
قالت العرب.. وبقيت أقوالها خالدة عبر الزمن!
كلما حلَّ اليوم العالمي للغة العربية، تذكرت عجز معلمي في المرحلتين الإعدادية والثانوية عن تبسيط وشرح النحو والصرف، والمقصود بالنعت السببي والحال والجناس الناقص والطباق، إلى جانب المفعول لأجله والممنوع من الصرف، وحروف العلة والمعلول. كنت وقتها صغيرًا جدًا، لا أنا فهمت، ولا استطعت أن أعترض أو أعبر عن ضعف معلمي وعدم قدرته على إيصال هذه المفاهيم ببساطة إلى عقول خضراء وصفحات بيضاء، الكتابة فيها تشبه النقش على الحجر كما تقول الأمثال!
في مرحلة الثانوية العامة، أصابني "مسٌّ" من الشعر، وكنت أظنه مجرد كلام مصفوف له سجع وإيقاع وقافية بلا وزن. لم أكن أعرف شيئًا عن بحور الشعر، البحر الوحيد الذي أعرفه في ذلك الوقت هو الذي أراه في التليفزيون كلما عرض فيلم ليلى مراد "شاطئ الغرام" بالأبيض والأسود من إنتاج عام 1950.
ولما كانت هناك مجلات الحائط تزين مدارسنا، سارعت إلى الكتابة فيها. ونجحت محاولاتي الأولى في كتابة القصة والمقالة. وأتذكر أنني كنت عائدًا من جنازة أحد أقارب والدي، رحمه الله، وأصر أبي على اصطحابي للمرة الأولى إلى المقابر. كان المكان والسياق وكل شيء موحشًا كئيبًا، فلما عدت إلى منزلنا، هممت إلى أوراقي وكتبت ما ظننته وقتها قصيدة، يقول مطلعها:
ما هذا التراب.. لقد عم الخراب
لا أرى شيئًا من حولي.. أيكون ذلك ضباب؟
كتبت هذا الكلام قبل قرابة 40 عامًا، وظننت نفسي المنافس المحتمل لأبي العلاء المعري. ولأنني صدقت نفسي إلى أبعد مدى، قفزت من فرحتي مهروًلا إلى غرفة معلمي اللغة العربية. مددت يدي بما كتبت وقرأت على معلمي، فلم يمهلني سوى سماع الشطرين أعلاه، وعنفني قائلاً: "أول القصيدة كُفر، هذا ليس شعرًا، الشعر قصة أخرى"، وصرفني من مكتبه بجفاء شديد، فخرجت أجر أذيال خيبتي في صمت، ومزقت ما كتبت كما لو كنت أخفي آثار جريمة، ورغم مرور الزمن، لم تسقط من ذاكرتي كلمات معلمي، ولم أنسَ بالطبع مطلع ما ظننته قصيدة!
لاحقًا، وقفت على سبعة بحور للشعر يكتب عليها الشعر الحر، هي: الكامل، الرمل، الرجز، الهزج، الوافر، المتقارب، والمتدارك. وفي الجامعة، ومن خلال مجاورة الشعراء، عرفت بحورًا أخرى يقال لها البحور الممزوجة أو المركبة، وتشتمل على تكرار تفعيلتين مختلفتين، وعددها تسعة بحور، هي: الطويل، البسيط، المديد، السريع، الخفيف، المقتضب، المنسوج، المضارع، والمجتث. وبالطبع اكتفيت فقط بقراءة الشعر أو حضور مجالس الشعراء، والأمسيات الشعرية، دون أن أحاول قرض الشعر، يستقر في أعماق نفسي وباقتناع ما ورد في سورة الشعراء: "وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ، أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ" (الآيتان 224 و225).
في بيت الأمثال!
ولدت في عام 1970، ومن الواضح أنني وُلدت في كتاب ناطق للأمثال العربية، فقد قضيت طفولتي بين منزلين: منزل والدي ومنزل جدتي لأمي، التي كنا نطلق عليها "سِتّي". كانت سِتّي زينب لا تكف عن إطلاق الأمثال منذ مطلع الشمس وحتى تخلد للنوم في نهاية اليوم. كانت تستدعي مثلًا شعبيًا دارجًا لكل موقف أو تصرف أو قول أو فعل أو مشكلة طارئة، وتردده بكل طلاقة. كان لديها يقين تام بقدرة الأمثال العربية الفصيحة والعامية، على تقديم العبرة والنصح والإرشاد والتحذير، باعتبارها من أقدم الوثائق اللغوية التي صمدت أمام اختبار الزمن لأكثر من 15 قرنًا. ضمنت لها البقاء حية متجددة تنبض بالحياة، والقدرة على التعبير عن مختلف الظروف والمواقف.
