د.لمياء محسن تفحص 'جيل Z والنظريات المعززة له'

الباحثة ترى في كتابها أن تحديات الصحة العقلية تعد من السمات المحزنة لـ 'الجيل الأكثر وحدة'، حيث انَّ ساعات لامتناهية يقضيها افراده على الإنترنت يمكن أن تعزز مشاعر العزلة والاكتئاب.

"المواطنون الرقميون"، الجيل Z أو "Generation Z" مصطلحات عدة للإشارة لجيل ما بعد الألفية الثانية.. جيل تتعامل أناملهم مع الطباعة أكثر منه مع القلم، تنشئته الاجتماعية تكنولوجية وقد وُلِد في زمن ثورة الإنترنت والعالم الرقمي مرورا بمواقع التواصل الاجتماعي بكل منصاتها، جيل متاح له الانتشار والتواصل مع العالم الخارجي بشكل أسهل وأسرع بفضل العولمة الإلكترونية التي جعلت كوكبنا يتأثر بتغريدة على موقع تويتر وفيديو لا يتعدى الثلاثين ثانية على إنستجرام وسناب شات يحظى بملايين التفاعلات والإعجاب، الأمر الذي يجعل من صاحبه بطلا إلكترونيا، وقد تتعدى شهرة "البطلZ" موقع التواصل الاجتماعي نفسه الى العالم ككل.

محاور كثيرة تطرح العديد من التساؤلات حول هذا الجيل الرقمي تطرحها الأستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهرة د.لمياء محسن محمد في كتابها "جيل Z والنظريات المعززة له" الصادر عن دار العربي أخيرا، وذلك انطلاقا مفهوم الجيل الرقمي Z أهدافه وخصائص وأهم المشكلات التي تواجهه، مرورا بالنظريات المعززة له ومنها: الشبكة الفاعلة، الأجيال، الاختيار العقلاني واقتصاد المعرفة، والتبادل الاجتماعي، والعلاقة التي تجمع جيل Z بشبكات التواصل الاجتماعي، وانتهاء بإمكانية أن يعيد جيل Z تشكيل العالم.

تؤكد الباحثة أن الجيل Z الذي وُلِدَ في عالم تهيمن عليه التكنولوجيا والإنترنت يمتلك وجهة نظر مميزة ورؤية مختلفة عن الحياة والعالم وعن بلدانهم، وعن مفاهيم مثل التقدم والحداثة والحرية والديمقراطية. على عكس أسلافهم المهاجرين الأولين (Baby Boomers) والجيل الثاني (Millennials) الذين عاشوا حياتهم بدون تكنولوجيات حديثة أو عاشوها وهي في بداياتها، نشأ الجيل الثالث متنقلًا بسهولة بين الفضاءات الرقمية الشاسعة والمتطورة باستمرار.

ولم يشكل التواجد الرقمي أسلوب تواصل فقط للجيل Z، لكنه أثر أيضًا على الطريقة التي يستوعب بها هذا الجيل المعلومات ويفسرها ويستغلها ويوظفها، وهو ما يتجلى في تأثيرهم على مختلف جوانب المجتمع، حيث يقود الجيل Z التغيير في مختلف الصناعات، من الموضة والجمال إلى التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي إنهم يحددون الاتجاهات التي تشكل عالمنا بسرعة.

وتلفت إلى أن الجيل Z يظهر وسط التغييرات العالمية السريعة، كعامل دافع للتحول الإيجابي.يمنحهم الارتباط الفطري بالتكنولوجيا وبالمعلومات القوة للتساؤل وللتحدي، ولإعادة تشكيل القيم الاجتماعية والسياسية، هذا الجيل لا يقتصر على معرفة التحديات التي يواجهها العالم، بل يمتلك أيضًا الأدوات اللازمة لمواجهتها بشكل فعّال.

