'عشرون شاعرًا أميركيًّا' في كتاب لسارة حوَّاس
القاهرة - صدر عن بيت الحكمة للثقافة بالقاهرة، كتابٌ جديد للدكتورة سارة حامد حوَّاس مدرس اللغويات التطبيقية بقسم اللغة الإنكليزية بكلية الآداب جامعة القاهرة عنوانه "ولاؤهم للروح.. عشرون شاعرًا أميركيًّا حازوا جائزة بوليتزر" في أربعمئة صفحة من القطع المتوسط، متضمنًا مختارات شعرية وسِيَرًا للشعراء، وقد حرَّر الكتاب وقدَّمه الشَّاعر أحمد الشَّهاوي.
وعن تجربتها في الكتاب ذكرت الدكتورة سارة حواس أنها كانت "رحلةٌ ممتعةٌ وشائقةٌ قطعتها في ترجمة ستين قصيدةً لعشرين شاعرًا أميركيًّا مُتحقِّقين وحائزين على أرفع الجوائز الأدبية الكبرى ومنهاجائزة "بوليتزر".
لم أُترجم قصائدَهم فقط، بل عِشتُ وتوحَّدتُ معهم من خلال قراءتي المُستفيضة عن حيواتهم وأشعارهم ومراحل تطورهم خلال رحلاتهم الشعرية، بماذا مرُّوا، والصعوبات والانتقادات التي واجهوها، وكيف استمروا وكافحوا للوصُول إلى القمة، كيف كانوا يواجهون نواقصهم وكيف عالجوها، كيف تصدُّوا للانتقادات التي كانت من الممكن أن تثبِّط عزيمتهم، لكنَّهم أصرُّوا على النجاح والاستمرار والتكيُّف مع الظروف؛ حتى يصلوا إلى مُبتغاهم في رحلاتهم الشعريَّة الثريَّة الملأى بالنجاحات والجوائز وأيضا الكثير من الإخفاقات.
وقالت د. سارة حواس: "لا أُقْبِلُ على ترجمة قصائد من دُون قراءة كل ما يخصُّ الشَّاعر من خلفياتٍ اجتماعيةٍ وثقافيةٍ؛ لأفقهَ ما بين السُّطور وأقرأ ما يهمُّه، وما كان يشغله وما هدفه من كتابة الشعر، وما دوافعه الحقيقية لها.
كل هذه الأشياء تُسهِّلُ عليَّ بوصفي مُترجمةً فهم قصائده بشكل أفضل وأوضح، حتَّى أنها تجعلني أتوحَّد مع أفكاره ومشاعره، وأندمجُ أكثر مع ما يشغله، وذلك يجعلني أيضًا أُجيدُ فكَّ شفرات كل شاعرٍ عندما يكتُبُ كلماتٍ أو سُطورًا أو حتى قصيدة كاملة بشكلٍ غير مباشرٍ، فأنا أُؤمنُ أنَّ القصيدة كالخزانةِ التي نملؤُها بالأشياءِ الثمينةِ لنقتنيها، والإنسان يُشبهُ دومًا ما يحبُّ، وأيضًا من يحب، وكيف لنا أن نعرفَ ما بداخل تلك الخزانة، من دُون أن نتعرَّفَ بالشَّاعر ونفهمه ونتقرَّب منه؛ حتى يفتحَ لنا خزانته، ونرى ما بداخلها من جواهرَ وكنوزٍ خاصة به، ظل يجمعها طوال حياته؟ يتفقُ معي البعض أو يختلفُ معي البعض الآخر، ولكن ذلك ما أُؤمنُ به وأتبنَّاه في ترجمة الشِّعر.
وأكدت أنها لا تبحثُ عن الاختلافِ في ترجمةِ الشِّعر بقدر ما تبحثُ عن خلقِ رُوحٍ جديدةٍ للنص الشِّعري، رُوحٌ تجعل للنصِّ معنى وشكلًا جديدًا قريبًا من المعنى بقدر الإمكان ومن دُون خيانةٍ للنصِّ الأصلي، وبعيدًا كل البعد عن التقليديةِ واستخدام المفردات القديمة التي تجعلُ شاعرًا أميركيًّا في العصر الحديث يبدو كأنه "المتنبي" أو "البحتري"، أبعد عن "النقل الحرفي" و"الإضافات الزائدة بإفراط"، فكلاهما خيانةٌ كبرى في حقِّ النصِّ الأصلي، أحبُ أن أنقلَ رسالة الشَّاعر كما هي من دُون زيادةٍ أو نقصانٍ، لا أُؤلف تشبيهًا لم يذكره شاعرٌ ولا أُنْقِصُ تشبيهًا ذكره.