تذكرت كل هذه المشاهد التي بدت لي كأنها شريط سينمائي صامت، يتحرك أمام ناظري منذ طفولتي قبل قرابة نصف القرن، حتى حل اليوم العالمي للاحتفال باللغة العربية في 18 ديسمبر2024، وفيه دعيت إلى المشاركة في جلسة حوارية خصصها مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي "إثراء"، احتفاءً بتدشين كتاب "الأمثال العربية لجيل الألفية"، ضمن برنامج احتفالي موسع.
أقف مشدوهًا وقد انتصف عقدي السادس من العمر، أنظر مرة خلفي ومرات أمامي لأحوال لغة القرآن الكريم، تعليمًا وانتشارًا وحضورًا عالميًا، سواء في المحافل الأدبية وفي قاعات الأمم المتحدة وأروقة اليونسكو، حتى المحاكم، وابتلع صمتي؛ ففي فمي ماء!
شاعر النيل حافظ إبراهيم حل إلى دنيانا قبلي في الميلاد بنحو قرن من الزمان، فهو المولود في أسيوط بصعيد مصر عام 1872 وتوفي عام 1932. وأنتج نحو 294 قصيدة وجمع شعره بعد رحيله في (ديوان حافظ) من جزئين، هذا الشاعر الكبير ساءه قبل عشرات السنين حال اللغة العربية، فنعاها وتغنى بها في قصيدة جاء فيها:
أَنا البَحرُ في أَحشائِهِ الدُرُّ كامِنٌ فَهَل سَأَلوا الغَوّاصَ عَن صَدَفاتي؟
وإذا كان هذا النعي والحزن يعود إلى أكثر من 80 عامًا، فما بالنا بحال اللغة العربية اليوم؟!
ماذا لوكان أمير الشعراء أحمد شوقي (1886-1932)، صاحب بيت الشعر الأيقوني الأكثر استعمالًا واستدعاءً في يوم اللغة العربية كل عام، حيث يقول: إن الذي ملأ اللغات محاسنًا.. جعل الجمال وسره في الضاد.
ماذا لو كان حيًا بيننا ووقف على حال لغتنا اليوم؟
صائد اللؤلؤ
مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء) واجهة الإبداع في المنطقة الشرقية والمملكة العربية السعودية عامة، أشبهه بمكتشف الدرر واللآلئ، اعتاد التنقيب في كنوز التراث العربي ليفاجئنا باستمرار دون ضجيج، بكنوز لغتنا العربية الجميلة، عبر احتفاليات وإصدارات تشبه الجواهر تتجدد العام تلو الآخر، بدأها بالمعلقات، ثم المقامات، وبعدها أدب الموشحات ثم أدب الرسائل هذا العام. وخلال احتفال اليوم العالمي للغة العربية، دشن المركز عبر جلسة حوارية كتاب "الأمثال العربية لجيل الألفية"، جوهرة وجمهرة لأكثر من مئة وخمسين مثلًا من الأمثال العربية الأصيلة الفصحى والشعبية المحكية، مُترجمة إلى اللغة الإنجليزية، لتعزز التفاهم الثقافي والحضاري وتبني جسور المعرفة بين شعوبنا والعالم، وبأصالة وأمانة تنقل إلى العالم تراث العرب وثقافتهم وتاريخهم. وبذلك نواصل المحافظة على الموروث العربي الأصيل وتبسيطه، بتقديم شروحات عصرية للأمثال تخاطب الجيل الجديد من الشباب والفتيات العرب، والناطقين باللغة الإنكليزية.
