الشرع يُشرّع أبواب سوريا الجديدة للنفوذ التركي
دمشق - أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اليوم الثلاثاء أنه ناقش خلال محادثات في أنقرة مع الرئيس السوري أحمد الشرع الخطوات التي يتعين اتخاذها ضد المسلحين الأكراد في شمال شرق سوريا، فيما يبدو أن الشرع يُشرع أبواب سوريا للنفوذ التركي لمكافأة أنقرة على دورها في دعم هيئة تحرير الشام وحلفائها من الفصائل السورية التي قادت الإطاحة بنظام الأسد.
وقال أردوغان في مؤتمر صحفي عقده مع الشرع في أنقرة إن تركيا مستعدة لمساعدة القيادة السورية الجديدة في المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية والمسلحين الأكراد، مضيفا أنه يرى أن العودة الطوعية للمهاجرين السوريين ستتسارع مع استقرار البلاد.
وأوضح أن أنقرة ستواصل جهودها لرفع العقوبات المفروضة على سوريا في عهد الرئيس المخلوع بشار الأسد وأن الدول العربية والإسلامية من المهم أن تدعم الحكومة الجديدة من الناحية المالية وغيرها خلال الفترة الانتقالية.
وقال الشرع إن الحكومة السورية تسعى إلى "بناء استراتيجية مشتركة" مع تركيا، موجها الدعوة إلى أردوغان لزيارة سوريا قريبا مع استمرار تحسن العلاقات بين البلدين.
وتلقي تركيا بثقلها في دعم سلطة الشرع وسبق أن حشدت دوليا لاعطاء الادارة الجديدة فرصة للحكم ودعت لرفع العقوبات الدولية عنها، بينما يتوقع أن تظفر بمعظم عقود اعادة الاعمار وبتسليح الجيش السوري والجديد وتدريبه كمكافأة لها على ما وفرته للفصائل السورية الموالية لهيئة تحرير الشام من دعم خلال السنوات الماضية وخلال الهجوم المباغت الذي شنته تلك الفصائل وانتهى بسقوط دمشق وحكم بشار الأسد الذي فر إلى روسيا.
ويبحث الشرع الذي زار السعودية قبل مغادرته لتركيا، عن أحزمة دعم إقليمية اسنادا لسلطته ولجهود اعادة الاعمار والمساعدة في تجاوز الأزمة الاقتصادية وهي ملفات ان نجح في ترتيبها ومعالجتها ستمكنه من تعزيز حكمه، لكن التقارب مع أنقرة يثير مخاوف من هيمنة تركيا على القرار السوري وجعلها سلطة تابعة تخدم أجندة ومصالح أنقرة.
وتأتي هذه الزيارة مباشرة بعد مغادرة الشرع للسعودية في أول محطة خارجية له منذ أن أطاحت فصائل سورية بقيادة هيئة تحرير الشام بنظام بشار الأسد يوم الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي. وباتت السلطات الجديدة في سوريا التي تتشارك حدودا طولها 900 كيلومتر مع تركيا، أمام مرحلة انتقالية تواجه تحديات عدة بما في ذلك استعادة السيطرة على كامل التراب السوري.
وتستعد أنقرة للقيام بدور رئيسي في سوريا الجديدة وملء الفراغ الذي خلفته إيران، التي كانت داعما رئيسيا للأسد، توسيعا للنفوذ التركي ربما يثير منافسة مع دول الخليج العربية ويقلق إسرائيل.
وأفاد مكتب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الاثنين بأن الزيارة تأتي "بدعوة من أردوغان الذي سيستضيف رئيس الحكومة الانتقالية السورية في القصر الرئاسي.
وقال رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية فخر الدين التون في منشور سابق على منصة "إكس" إن المحادثات بين إردوغان والشرع ستركز على "الخطوات المشتركة التي يتعين القيام بها من أجل التعافي الاقتصادي والاستقرار والأمن المستدامين" في سوريا.
ورغم معاناتها هي نفسها أزمة اقتصادية، تعرض تركيا مساعدة دمشق على التعافي بعد الحرب المدمرة التي تواصلت 13 عاما.