وتوضح الباحثة أن الجيل Z هو الجيل التالي لجيل Y أو جيل الألفية، ولا يوجد تواريخ دقيقة متفق عليها بخصوص السنة التي يبدأ بها التأريخ للجيل Z، يتم تعريفهم من البعض على أنهم الأشخاص الذين ولدوا منذ عام 1997 إلى الفترة الزمنية 2012م، وهو جيل ولد بالكامل في العصر الرقمي الحديث بكل تطوراته وتغيراته المستمرة، حيث عاصر هذا الجيل كل من الإنترنت والهواتف الذكية والخدمات الرقمية الحديثة.

وتكشف أن الجيل Z يمثل حوالي 32 بالمئة من سكان العالم، وأعمارهم تتراوح بين 9 و27 عامًا في عام 2024، يتميز الجيل Z بكونه ثالث أكبر جيل في الولايات المتحدة بعد جيل الألفية وجيل الطفرة السكانية، حيث يشكلون واحدًا من كل 5 أمريكيين (أو 20.6 بالمائة)، أما في كندا، فإن الأرقام أقل قليلًا، حيث يضم الجيل Z حوالي 18بالمئة من السكان الكنديين.ومع ذلك، فإن تمثيلهم يختلف بشكل كبير بين مختلف البلدان.على سبيل المثال: في أستراليا، يمثل الجيل Z ما يقرب من 20بالمئة من سكان البلاد، وفي الصين، يشكل الجيل Z حوالي 16 إلى 18بالمئة من سكان البلاد، وفي اليابان، يشكل الجيلZ 13بالمئة من سكان البلاد، وفي قارة أفريقيا، يشكل الجيلZ 31بالمئة من السكان، وهم يمثلون ما يصل إلى ربع السكان في نيجيريا، البلد الذي أكثر من نصف السكان فيه تحت سن 18 عامًا، كما أن الجيل Z سيشكل ربع سكان منطقة آسيا والمحيط الهادئ بحلول عام 2025.

وترى الباحثة أن من أكثر ما يميز هذا الجيل شغفهم الشديد بالتكنولوجيا وإتقانهم لبرامجها، وتوسعهم الكبير في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وتعد هذه الوسائل من أبرز المصادر وأكثرها تأثيرًا في تشكيل الوعي الثقافي والسياسي لهذا الجيل. يصف 80بالمئة من هذا الجيل نفسه بأنه يفكر بالآخرين وبشكل عميق، وهم بعكس جيل الألفية، فإنهم يفهمون المشاكل المختلفة التي يواجها الناس، سواء بيئية أو اجتماعية أو سياسية، وتتمحور رؤيتهم عن العالم، بالتفكير بكيفية حل هذه المشاكل.كما أنه متقبل ومنفتح تجاه الآخرين.

وتشير إلى أن هذا الجيل يعد الأكثر موهبة وقدرة على التعامل مع التغيرات المستمرة في السوق الرقمي ولاسيما الخاصة بالتعامل مع المنصات الاجتماعية أو المواقع الإلكترونية باختلاف صورها وتجددها؛ حيث لا يجد هذا الجيل صعوبة مع التكيف مع التغيرات السوقية المستمرة وفهمها وكذلك العمل على وضع لمسته فيها، لذلك عادة ما تكون بيئة العمل المناسبة لجيل Z، هي البيئة التي تتميز بـ: نظام عمل يسير وفق الجودة لا الكم ـ بيئة عمل لا تعتمد على الروتين ـ العمل بذكاء لا بجهد ـ إمكانية العمل بشكل مستقل أو ضمن فريق ـ ساعات عمل مرنة ـ إمكانية العمل عن بعد ـ فرص للتطور الوظيفي ـ فرص تدريب مدفوعة الأجر ـ العمل ضمن المجالات الرقمية وخاصة المتعلقة بالتسويق الإلكتروني أو البرمجة ـ الدافع الأساسي للعمل هو شغفه للمجال لا المسئوليات أو الامتيازات المادية أو الاجتماعية.