وقالت: كنتُ أحاولُ طوالَ الوقت أن أجمعَ بين المعنى والمقصد والأمانة والإبداع، وأن أتركَ بصمةَ رُوحي في أيِّ نصٍّ أُترجمُه كما آثرتُ استخدامَ مُفرداتٍ بسيطةٍ وعميقةٍ وحديثةٍ في الوقت نفسه؛ حتى تصلَ إلى الإنسان العادي والمثقَّف معا، حتى تقرأَني كلُّ الفئات ولا يشعرُ بالملل أو الكلل من ترجمتي ولا حتى من قراءة مقدماتي لكل الشُّعراء.
حاولتُ أن أقتربَ من رُوح المُتلقِّي حتى يشعرَ بأنه لا يقرأ شعرًا مُترجمًا فقط، بل حيوات وعوالم شُعراء، تقترب بعض تفاصيل حيواتهم من الكثير منهم، حتى أنني اعتبرتُها درُوسًا حياتيةً مجَّانيةً ومُلهِمَةً تحثُّنا على الاستمرار والاجتهاد والكفاح للوصُول، كأنها رسائلُ آتيةٌ لنا من عوالمَ بعيدةٍ، لكنها قريبةٌ على المستوى الإنساني فجميعُنا قد يتعرَّضُ إلى مثل ما تعرَّضوا إليه هؤلاء، فالترجمة ليست جسرًا فقط بين الثقافات، لكنها نقطةٌ تلتقي فيها إنسانيتنا ومشاعرُنا، وما تحويه قلوبنا من أسرارٍ قد تظهرُ في صورة نصٍّ كُتبَ في لحظةِ تجلٍّ لشاعرٍ من بلادٍ بعيدة.
وعن لماذا اختارت د. سارة حواس الشِّعرُ الأمريكيُّ؟ قالت:
كثيرًا ما وُجِّه إليَّ هذا السؤال بعد صدُور كتابي: "ثقبُ المِفتاح لا يرى: عشرون شاعرةً أمريكيةً حائزات على جائزتيْ نوبل وبوليتزر" في يناير/كانون الثاني 2024 عن "بيت الحكمة للثقافة" بالقاهرة. فأنا اخترتُ أن أُقيمَ مشرُوعًا لترجمة الشِّعر الأميركي لِمَا وجدتُ فيه من تجديدٍ وحداثةٍ في الموضُوع وبنية القصيدة والأسلوب، كما أنَّ الشُّعراءَ الأميركيين يتنافسون على الكتابة الإبداعية الخلَّاقة وابتكار أشكالٍ شعريةٍ جديدةٍ لم يذهب إليها أحدٌ قبلهم.
فقد وجدتُ لغةً جديدةً ومفرداتٍ حديثةً عصريةً ومشاعر لم تتأثَّر بمادية المجتمعات الحديثة، بل حافظت على حُبِّها الفطري للطبيعة والجمال الإلهي والتأمُّل في كل ما يحيطنا، والاهتمام بالتفاصيل العادية اليومية، ومُلاحظة غيمة تحملُ كثيرًا من الأسرارِ، وقطةٌ تعبرُ طريقًا، وعنكبوتٌ عالقةٌ في مبنى عتيق.
قصائد أمريكية تحملُ الكثيرَ من الجمال والإبداع الذي لم تحظ بالكثير من الاهتمام، حتى في المراحل الجامعية، إذْ إنَّ التركيزَ يكونُ موجَّهًا دائمًا إلى الشعر الإنجليزي، وذلك لا يعني أنني أُقلِّل من أهميته الثقافية والإبداعية والفكرية، ولكنني أحبُّ التَّنوُّع في المدارس الشعرية، والإطِّلاع على شعر العالم.
وأكدت حواس أن الشِّعرُ الأميركيُّ "يجعلني رُوحًا مُعاصرةً مواكبةً للأحداث الداخلية الخاصة بإنسانٍ أميركيٍّ يعيشُ في قارَّةٍ طبيعتُها التنوُّع والاختلاف، والأحداث الخارجية الخاصة ببلدٍ يحوي الكثيرَ من الثقافات والديانات والخلفيات الاجتماعية المختلفة، فهي قارَّةٌ يأتي إليها النَّاسُ من كلِّ صوبٍ واتجاهٍ، فهي بمنزلةِ سبع قاراتٍ في قارَّةٍ واحدةٍ وبقراءةِ الشِّعر الأمريكي أشعر كأنني قرأتُ أشعارًا من بلادٍ شتَّى بأبعادٍ ثقافيةٍ وفكريةٍ مختلفة.