لغتنا الجميلة

حال اللغة العربية اليوم كان المدخل للأستاذ فؤاد الذرمان رئيس الهيئة الاستشارية لمجلة القافلة الثقافية مدير الجلسة الحوارية عن تدشين كتاب "الأمثال العربية لجيل الألفية"، فاستهل النقاش بسؤال خاطف عن حال لغة الضاد اليوم، وجاء الرد قويًا على لسان المثقف السعودي الموسوعي محمد طحلاوي المستشار في مجال الثقافة والإعلام والعلاقات العامة أبرز المشاركين في الجلسة الحوارية، الذي أكد أن لغتنا العربية ليست بخير، فنظرة سريعة على أسماء المحالّ التجارية في عالمنا العربي، ستجدها كلها أسماء غربية، وستجد اللغة الإنجليزية هي اللغة الرسمية في تواصل الأمهات والأبناء حتى في توجيههم وتعنيفهم في المطارات والحدائق والمولات في معظم بلداننا العربية، ومع ذلك فهو متفائل جدًّا ومصدر تفاؤله أن هذه هي لغة القرآن.
الجلسة الحوارية أكدت أن الأمثال العربية هي أقوال موجزة سائرة ومنتشرة يشبه فيها مضاربها بمواردها، ويستشهد بها في المواقف وهدفها النصح والإرشاد والعظة والحذر ـ إذ "السعيد من وُعظ بغيره"ـ وهي خبرات مختزنة وتجارب باقية اختبرها الزمن قبل قرون وصمدت لأكثر من 1550 سنة باعتبارها ذخيرة لغوية حية بفضل قدرة ألفاظها على التجدد والتعبير عن ثقافة شفاهية محكية في وقت ما ثم ثقافة فصيحة مكتوبة أو عامية لاحقًا، وهي مستندات يعود إليها الناس للاستفادة بها، وهي أقدم وثائق لغوية يحتكم إليها في مسار اللغة عبر التاريخ، وهي نوع من الأدب الشعبي المنتشر بين الناس منذ العصر الجاهلي وصدر الإسلام ثم في عصر المولدين وحتى الآن.
نحن إذن أمام ثقافة شفاهية محكية في عصر ما، ثم هناك الأمثال في القرآن الكريم والأحاديث والشعر وقِطَع الكلام والحوارات والتعبيرات. أما الحِكم فهي عبارات محكمة وموجزة في خبرات مسلمة يعتد بها -والحكمة وضع الشيء في موضعه-وهي كل قول سديد ورشيد، وعرفتها ابن دريد بأنها كل ما يعظك ويهديك أو يزجرك ويدعوك إلى فعل مكرمة أو ينهاك عن قبح، وللأمثال والحكم إيقاع وسجع.
أما التعبيرات فهي مبالغات تشبيهات وأوصاف مجازية، مثل تعبيرات التفضيل: أكرم من حاتم، وأشجع من عنترة، وأبخل من مادر، وأحمق من دُغة. أما الاقتباسات والمقولات والملح والقصص فيمكن أن تكون طويلة من حيث الشكل، وربما لا تحظى بالانتشار، ولو انتشرت لانتقلت إلى مقام الأمثال والحكم الشائعة التي يعمها مصطلح "الأمثال"، الأقوى والأكثر دلالة، حتى إن الفعل "مَثَل" بمعنى وقف، يدل على الوقوف لحظة الحاجة، فللمثل قدرة على التعبير في المواقف والأحداث، وعلى تشبيه الحوادث والمواقف من جبن وشجاعة وخوف ومروءة وتعاون وقيادة واتحاد وحكمة بلغة موجزة ذائعة.
جسرًا للتواصل بين الثقافات
خلال الجلسة الحوارية لتدشين كتاب "الأمثال العربية لجيل الألفية" أشار أمين مكتبة إثراء، الأستاذ عبدالله الحواس، إلى أن الأمثال تُعد جزءًا من التراث الثقافي العربي ومن الأدب الشعبي؛ وتعكس الحكمة والتجارب المعيشيّة التي مر بها الناس على مر العصور. ومن المأمول أن تلهم هذه الأمثال أشخاصا مؤثرين حول العالم لاستخدامها، مثلما نستشهد نحن العرب أحيانا بمقولات وحكم من شعوب وثقافات أخرى. ونحن نؤمن بأن الحكمة التي تحملها الأمثال العربية قادرة على تجاوز الحدود اللغوية والثقافية، وتعزيز التفاهم بين الثقافات، ليصبح كتاب الأمثال جسرًا يربط بين العالم العربي والناطقين باللغة الإنكليزية من الثقافات المختلفة وتظل الأمثال صالحة للتطبيق في حياة الناس في مختلف بقاع الأرض.
