حمادي بن نية يُراقص البرونز في معرضه الجديد

النحات التونسي يستعرض أعمالا فنية جديدة استلهمها من المخيال الشعبي والموروث الثقافي.

من أعماق المخيال الشعبي والموروث الثقافي المتصل بالحكايات والأمثال كانت الفسحة الفنية الثقافية المكللة بالبرونز حيث الفكرة في هيجانها الرجيم وفق ما هو ابتكار ومغامرة وذهاب نحو الآتي .. إنها لعبة الفن حيث الفنان يلهو بالمادة يحاولها ويحاورها كي تبوح بشيء من ألق الدواخل وترجمان العواطف بكثير من شهقات الطفولة وسحر الفن وفتنة المتخيل...

هكذا وفي حيز من بلاغة الفن وأناقة الفضاء أخذنا الفنان حمادي بن نية بعناوين النحت وفنون الاستعادة والتدوير والرسكلة إلى بستانه المتخير حيث الأعمال المنجزة الجديدة والمعروضة تفتح جمالها تدعو الزائرين إلى الكلام والحديث .. ان النظر والتأمل مجالان وهنا للكلام والبوح.. أعمال فنية تقبلها الفضاء الأنيق "كاليستي" بكثير من الحب والشغف والبهاء..

معرض جديد للفنان النحات حمادي بن نية برواق كاليستي تم افتتاحه بحضور جمع من الفنانين وأحباء الفنون ورواد الرواق بجهة سكرة، وذلك في السابع من ديسمبر/كانون الأول 2024 ليتواصل إلى موفى الشهر، وهو معرض في سياق تجربة لحمادي بن نية شهدت معارض عديدة بتونس وخارجها ومشاركات مختلفة في بلاد أخرى معارض دولية بين الجزائر وصربيا ..

معرض جديد به محصلة عمل أشهر عديدة بورشته بجهة سكرة .. معرض مختلف فيه المعروضات الفنية من مادة البرونز وفق مضامين استلهام من تراثنا الشفوي والغنائي والعادات حيث الأمثال وما اتصل بالتقاليد والعادات وما علق بالذاكرة الحية في المشترك الشعبي والاجتماعي والثقافي ومن ذلك "أمك تنقو" و"أم الذراري" و"بوطبيلة" و"سبع صبايا في قصبايا" و"عزوزة الستوت" و"رأس من نحاس" و"بوسعدية" تتجول في المعرض لتلمس هذه الحميمية في شغل الفنان حمادي من حيث الجمالية المتصلة بالفكرة والجودة والبهاء ..مسحة من شاعرية الحال تبرز في الأعمال .. أعمال باذخة من البقايا والمستعملات... يطوعها في الورشات فتأتيه طوعا وكرها.. في تشكيل به الكثير من السحر والجمال.. هذا ما قفز إلى رأسي وأنا أتجول في كاليستي الرواق الجميل حاضن تشكيلات فنية من البرونز ليصير بمثابة البستان لجملة مواد وعناصر وان أنهت وظائفها واستعمالاتها فإنها بفعل فاعل تظل على قيد الحياة بل إنها تبعث أبعادا أخرى للحياة في تجلياتها الجمالية والوجدانية والإنسانية.. هي لعبة الفن الباذخة التي لا تقنع بهكذا ضوابط في الزمان والمكان..

أشكال وتلوينات وعناصر وظيفية لبقايا الآلات.. أدوات عمل صناعية وتقنية وكم كبير وهائل من متروكات وبقايا ومستعملات المعامل والمصانع وأشياء أخرى مركبة ومفككة وصدئة و ...و ... لا شيء يجمع بينها سوى ما يجول في بال هذا الرجل... الفنان.

ما عساه يفعل هذا الطفل بهذه الموجودات وهو القانع بالحب الماكث في قلبه والممتلئ على عكس بعض الفنانين بالقناعة والمحبة والصبر والإيمان والود والحلم والعناد..

نعم العناد فكرته التي يعانقها وهو (يدعك) فكرة البرونز يشكله ويلين له في حوار وتجليات نادرة.. مثل خزاف يحاور طينه ويحاوله تقصدا لهيئة من جمال.. من أكوام الخردة (البقايا والمستعملات ومعادن المصانع والآلات...) يأخذ هذا الفنان الطفل نفسا وأنفاسا بسعادة لا توصف يرى في تفاصيلها أشكالا ومواضيع جاهزة وأخرى يطوعها في الورشات.. فنان النحت والاستعادة يهب المكان شيئا من عطور الأزمنة.. وبعد هذا الولع الذي كان منذ الشباب بتلك العلاقة من الدلال تحول الأمر إلى الابتكار الجمالي وفق التشكيل الفني وبتلك الحساسية المفرطة والذوق الأخاذ والعناد الجميل .. ضرب فني ونوع جمالي يقولان بالدهشة والبراءة المفعمة بشغف اللعب .. اللعب مع المعادن وتفاصيلها وجزئياتها حيث الطفل يلهو بها يحاولها ويحاورها قولا بالعذوبة والتحنان الهائل..L’art de la récupération أو فن الاستعادة وغيره من فنون النحت.. مجالات فنية يبتكر فيها وخلالها الفنان حمادي أعماله... هي فسحة بصرية ووجدانية وفنية تجاه فنان خبر عطور المعادن والمتروكة من الأدوات ليجعل منها فنا..

في رواق كاليستي يرقص البرونز رقصته الباذخة محتفيا بفنانه وأحلامه وما هو مبتكر لديه .. معرض بحساسية فنان وجمالية الفن وبساطة وعمق الذات التي تمضي في حيزها الزاخر بالآه وبالجمال.. المعرض يتواصل إلى غاية يوم 28 ديسمبر/كانون الأول 2024.