فلكل شاعرٍ صفاته الإنسانية والشعرية الخاصة التي تجعله مُختلفًا عن أقرانه من الشُّعراء. ومن هنا أتت أهميةُ الشعر الأميركي بالنسبة إليَّ، وأتى معه شغفي بترجمة قصائد لعشرين شاعرًا أميركيًّا حائزًا على جائزةٍ من أرفع الجوائز الأمريكية وهي "بوليتزر".
وعن الشعراء الذين اختارتهم سارة حواس في كتابها قالت: "اخترتُ عشرين شاعرًا أميركيًّا مُتحقِّقًا، وهم: بول مولدون وچون أشبري وبيتر بالاكيان وچريكو براون وچون بيريمان وغاري سنايدر وتشارلز رايت ويوسف كومنياكا وأرشيبالد ماكليش وويليام كارلوس ويليامز وتيد كوزر وچورچ أيكن ومارك ستراند وويليام ستانلي مروين وويليام موريس ميريديث چونيور وريتشارد ويلبر وريتشارد إيبرهارت وروبرت هاس، وأخيرا - ولأول مرَّة في تاريخ الشِّعْر في العالم - يفوز أب وابنه چيمس رايت الأب وفرانز رايت الابن بجائزةٍ كبيرةٍ هي ''بوليتزر''؛ ومن ثم جعلت الشَّاعرين يختمان كتابي؛ لأنني اتبعتُ ترتيبًا زمنيًّا من الأقدم إلى الأحدث.
وهؤلاء الشُّعراء جميعًا نالوا من الشُّهرة الكثير، وجميعهم حازوا أكبر الجوائز الأدبية الأميركية مثل: جائزة ''بولينجن'' وجائزة ''الكتاب الوطني'' وجائزة ''ماك آرثر جينيس'' التي نالها الشَّاعر ''جريكو براون '' في 2024؛ صاحبُ الشكل الشعري الجديد ''دوبلكس'' Duplex والذي ترجمتُ له ثلاث قصائد وكتبت عن سيرته الشعرية وعن كشْفِهِ لشكلٍ شعريٍّ جديدٍ. كما أنه أصغرُ فائزٍ بجائزة ''بوليتزر'' حيثُ نالها في عام 2020 وهو في الرابعة والأربعين من عمره. وهناك أيضا ''زمالة الأكاديمية الأميركية للفنون والعلوم'' و''زمالة أكاديمية الشعراء الأميركيين'' و"زمالة جوجنهايم'' وغيرها الكثير من الجوائز الأدبية الكبرى في الولايات المتحدة الأميركية.
لقد تنوَّعت التيمات التي تناولها الشُّعراء في قصائدهم بين الحُب والفقدان، وحُب الطبيعة والتأمُّل واليأس والظلم و''الشعر'' أيضا، حيث إنني ترجمتُ قصائد يتحدث الشعراء فيها عن ''الشعر'' كأنها شهادةٌ لهم في فن كتابة الشعر، أو كيف يكون الشعر، وكيف يرونه ويكتبونه، وكيف يصيرون شعراء.
أحببتُ هذه القصائد لأنَّني اعتبرتُها درُوسًا مهمة للشُّعراء الشباب وأيضا الكبار المحترفين، وبرغم أنَّ الشعراء جميعهم ينتمون إلى الولايات المتحدة الأميركية، فيوجد بعض الشعراء الذين ينتمون إلى جغرافياتٍ مختلفةٍ كالشاعر بيتر بالاكيان الذي ينتمي إلى أصولٍ أرمينيةٍ، حيث ينتمي إلى جدة ناجية من الإبادة الأرمينية التي مات فيها الكثير من أفراد عائلته، وظهر ذلك جليًّا في قصائده، كما أنه رسَّام محترفٌ وظهر حبه للألوان وتعلقه بالرسم في قصائد وتشبيهات عديدة.
وقال الشاعر أحمد الشهاوي إن الشاعرة والمترجمة الدكتورة سارة حامد حوَّاس قد التزمت في ترجماتها بالبنيةِ الطبيعيةِ للجُملةِ العربيةِ، وليس ببنية الجُملةِ الإنكليزية، وقد تطلَّب الحرصُ على القراءةِ الطبيعيةِ إعادة ترتيب الأسطر الشِّعرية في بعض الأحيان، حتى بدا النصُّ الذي ترجمته سارة في أحيانٍ كثيرةٍ أصلًا أكثر من الأصل، فلا شكَّ أنَّ شيئًا من لُغة المترجمةِ قد دخلَ في نسيجِ القصيدةِ التي ترجمتها إلى العربية.