وفي المقابل، تسعى أنقرة لضمان الحصول على دعم دمشق ضد القوات الكردية في شمال شرق سوريا، حيث تخوض قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة من الولايات المتحدة معارك ضد فصائل مدعومة تركيًا.
وتتّهم تركيا وحدات حماية الشعب الكردية، المكون الرئيسي لقسد بالارتباط بحزب العمال الكردستاني الذي يخوض تمردا مسلحا ضدها منذ الثمانينات. وتصنّف تركيا وبلدان غربية حزب العمال "منظمة إرهابية".
وتسيطر قوات سوريا الديمقراطية على معظم مناطق شمال شرق سوريا الغنية بالنفط حيث أقامت إدارة ذاتية بحكم الأمر الواقع منذ أكثر من عقد، بينما هددت تركيا بالتحرك عسكريا لإبعاد القوات الكردية عن حدودها رغم الجهود الأميركية للتوصل إلى اتفاق هدنة.
وكانت أنقرة حاضرة بقوة في إدلب في شمال غرب سوريا التي أدارها منذ العام 2017 تحالف فصائل بقيادة الشرع، وما زالت تملك قواعد عسكرية في شمال سوريا.
ويقول مصدر دبلوماسي غربي إن هيئة تحرير الشام التي كان يقودها الشرع "لطالما تصرفت بحذر عبر تجنب الدخول في معارك مع قوات سوريا الديموقراطية، رغم الضغوط التركية".
وبينما أبقت الضغط على المقاتلين الأكراد في سوريا، مدت أنقرة في الوقت ذاته يدها للسلام إلى مؤسس حزب العمال الكردستاني عبدالله أوغلان، ما زاد احتمالات صدور دعوة منه قريبا إلى أتباعه لإلقاء السلاح. ويرجّح بأن هذه الدعوة ستكون موجهة خصوصا إلى قادة الحركة العسكريين في سوريا والعراق.
وقال الباحث المتخصص في الشؤون الكردية في باريس حميد بوز أرسلان إن "إردوغان لا يريد كيانا كرديا على عتبته" في سوريا، مضيفا أنه رغم ذلك، فإن الشرع "يعرف أنه مدين للأكراد الذين بقوا محايدين أثناء تقدّم قواته وهو بحاجة للعمل مع هذه الحركات".
وترى مديرة برنامج الدراسات التركية لدى معهد الشرق الأوسط ومقره في واشنطن غونول تول أن الخيار الأول للرئيس السوري الجديد هو "حل هذه المسألة عبر السبل الدبلوماسية والمحادثات"، مضيفة أنه سيضطر وإدارته للتحرك في مرحلة ما "إذ لا يمكنهم تحمل تداعيات وجود منطقة خارجة عن سيطرتهم".
ولفتت إلى أن سير الأمور سيعتمد على موقف الإدارة الأميركية الجديدة في عهد الرئيس دونالد ترامب رغم أن سياستها حاليا "غامضة" في ما يتعلق بهذا الملف.
وقالت أربعة مصادر مطلعة في وقت سابق إن من المتوقع أن يجري الشرع محادثات مع أردوغان بشأن اتفاق دفاع مشترك يتضمن إنشاء قواعد جوية تركية في وسط سوريا وتدريب الجيش السوري الجديد.
وتحدثت المصادر، وهي مسؤول أمني سوري ومصدران أمنيان أجنبيان موجودان في دمشق ومسؤول مخابراتي إقليمي كبير، شريطة عدم الكشف عن هوياتهم لأنهم غير مخولين بالحديث إلى وسائل الإعلام حول اجتماع أردوغان والشرع. وهذه هي المرة الأولى التي يُكشف فيها عن ترتيب دفاعي استراتيجي لقادة سوريا الجدد.
وتوقعت أن يؤدي الاتفاق إلى إنشاء تركيا قواعد جوية جديدة في سوريا واستخدام المجال الجوي السوري لأغراض عسكرية والاضطلاع بدور قيادي في تدريب قوات الجيش السوري الجديد.
وكانت القيادة السورية الجديدة اتخذت قرارا بحل الجيش ومختلف الفصائل المسلحة وتعمل حاليا على دمجها في قيادة عسكرية جديدة.