'وحدي' مونودراما تونسية تستكشف مأساة الإنسان المعاصر

المخرج التونسي وليد دغسني يضع مشاهيدي عرضه أمام جملة من الاستفهامات التي تختزل صراعات الذات البشرية.

تونس - يضع المخرج التونسي وليد دغسني المشاهدين أمام جملة من الاستفهامات التي تختزل صراعات الذات البشرية وتعكس أحوال الفرد في واقع يتسم بالتقلبات في عمل مونودرامي جديد بعنوان "وحدي" (seul).

وهذا العمل الجديد هو من إنتاج شركة "كلندستينو للإنتاج المسرحي" وأداء أسامة كشكار، ويروي قصة بطل "يجد نفسه في صراع طاحن بين الماضي والحاضر، ممزقا بين الانتقام والغفران، وبين التردد والإقدام، يجوب طرقات ذاكرته المثقلة بأحداث مؤلمة وصور قديمة لا تسمح له بالنسيان، محاولا إضفاء معنى جديد على حياته التي تبدو عالقة بين الأمس واليوم"..

يقدم العرض ترجمة فنية ومضمونية للعنوان "وحدي" الذي يكشف عن جوهر القصة والشخصية التي تعيش صراعا داخليا عميقا وتحاول التغلب على مشاعر الوحدة والعزلة، فالعمل المونودرامي "يقدم تأملا مؤثرا حول قدرة الإنسان على إعادة اكتشاف نفسه وسط عالم يتطلب إعادة البناء من جديد".

ووفق ورقة تقديمية، يسلط هذا العمل الضوء على الانكسارات التي ألمت بالإنسان اليوم، في وطن يعيش تحولات جذرية. تتصاعد التساؤلات في ذهنه: كيف يمكن الاستمرار في حياة مجزأة؟ هل يمكن العثور على معنى جديد في بلد متغير، حيث لا تزال أصداء الماضي تتردد

ويصف وليد دغسني العرض في تدوينة نشرها على صفحته بموقع فيسبوك بالـ"مغامرة الجميلة"، قائلا "شكرا لكل من ساهم في ولادة هذا المشروع الجميل".

وتدور أحداث مونودراما "وحدي" التي تم تقديم عرضها الأول، الخميس، بقاعة الريو بالعاصمة التونسية، لنحو ساعة من الزمن حول شاب يعمل سائق شاحنة معدة لتهريب البضائع بعد فترة طويلة من البطالة، فيجد نفسه ممزقا بين الانضباط للقانون ممثلا في الأجهزة الأمنية والعسكرية للدولة وبين التعاون مع الجماعات الإرهابية، وبين نقل البضائع والممنوعات، ليجد نفسه أخيرا في صراع داخلي طاحن بين ذاكرة لا تكف عن العودة إلى ماض مليء بالجراح وحاضر يبدو خاويا من المعنى.

واعتمد المخرج وليد دغسني لترجمة حالات الضياع والحيرة والصراع الداخلي والخارجي للشخصية، على الإضاءة والفراغ المسرحي كميزتين فنيتين في هذا العرض، لإبراز التناقضات التي يعيشها البطل.

وقد خيمت على العرض الظلال الداكنة المنتشرة على المسرح وهي انعكاس لحالة اللايقين التي تهيمن على حياة البطل، بينما تركزت الإضاءة على وجهه أو جسده في مواقف معينة لتسليط الضوء على الصراعات الداخلية للشخصية. كما ترجمت انحسار الإضاءة في مكان محدود حالة السجن والانغلاق والعزلة لهذه الشخصية.

ويحمل العرض في مشاهده ومواقفه العديد من الرموز التي ساعدت المتفرج في فهم أحداث العمل والكشف عن بواطن الشخصية، فالظلام الذي غمر الركح كان بمثابة اللاوعي والجراح المخفية التي حاول البطل مواجهتها. بينما بدت الإضاءة المسلطة على البطل في لحظات محددة ترجمة للبحث عن أمل أو محاولة لإيجاد بصيص من الفهم وسط الضبابية التي تحيط بحياته. وهذا التباين بين النور والظلام عزز من حالة الانقسام والتشظي في الشخصية التي ما زال شبح الماضي يلاحقها ولم يأب النسيان.

أما الخاصية الفنية الثانية، فتتمثل في الملابس المعلقة وهي رمز للماضي، وقد حاول الممثل أسامة كشكار التخلص من أعبائها مع نهاية العرض فتناثرت على الركح وبدت كأجسام مبعثرة أو أشلاء هوية لم تكتمل. وقد ساهمت هذه العناصر في إبراز حالة التشتت التي يعيشها البطل بين أطياف الماضي وأحلامه المجهضة.

ويعتبر اختيار المونودراما كشكل فني لإيصال الرسالة المسرحية، توظيف ذكي ومقصود لأنه يعكس الوحدة التي يعاني منها البطل على المستويين الداخلي والخارجي، إذ بوجود ممثل واحد على الركح يصبح أسامة كشكار/الممثل المسؤول الوحيد عن إيصال ثقل النص وتحولاته النفسية.

وقد نجح كشكار في استثمار أدواته التمثيلية بمهارة، مستعينا بلغة الجسد ونبرات الصوت للتعبير عن التحولات العاطفية والوجدانية للشخصية، وفق ما نشرته وكالة تونس أفريقيا للأنباء.

وحاول المخرج إضفاء بعد فلسفي على التجربة الإنسانية، حيث يتشابك الماضي مع الحاضر في رحلة شاقة نحو استكشاف الذات وكنهها، فجاء العرض محملا بتساؤلات مفتوحة حول كيفية التعايش مع الانكسارات الشخصية في ظل واقع اجتماعي يعيش تحولات جذرية.

ويسلط الضوء على الصراعات التي تواجه الإنسان المعاصر في عالم يبدو فيه الحاضر مشوشا والماضي طاغيا والمستقبل ضبابي. ووسط هذه العتمة، فإن العرض هو رسالة لمواجهة الألم الداخلي والتصالح مع الذات ودعوة للبحث عن أفق جديد للحياة حتى وسط أصعب الظروف وأحلكها.