
'أرزة' حكاية أحلام الفقراء المسروقة
بيروت - وسط بلد عاش لسنوات على وقع الحروب والأزمات تسعى امرأة لبنانية للحفاظ على الاستقرار الهش لحياتها هي وابنها في الفيلم اللبناني "أرزة" للمخرجة ميرا شعيب.
ومع سعيها لتوسيع مشروعها الخاص من أجل تحسين أوضاعها المالية تصطدم أرزة التي تأخذ اسمها من اسم شجرة الأرز اللبنانية الشهيرة بواقع قاس تعصف فيه الانقسامات الطائفية والأعراف الاجتماعية بأبسط الأحلام في رحلة تأخذها عبر أنحاء بيروت.
ويضم الفيلم إلى جانب دياموند بوعبود نخبة من النجوم اللبنانيين بينهم بلال الحموي وبيتي توتل وشادن فقيه وفادي أبي سمرة وجنيد زين الدين وفؤاد يمين وإيلي متري وطارق تميم وهاجوب درغوغاسيان وجويس نصرالله وإبراهيم عجمي وكاتي يونس ومنير شليطا. وهو من تأليف فيصل سام شعيب ولؤي خريش.
يتتبع العمل على مدى 90 دقيقة حياة أرزة التي تبيع المخبوزات (المناقيش) المحشوة بالخضراوات لكسب لقمة العيش، ويعاونها ابنها كنان بتوصيل طلبات الزبائن يوميا متنقلا بالمواصلات العامة التي تعلق عادة وسط شوارع مكتظة دوما بمتظاهرين خرجوا للاحتجاج على الأوضاع الاقتصادية والسياسية في بلدهم.
وتخطر بذهن البطلة فكرة شراء دراجة نارية لتلبية عدد أكبر من الطلبات، لكن ضيق ذات اليد يحول دون ذلك، فلا تجد سبيلا سوى رهن سوار ذهبي لأختها ليلى مقابل بضع مئات من الدولارات تقدمها دفعة أولى لشراء الدراجة بالتقسيط رغم أن السوار هو آخر ذكرى متبقية لدى ليلى من زوجها زين الذي تعيش على أمل عودته وقد تزينت بأحلى الثياب وأفضل مساحيق التجميل.
تشتري أرزة "السكوتر" في عيد ميلاد كنان الثامن عشر كهدية ووسيلة لتوصيل أكبر عدد ممكن من الطلبات يوميا، لكنه يصارحها بأنه لا يرغب في دخول الجامعة أو العمل معها، ولكن في السفر للخارج سعيا إلى مستقبل أفضل مثلما فعل والده من قبل.

ويذهب كنان مع حبيبته ياسمين للاحتفال بعيد ميلاده مع صديقيه الشقيقين نادر ومندور قبل متابعة العمل لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن ويفاجأ الشاب بسرقة الدراجة عند استعداده للعودة إلى المنزل، لتبدأ الأم وابنها رحلة بحث غير محددة الوجهة تأخذهما لمعظم مناطق بيروت.
ولا يستخدم الفيلم المؤثرات البصرية أو أساليب التصوير المعقدة في مشاهده التي يحدث أغلبها في شوارع العاصمة اللبنانية. فنجد اللقطات بسيطة وتعتمد على الزوايا الواسعة لتضم أكبر عدد ممكن من الشخصيات الرئيسية والثانوية التي تملأ شوارع لبنان. لكن اللقطات المقربة استخدمت في مشاهد كثيرة أيضا خلال الحوارات الثنائية لتعكس الحالة النفسية للأبطال.
وتتحول رحلة البحث البائسة عن إبرة في كومة قش إلى بانوراما واسعة للتباين الطائفي في لبنان تبرز خلالها نظرة كل طائفة للأخرى وحالة التشكيك وعدم الاطمئنان داخل المجتمع الواحد ويتنقل الثنائي من منطقة مسيحية إلى أخرى سنية إلى ثالثة شيعية وفي كل بقعة لا يكون الحال أفضل من الأخرى.
وبينما أرزة في طريقها إلى إحدى المناطق المعروفة بالاتجار في الدراجات النارية المسروقة تتعرض للسرقة مما يزيد الأمور تعقيدا لكن ذلك لا يثبط عزيمتها فتقول "كل حياتي والناس تاخد مني، ما راح خليهن هالمرة"، إلا أن البحث لا يتكلل بالنجاح هذه المرة أيضا.
وتكمل بطلة الفيلم رحلة بحثها لكنها تتلقى اتصالا تعلم عن طريقه أن أختها اختفت ولا أثر لها فتبحث هي وكنان عن ليلى حتى يجدانها عند أنقاض البيت الذي كان لها وزوجها الغائب زين ثم يعود الجميع إلى منزل أرزة التي يبدو أنها استسلمت للواقع وتوقفت عن البحث.
ويقابل كنان صديقيه نادر ومندور ويعطيه نادر عنوان تاجر دراجات نارية مسروقة ويخبره بأن أحد أقاربه وجد ضالته لديه بالفعل. يحمل الابن الورقة ويذهب بها إلى أرزة لطرح الفكرة عليها، فتصارحه بتقبلها الواقع وأنه كان محقا منذ البداية، إلا أنها تحت إلحاح كنان وليلى تستعيد الأمل وتقرر مواصلة البحث قائلة جملتها الأثيرة "حاسة هالمرة راح تظبط معنا".
وتحمل الموسيقى التصويرية في الفيلم ملامح موسيقى شعوب البحر المتوسط، فنجدها ملائمة للطابع الموسيقي اللبناني والمصري، بل واليوناني والإيطالي أيضا. وهي من تأليف الفنان المصري هاني عادل.
وينافس "أرزة" ضمن مسابقة آفاق السينما العربية في الدورة الخامسة والأربعين لمهرجان القاهرة السينمائي.
وأُقيم مؤتمر صحفي لأبطال الفيلم بعد عرضه الجمعة في المهرجان، وقالت مخرجة الفيلم ميرا شعيب في تصريح اعلامي إن "العمل كان في بدايته قصة قصيرة في عام 2015، وحولناه فى 2017 إلى فيلم طويل، حتى وصلنا إلى 2022 وتعاوننا مع المنتج من مصر على العربى وفخورة جدا بالفيلم وفكرته وأصررت أنى اشتغل عليه".
أما بطلة الفيلم الفنانة دياموند بوعبود فأفادت أن "السيناريو حقيقى والشخصية تشبه نساء وشخصيات كثيرة أعرفها، والقصص تم طرقها بطريقة سلسة"، مضيفة " سعدت جدا بالعمل، وأول اجتماع مع ميرا ولؤى ووسام وعلى، كان جميلا ولما تحدثت مع المخرجة رأينا شخصية أرزة بنفس الطريقة ووجدنا كل الشخصيات مترابطة بالبلد والمجتمع وبحب شخصية أرزة جدا وأحترمها جدا"، وفق موقع اليوم السابع.
وتعتبر مشاركة فيلم "أرزة" هي الأولى للمخرجة ميرا شعيب ضمن فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي، وهو أول تجربة إخراجية لها في فئة الأفلام الطويلة بعد فيلمها القصير "ليلك" (Lilacs) الذي شارك في أكثر من 10 مهرجانات أفلام حول العالم.
وحظي الفيلم بدعم مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، واستُكمَل باقي التمويل من قبل شركة الإنتاج المصرية "اومبيونت لايت" "Ambient light" لصاحبها علي العربي المنتج الرئيسي للفيلم.