كتاب "الأمثال العربية لجيل الألفية" الذي أصدره مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء) مبادرة أرامكو السعودية في مجلد بالعربية والإنكليزية، (208 صفحة)، يضم ثمانية فصول هي:
- صوت الماضي: أمثال من التاريخ والتراث العربي.
- الشعر العربي كمصدر ملهم للأمثال.
- ملح القول.
- بلوغ المعاني وتنمية الذات.
- أمثال من الموروث الشعبي والثقافة العامية.
- قصة مثل.
- الأمثال العربية في مرآة العالم.
- فصل الخطاب.
كنوز عربية
الجلسة الحوارية أبرزت حرص مركز إثراء على خدمة الثقافة بعين مفتوحة على الشباب العربي الذي يقدر بنحو 150 مليون شاب وفتاة. وقد سبق للمركز أن أصدر "المعلقات لجيل الألفية"وهو مطروح الآن بست لغات، واليوم من خلال تدشين كتاب الأمثال العربية لجيل الألفية يواصل المركز مهمة نقل الكنوز العربية إلى شباب العرب في عصر العولمة والتقنية والذكاء الاصطناعي، عبر تفسير الأمثال بأسلوب معاصر، إضافة إلى خدمة التراث الثقافي العربي بنقله بطريقة نوعية لغير الناطقين بالعربية عبر ترجمته للإنجليزية التي يقرؤها ويتحدث بها نحو مليار ونصف المليار شخص لغة أولى أو ثانية، وهي ثاني اللغات انتشارا حول العالم بعد الصينية، وإتاحته عبر النشر الورقي والمنصات الرقمية بما يضيف لجهود نقل الحكمة والتراث العربي وإتاحتها للعالم.
تطرق مدير الجلسة الحوارية فؤاد الذرمان والمشاركون فيها إلى تحديات ترجمة الأمثال العربية، ومنها قدرة المعنى على تجاوز حواجز اللغة والثقافة والمكان والزمان، وإشكالية ترجمة الأمثال بين المعنى والمبنى إضافة إلى اعتماد بعض الأمثال على ألفاظ عربية غير مألوفة، والحاجة للتصرف عند الانتقال للغة أخرى وغيرها من التحديات.
رحلة شاقة وشائقة
إنتاج الكتاب أشبه برحلة شاقة وشائقة في آن، بهذه الكلمات علق معجب الشمري شريك مؤسس ومدير لدار تشكيل للنشر والتوزيع المنتجة للكتاب، مؤكدًا أن العمل استغرق عامين، وشارك فيها نخبة من أساتذة الأدب والترجمة واللسانيات، وتم الرجوع لأكثر من 40 كتابًا من أمهات الكتب في الأمثال، وتم فرز أكثر من 1000 مثل عربي، إضافة إلى الأشعار والحكم وملح القول، وتم فرز هذه الأمثال وترجمتها على عدة مراحل، ونعتزم نشر هذا الكتاب بخطط تسويقية متنوعة تجمع بين الورقي والرقمي عبر المنصات وأشكال النشر والبث المتنوعة، حتى نخاطب جيل الألفية بلغاته وأدواته والتقنيات والتطبيقات التي أصبحت في يده.
أستعيد ذكرياتي ببيت جدتي مجددًا، ولا أنكر عليها ولا على أمثالنا العربية قيمتها الثقافية واللغوية الكبيرة، وتعبيرها بجدارة عن ثقافة محكية وعن الهوية والتراث والتاريخ، لكني أتحفظ على التعامل مع الأمثال باعتبارها وصفات طبية أو معادلات رياضية محكمة كما كانت تعتقد جدتي، وربما هذا راجع لاختلاف الأجيال، وهذا يبرز أهمية هذا المشروع، لأن كل شيء ابن سياقه وظروفه وهذا يقودنا لمساحات الوعي المطلوب في استعمال بعض الامثال، التي ربما تنطوي في نفسها على تناقضات واسعة كما في الحالات التالية:
يا قاعدين يكفيكم شر الجايين، وعكسه: الخير على قدوم الواردين.
