الصورة المسرحية على ثلاثة مستويات: الممثلة نفسها، وظلّها المضخّم الذي يظهر على الجدران، وهو ما خلق توترا بصريا يواكب الحكاية التي ترويها حنان حاج علي. وفي الوقت نفسه، يتم تقييد الممثلة في مربع ضوئي في وسط الركح والذي يتقلص حجمه مع تقدم العرض في إشارة إلى تضييق المساحات على المرأة العربية ومحاصرتها من جميع الجهات.

ولعبت التقنيات الصوتية أيضا دورا مهما في خلق الجو النفسي الذي يخدم رسالة العمل، حيث تبدأ المسرحية بتمارين صوتية تجمع بين التلاعب بمخارج الحروف وربط حروف الأبجدية بحرفي "الخاء" و"الراء"، فزادت من حالة الهلع النفسي والصراع الداخلي الذي تعيشه الشخصية. وأما الحركة الجسدية للممثلة، فهي تتنقل بين التمارين اليومية التي تمارسها حنان حاج علي نفسها للحفاظ على صحتها الجسدية والنفسية وبين مسارات سردية ترتكز على التأمل في حالتها كـ"أم" و"امرأة" وسط واقع قاسٍ.

وتُظهر حنان حاج علي في "جوكينغ" تحديا جذريا للصور النمطية والأحكام المسبقة التي تثقل كاهل النساء في العالم العربي، فهذه المرأة من خلال نصها وأدائها تقدم عرضا يطرح تساؤلات عن وجود المرأة في مجتمعات ضاغطة ويعكس تفاعلاتها مع بيئة اجتماعية وثقافية عنيفة.

وتكشف الممثلة على خشبة المسرح عن وجهين للمرأة: أحدهما يعكس الأنوثة الإنسانية في صراعها مع القسوة، والآخر يكشف عن الجانب الميديائي القاسي الذي قد يتولد في ظل الخيانة والظلم.

وتضمّن حنان حاج علي دعوة للنساء كي لا يستسلمن أمام العوائق التي يواجههن يوميا وتدعوهن للركض نحو حريتهن وإنسانيتهن مهما كانت شدة العواصف التي تزعزع أمنهن النفسي والجسدي.

والمهرجان الوطني للمسرح التونسي "مواسم الإبداع" ولد تلبية لحاجة ملحة في المشهد المسرحي التونسي، وهي الحاجة إلى مهرجان يعزز الروح التنافسية بين المنتجين المسرحيين.

ويأتي المهرجان بمثابة فضاء يسهل فيه الاجتماع والتفكير في واقع الفن الرابع في تونس، فقد انتظمت على هامش النسخة الثانية من المهرجان ندوة فكرية تحت عنوان "المسرح التونسي ورهاناته الإبداعية الجديدة".

وأفاد مرابط في تصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء أن اختيار موضوع الندوة مرده ضرورة التفكير في دور المسرح في المجتمع وحضوره في الفضاء العام وطريقة الوصول إلى الجمهور والمبدع المسرحي، وذلك من أجل تشكيل وتطوير التجارب المسرحية المتنوعة.