حرب اليمن.. معوقات الحسم والمخاوف المتوقعة

ارتفعت آمال اليمنيين بعد سقوط نظام الأسد في سوريا وهزيمة حزب الله في لبنان، في إمكانية هزيمة ميليشيات الحوثيين وتحرير ما تبقى من المناطق الواقعة تحت سيطرتها.

تبدو حتى اللحظة الراهنة كل محاولات إنهاء الحرب في اليمن، التي توشك أن تدخل عامها الحادي عشر، سواء عبر الحسم العسكري، أو عبر المفاوضات وكأنها بعيدة المنال.

أجريت مفاوضات عدة بين السلطة الشرعية وميليشيات الحوثيين في الكويت وسويسرا والأردن وسلطنة عمان، لم تثمر ولو بحلحلة الملفات الإنسانية، كملف الأسرى والمعتقلين والمختطفين والمخفيين قسرا، أو ملف فتح الطرقات ورفع الحصار عن بعض المدن كمدينة تعز، وبالرغم من خفض التصعيد العسكري بين السلطة الشرعية والانقلابيين الحوثيين، منذ تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في السابع من إبريل 2022 إلا أن نذر عودة الحرب مجددا باتت أكثر ترجيحا.

طيلة فترة الحرب وارتباط الحرب في اليمن بملفات وأجندات وصراع مصالح، بين إيران من جهة والإقليم والمجتمع الدولي على رأسه الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا من جهة أخرى؛ جعل أمر إنهاء الحرب من عدمه، يعد يمنيا خالصا، فكلما استجد مستجد جديد على الساحة الإقليمية والدولية، كلما تعقد وتأزم البحث عن مخارج وحلول للحرب في اليمن.

مؤخرا ركبت الميليشيات الحوثية موجة محور المقاومة أو الممانعة، الذي تقدم إيران نفسها قائدة له، منفذة لعمليات عسكرية، تستهدف حركة التجارة في الخطوط الملاحية البحرية العالمية، متبنية أيضا علميات عسكرية بقصف صاروخي أو بالطيران المسير على الكيان الصهيوني، بزعم مساندة المقاومة الفلسطينية في غزة، وفك الحصار عنها، مضيفة للبعد الإقليمي للحرب بعدا دوليا؛ أتاح لأميركا وحلفائها التوغل أكثر في التدخل المباشر في الصراع في اليمن، كانت قد بدأته عندما عينت الإدارة الأميركية مبعوثا خاصا لها لليمن، وليس أخيرا تشكيل تحالف حارس الازدهار؛ لحماية خطوط الملاحة البحرية الدولية في المنطقة الممتدة من المحيط الهندي حتى البحر الأحمر من العمليات العسكرية للميليشيات الحوثية، والذي نفذ ضربات جوية على المناطق الواقعة تحت سيطرة الميليشيات الحوثية؛ تحت مبرر تقويض خطر الميليشيات الحوثية على خطوط الملاحة البحرية الدولية.

بقراءة دقيقة لخريطة النفوذ في الجغرافية اليمنية المحررة من ميليشيات الحوثيين، نجد أنها تمثل انعاكسا مجسدا لخارطة القوى السياسية والعسكرية المتقاسمة السلطة، والتي تعكس أيضا مقاربة ووجهات نظر دولتي التحالف العربي، وحصيلة الرؤى الأميركية والبريطانية المتعلقة بالصراع في اليمن، وهو ما يجعل أمر التحرك العسكري من قبل السلطة الشرعية؛ لإنهاء وإسقاط الانقلاب الحوثي، يخضع لتوافقات ومصالح إقليمية ودولية، قد تقف على النقيض من تصور ورؤية الشعب اليمني في نوع الحسم لإنهاء انقلاب ميليشيات الحوثيين، ولعل تدخل المجتمع الدولي والأمم المتحدة في الضغط على السلطة الشرعية؛ للحيلولة دون تحرير الحديدة، وقبل ذلك تحرير صنعاء، ما يدل دلالة واضحة على أن أمر الحرب والسلم في اليمن لم يعد. شأنا يمنيا داخليا خالصا، بل صار شأنا خارجيا إقليميا ودوليا؛ تحركه رغبات وأهداف واختلافات الدول الإقليمية ذات العلاقة بالحرب في اليمن وأجندات واشنطن ولندن.

لطالما تضع ميليشيات الحوثيين كوابحا عديدة وباستمرار أمام أي جهود أو تحركات إقليمية أو دولية، لإحلال السلام على الرغم مما تحصل عليه من تنازلات، تبقي على مكاسبها، بل تمنحها مكاسبا أخرى؛ لأن السلام يتعارض مع عقيدتها القتالية، وتشعر أنه سيفقدها الكثير مما جنته عبر فوهة البندقية؛ ولذلك هي تحرص كل الحرص على إفشال أي مساع لإنهاء الحرب، فكل ما حققته لم يكن إلا عبر القتل والعنف، وبالتالي فإن استمرار تخندقها خلف الإرهاب وسفك الدماء هو السبيل الوحيد للحفاظ على ما نالته وجني المزيد.

ارتفعت آمال اليمنيين بعد سقوط نظام الأسد في سوريا، وهزيمة حزب الله في لبنان، في إمكانية هزيمة ميليشيات الحوثيين، وتحرير ما تبقى من المناطق الواقعة تحت سيطرتها، وزادت المطالب الشعبية للسلطة الشرعية؛ لخوض معركة خلاص اليمنيين من ميليشيات الحوثيين، بيد أن أمر حسم معركة اليمنيين ضد ميليشيات الحوثيين مرتبط بالعوامل الخارجية أكثر من الداخلية، وهو ما يجعل أمر الحسم معلقا بين تداعيات مستجدات وتطورات انحسار أجنحة ميليشيات إيران في لبنان وسوريا، وبين حسابات الإقليم والمجتمع الدولي لبقاء الميليشيات الحوثية أو هزيمتها؛ إذ يرى الإقليم والمجتمع الدولي أن أي حل ينهي الحرب في اليمن سلما أو حربا، يجب أن يكن متوافقا مع رؤيته للمشهد السياسي لما بعد الحرب، وموقفه من الأطراف المحلية اليمنية ذات التأثير العسكري والسياسي والمناطقي، وهو ما يدفع لتأخير الدفع بأي حل من شأنه حسم المعركة ضد الميليشيات الحوثية، حتى تتم هندسة المشهد اليمني بما يضمن التوافق مع توجهات ومخاوف الإقليم والمجتمع الدولي.

بالطبع ستنتهي الحرب في اليمن لا محالة، لكن المواطن اليمني يتساءل كيف ستنتهي الحرب؟ هل بحسم عسكري ناجز تنجزه السلطة الشرعية؟ يلحق هزيمة عسكرية بميليشيات الحوثيين، ويضع أسلحتها في أيدي الجيش الوطني، أو سيكن الحل للحرب عبر تسوية سياسية برعاية إقليمية ودولية، تشرعن بقاء الميليشيات الحوثية، وتغسل جرائمها وتدجنها في سلطة هجينة؛ بحيث تظل معطلا لاستقرار اليمن، وبابا مشرعا؛ لاستمرار التدخل الخارجي في الشأن اليمني وانتهاك سيادة اليمن وقراره واستقلاله!