اللي يخاف من العفريت يطلع له، ومش كل مرة تسلم الجرة.. لكن المفاجأة: من خاف سلم
معرفة الناس كنوز × البعد عن الناس غنيمة
خير البر عاجله × كل تأخيره وفيها خيرة
اطرق الحديد وهو ساخن × في التأني السلامة وفي العجلة الندامة
اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب × القرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود
الغالي تمنه فيه × على قدّ لحافك مدّ رجليك
هذا بلا شك مخزون لغوي يعكس تراثًا ثقافيا وخبرات وتجارب تختلف باختلاف سياقاتها أو ما يعرف بمضارب الأمثال أو حالتها الراهنة والتي نقارنها دوما بموارد هذه الأمثال، لهدف استخلاص العبرة والعظة والدرس والتأمل. وإذا كانت العربية تشهد تراجعًا ملحوظًا، له عدة مظاهر حذّر منها المشاركون في الجلسة الحوارية، كما في أسماء المحال التجارية والمنتجات وقوائم الطعام والمفردات الدخيلة على الدراما العربية، حتى الوظائف التي تأتي إعلاناتها في صحفنا العربية بلغة غير العربية وتشترط في المتقدمين إلمامًا بلغات أخرى، فكلها عوامل تؤكد أننا أمام صعوبة وتحد كبير في يوم اللغة العربية وفي كل يوم، تحد ربما لا يصمد أمامه ما قاله الشاعر اللبناني حليم داموس:
لغة إذا وقعت على أسماعنا
كانت لنا بردًا على الأكباد
ستظل رابطة تؤلف بيننا
فهي الرجاء لناطق الضاد
ولأننا نهوى هذه اللغة نواصل الجهد ونضاعفه حرصًا عليها وعلى نقلها للأجيال الجديدة ولغير الناطقين بها، بأدواتهم في صور متعددة بين الكتب الورقية والرقمية التي تتاح عبر التطبيقات والمنصات الرقمية وكلها في الجوال، مع خطة تسويق ونشر الكتب الصوتية المسموعة، وبودكاست الكتب وندوات ونقاشات ومعارض ومقالات وحوارات مع الكتاب والمؤلفين في سبيل إحياء لغتنا الجميلة، وهذا كله ضمن ما تضمنته الجلسة الحوارية بخصوص كتاب "الأمثال العربية لجيل الألفية".
تحيا بالاستخدام لا المديح!
نحن نحتفل بتاريخ وحضارة ومجد امتد من بغداد إلى قرطبة، وأرى أن السؤال الذي يجب أن يشغلنا في يوم اللغة العربية هو كيف نحمي هذه اللغة التي نهواها أو كما قال فيها الشاعر اللبناني حليم دموس:
لا تَلُمْنِي في هواهـا ** أنَا لا أهْوَى سِواها
لستُ وحْـدِي أفْتَدِيها ** كُلُّـنا اليومَ فِداهـا
نَزَلـتْ في كلِ نفسٍ ** وتَمَشَّتْ في دِمَاهـا
فَبِــها الأمُّ تَغَنَّـتْ ** وبها الوالدُ فاهــا
وبها الفنُّ تَجَــلَّى ** وبها العلمُ تَبَاهــى
كلمـا مر زمــانٌ ** زادَها مجدًا وجاهـا
لغةُ الأجدادِ هَــذِي ** رفع اللهُ لِوَاهـــا
فأعيدوا يا بنيهــا** نهضةً تُحْيِي رجاها
لم يَمُتْ شعبٌ تَفَانَى ** في هواها واصطفاها
أظن أن تدشين كتاب "الأمثال العربية لجيل الألفية" والجلسة الحوارية وما دار فيها من نقاش ثري من جانب المتحدثين والحضور، والأنشطة الأخرى المتعلقة بأدب الرسائل والاعترافات وغيرها، هذا كله صيحة اتفاق ضمني على أن العربية تحيا باستخدامها وبتوسيع نطاق هذا الاستخدام في كل يوم وفي مكان، نتحدث بالعربية، نكتب بها ونبدع بها ونحلم بها، فهي هويتنا ومقياس قدرتنا على إنتاج المعرفة، التي تحفظ مكانتنا بين الأمم على خارطة الحضارة والإبداع في العالم.