وتلفت الباحثة إلى جيل ألفا وهو الجيل الذي ولد بعد الجيل Z، وهم مواليد ما بعد عام 2010 وحتى عام 2025. حيث يقول الباحث الاجتماعي الأسترالي مارك ماكرندل، الذي نسب مصطلح الجيل ألفا "إن الديموغرافيين التقليديين كانوا يفرّقون بين الأجيال وفقا لمتوسط الفترة الزمنية بين ولادة الوالدين وولادة أبنائهم، أي نحو 20-25 عاما، لكن التكنولوجيا أسهمت في التحول السريع للقيم الاجتماعية بحيث أصبح من المنطقي تقليص الحدود بين الأجيال إلى 15 عاما".

وتتوقف محللة أبرز سمات الجيل ألفا ومن بينها: أولا التعايش مع التكنولوجيا حيث أصبح أطفال هذا الجيل مستهلكين للتكنولوجيا مبكرًا جدًا، فأغلبهم من صانعي القرارات أو من المؤثرين على شبكات التواصل الاجتماعي بشكل كبير. ثانيا ليسوا مدمنين: سيتخطى المواطنون الرقميون - وهم جيل ألفا مستقبلًا- ما نعتبره اليوم إدمانا للتكنولوجيا، وسيطورون استخدامها لصالحهم، تماما مثلما نستخدم الآلات الموسيقية وأدوات الترفيه الأخرى الآن، وهكذا لن يعود هناك خلط بين إدمان المخدرات أو غيرها واستخدام التكنولوجيا، التي ستُسخر فقط لجعل حياتنا أفضل. ثالثا التفاعل السطحي: يؤكد جيف فروم أن عوالم الصغار ستندمج بكل بساطة مع المادية والرقمية بحيث سيكون جيل ألفا عرضة لنفاذ الصبر حين لا تُلبي احتياجاتهم بالسرعة التي يتوقعونها، وستنخفض قدرتهم على التركيز، ويواصل متهكمًا: "إذا اضطُررت إلى تقديم شارع سمسم من جديد لهم، فسأقدم لهم مقاطع مدتها خمس دقائق فقط. رابعا أطفال وحيدون نظرًا لأن أطفال الجيل ألفا وُلدوا لآباء أكبر سنًا يميلون لإنجاب عدد أقل من الأبناء، فمن المحتمل أن يكون أغلب أبناء الجيل ألفا أطفالًا وحيدين، وستنعكس عليهم بشكل كبير سمات آبائهم، فبينما تربّت أجيال عديدة بالطريقة التقليدية "افعل ما أقوله لك"، فإن أبناء جيل الألفية أكثر ليبرالية ورغبة في مناقشة الأمور، ولهذا يخبرون أطفالهم بالأسباب ما يجعلهم أكثر استعدادًا للاستجابة. خامسا الأكثر ثراء وفقا لمارك مكريندل، فهناك 2.5 مليون طفل من جيل ألفا يولدون كل أسبوع في جميع أنحاء العالم.وبناء عليه كان هناك ما يقرب من 21 مليون طفل من أبناء هذا الجيل دون سن الرابعة في الولايات المتحدة.وفي عام 2050 حين يكون أكبرهم قد بلغ الأربعين، يُتوقع أن يبلغ عددهم نحو ملياري شخص، بينما سيبلغ عدد أبناء الجيل  Z(الذين ولدوا بين عامي 1995 و2009) 1.8 مليار على مستوى العالم، والمتوقع أن يكون الجيل ألفا هو الأطول عمرًا والأكثر ثراءً.

