العراق يُنذر العمال الأجانب غير النظاميين قبل الترحيل

المتحدث باسم وزارة العمل العراقية يؤكد أن السلطات لن تسمح بدخول غير العامل المتمتّع بمهارات غير موجودة في البلاد.

بغداد - تسعى السلطات العراقية إلى تنظيم توافد العمال الأجانب وملاحقة الشبكات المتورطة في استقدامهم وتوظفيهم خارج الأطر القانونية، وسط مطالب بالتخفيف من الاعتماد على اليد العاملة الأجنبية، في ظل تفشي البطالة في البلاد.

في مدينة كربلاء بوسط العراق، يعمل الشاب السوري رامي 16 ساعة يوميا أمام شواية لحم شاورما وكل ما يخشاه هو أن تلاحقه قوات الأمن في بلد يريد تنظيم العمالة الأجنبية غير الشرعية.

ويعمل في العراق مئات الآلاف من الأجانب، غالبيتهم من سوريا وباكستان وبنغلاديش من دون تصاريح، وفقا لتقديرات رسمية نشرتها وكالة الأنباء العراقية أمّا العمال الأجانب الذين تعد أوضاعهم قانونية فيُقدّر عددهم بأكثر من 40 ألفا.

ويقيم رامي (اسم مستعار) البالغ 27 عاما، منذ سبعة أعوام في العراق ويعمل من العاشرة صباحا حتى الثانية فجرا في مطعم وجبات سريعة في كربلاء التي تستقبل ملايين الزوار الشيعة سنويا.

ويقول "أتجنب قوات الأمن ونقاط التفتيش"، مضيفا "خوفي الأكبر هو الترحيل إلى سوريا، إذ لا أريد أن ألتحق بالخدمة العسكرية". وحال رامي حال أجانب كثر يعملون في مطاعم أو في أماكن أخرى في العراق ويخشون الملاحقة القانونية.

ويؤكد صاحب مطعم في بغداد أن الأمر أصبح يشبه لعبة القط والفأر إذ يختبئ جزء من عمّاله عند وصول المفتشين، كونهم ليسوا جميعا مسجّلين لأن الرسوم باهظة.

وتسلّل عدد كبير من هؤلاء العمال ضمن حشود من الزوار قدموا إلى العراق خلال مناسبات دينية شيعية ثم استقرّوا في البلد، وفق السلطات.

وفي نهاية يوليو/تموز، أكّد وزير العمل والشؤون الاجتماعية أحمد الأسدي في بيان أن وزارته تتحقّق من أنباء حول "تسرّب حوالي 50 ألف وافد باكستاني للعمل بشكل غير قانوني في العراق".

وإذ تلاحق السلطات عمالا غير نظاميين وتعمل على ترحيلهم، كشفت وزارة الداخلية منتصف نوفمبر/تشرين عن حملة تهدف إلى تكييف الوضع القانوني للعمال الأجانب من السوريين والبنغلاديشيين والباكستانيين.

وتفتح هذه الحملة مجالا لتقديم طلبات عبر الإنترنت حتى 25 ديسمبر/كانون، فيما هدّدت الوزارة باتخاذ إجراءات قانونية "مشدّدة" ضد كل من يتورط في وصول أو توظيف العمالة الأجنبية غير الشرعية.

لكن رامي خائف حتى لو أنه "يرغب بشدّة" بأن يُصبح وضعه قانونيا، قائلا "سأنتظر وأرى ما سيفعله زملائي ثم أفعل مثلهم".

ويحدّد قانون العمل العراقي سقفا لنسبة اليد العاملة الأجنبية المسموح بها لأي شركة، بـ50 بالمئة، بينما تسعى السلطات إلى خفض هذه النسبة إلى 30 بالمئة.

ويقول المتحدث باسم وزارة العمل نجم العقابي "اليوم لا نسمح بدخول غير العامل المتمتّع بمهارات غير موجودة في البلاد".

ويمثّل هذا الملف مسألة شائكة مع تواصل هيمنة العمالة الأجنبية على قطاع النفط والغاز منذ عقدين في وقت تسعى الحكومة لإرضاء الطبقة العاملة العراقية من خلال زيادة عدد الوظائف المخصصة لها.

ويوضح العقابي "لدينا شركات استثمارية متعاقدة مع الدولة طلبت منها السلطات خفض العمالة الأجنبية إلى 30 بالمئة فقط".

ويؤكد أن مثل هذه الخطوة تصب في مصلحة العمالة الوطنية، مشيرا إلى أن ما لا يقل عن 1.6 مليون عراقي يبحثون عن العمل.

ورغم ذلك، يرى العقابي أن من حق كل أسرة عراقية الاستعانة بعامل منزلي أجنبي لكونه لا ينافس العامل العراقي.

وفي بغداد، تعمل إحدى الشركات الخاصة منذ 2021 على استقدام عاملات منزليات من غانا وإثيوبيا والنيجر ويقول موظف فيها، طالبا عدم الكشف عن هويته، إن الطلب عليهن يزداد، موضحا "كنّا نجلب 40 امرأة في الماضي، أمّا الآن فقد أصبح العدد 100 سنويا".

ويشير إلى أن هذه الممارسة مستوردة من دول الخليج الغنية، متابعا "تحسّن الوضع في العراق وزاد دخل الفرد العراقي وأصبح مواطنو البلد يبحثون عن الرفاهية وعمّن يساعدهم".

ويبلغ متوسط الراتب الشهري للعاملة المنزلية 350 ألف دينار عراقي (حوالي 230 دولارا)، وفق قوله، غير أن السلطات زادت رسوم التسجيل خمسة أضعاف وبات الحصول على تصريح العمل يكلّف الآن حوالي 800 دولار.

ويقدّر مستشار رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية مظهر محمد صالح بأن "حوالي ملياري دولار يتمّ تحويلها "سنويا" خارج البلاد من رواتب العمالة الأجنبية، الأمر الذي يشكّل عبئا على ميزانية البلاد.

واستقبل العراق في عهد الرئيس السابق صدام حسين ملايين العمال المصريين وكذلك عمّالا سوريين، بقوا لسنوات في البلاد قبل أن يغادروا على وقع متغيّرات سياسية وأمنية.

وندّدت "هيومن رايتس ووتش" في يونيو/حزيران بـ"حملة العراق المقلقة من الاعتقالات التعسفية والترحيل" لسوريين كانوا في بعض الأحيان يمتلكون الوثائق الرسمية المطلوبة للإقامة وتحدثت المنظمة الحقوقية يومها عن "مداهمات على أماكن عملهم أو في الشوارع".

ويقيم أحمد (31 عاما)، وهو سوري الجنسية، بشكل غير قانوني منذ عام ونصف في العراق حيث بدأ العمل طباخا في بغداد ثم انتقل إلى كربلاء ويقول متحدثا باسم مستعار "الحياة صعبة هنا، لا نتمتّع بحقوق. دخلنا بشكل غير قانوني والقوات الأمنية تلاحقنا"، فيما تقتصر حياته اليومية على الحي حيث منزله وعمله والمقهى الذي يتردد عليه مع أصدقائه العراقيين.

ويتابع الرجل الذي بقيت زوجته في سوريا "لو كان بإمكاني أن أعود لفعلتُها، لكن الحياة هناك صعبة للغاية. لا يوجد عمل".