وتتساءل الباحثة: ما الذي يجعل Gen Z علامة؟ وتقول أن القيم الأساسية لجيل Z تختلف في بعض النواحي عن قيم الأجيال السابقة - بما في ذلك جيل الألفية. يتمتع الجيل Z بحياة اجتماعية مفعمة بالحيوية، ويعتمد بشكل كبير على تكنولوجيا الهاتف المحمول والإنترنت. إنهم دائمًا متصلون بالإنترنت ويحملون أيضًا تعليمًا رسميًا ذا سمعة عالية. لذلك من المفهوم أنهم يهتمون بالاتصال وتوافر المعلومات، كما ينمو ذكاء الجيل Z بشكل أسرع حتى من جيل الألفية - بفضل تقنية الهاتف المحمول في القرن الحادي والعشرين. إنه يعمل على إحداث فرق، سواء كان الأمر يتعلق بمكافحة تغير المناخ، أو الضغط من أجل العدالة العرقية، أو تعزيز المساواة بين الجنسين، أو دعم الصحة العقلية، كما يبحث بنشاط عن طرق لإحداث تأثير إيجابي على العالم. وهو يتمتع بروح ريادة الأعمال المذهلة والتي تبدأ في وقت مبكر جدًا بالمقارنة مع الأجيال الأخرى، لذا فإن الجيل Z يتمتع بالآتي: النجاح (62 بالمئة من الجيل Z يعطون الأولوية للنجاح مقابل 49 بالمئة للجميع) ـ تعلم مهارات جديدة (61 بالمائة مقابل 54 بالمائة) - تحدي نفسي (48 بالمائة مقابل 40 بالمئة).

وتبين أن تحديات الصحة العقلية تعد من السمات المحزنة لـ"الجيل زد"، والذي أشار إليه البعض على أنه "الجيل الأكثر وحدة"؛ حيث انَّ الساعات اللامتناهية التي يقضونها على الإنترنت يمكن أن تعزز مشاعر العزلة والاكتئاب، فقضاء المزيد من الوقت على الهواتف الذكية أو مشاهدة Netflix يعني قضاء وقت أقل في تكوين علاقات هادفة. بالإضافة إلى ذلك، يقع العديد من الشباب فريسة المقارنة واليأس التي تقدمها وسائل التواصل الاجتماعي؛ حيث يجد "الجيل زد" أيضًا أنَّ صحتهم العقلية تتأثر بالحالة المضطربة في العالم، ومع تزايد النشاط السياسي بين أبناء هذا الجيل، استوعب العديد منهم الاضطرابات المحيطة بقضايا مثل السيطرة على الأسلحة، ووحشية الشرطة، وتغير المناخ؛ مما أدى إلى زيادة مستويات التوتر لديهم.

وتؤكد الجيل Z يعد أكثر تنوعًا عرقيًا وإثنيًا من أي جيل قبله، ويعكس التركيبة المتغيرة في البلاد.

ويشكل من ينتمون إلى العرق الأبيض غير المنحدرين من أصول لاتينية، 52 في المئة من هؤلاء، وهي نسبة تراجعت بشكل كبير عن تلك المسجلة في صفوف جيل الألفية في 2002 إذ بلغت حينها 61 في المئة. ويشكل المنحدرون من أصول لاتينية واحدا من بين كل أربعة أفراد من الجيل Z، بينما يشكل السود 14 في المئة، والمنحدرون من أصول آسيوية ستة في المئة، ومن هم من أعراق أخرى خمسة في المئة. المنتمون لهذا الجيل، أقل احتمالا لأن يكونوا من المهاجرين إذ ولد ستة في المئة فقط منهم خارج الولايات المتحدة مقارنة بسبعة في المئة لجيل الألفية. لكن الجيل الجديد أكثر احتمالا لأن يكون أفراده أبناء مهاجرين.وقد ولد 22 في المئة من هؤلاء لأب مهاجر أو أم مهاجرة، في حين كانت النسبة في صفوف جيل الألفية 14 في المئة. وعلى الرغم من تراجع الهجرة إلى الولايات المتحدة في الأعوام الأخيرة، إلا أن مهاجرين جددا سينضمون إلى الجيل Z في السنوات القادمة.ونتيجة لذلك، يرتقب أن يشكل من لا ينتمون إلى العرق الأبيض غالبية هذا الجيل بحلول عام 2026، وفق توقعات مكتب الإحصاء الأميركي.