بين عصا موسى وعصا السنوار: من فرعون إلى ترامب!
مقدمة
لطالما لعبت الرموز دورًا حاسمًا في تاريخ الأمم والشعوب؛ فبينما جسّد بعضها القوة الإلهية المطلقة، كما هو الحال مع عصا موسى، حمل بعضها الآخر رمزية المقاومة والتحرر في مواجهة الغزو والاستغلال والهيمنة والطغيان.
وفي مقارنة غير تقليدية، يمكننا استحضار صورة فرعون في زمن سيدنا موسى عليه السلام وطريقة تعامله مع بني إسرائيل، ومقارنتها بسياسات دونالد ترامب تجاه القضية الفلسطينية. وفي المقابل، تبرز شخصية يحيى السنوار، الذي استُشهد في معركته ضد الاحتلال الصهيوني وجرائم الإبادة التي تعرّض لها الشعب الفلسطيني.
يتزامن ذلك مع دعوات ترامب لترحيل أهل غزة إلى مصر والأردن، مما يجعله امتدادًا لنموذج السلطة المطلقة أو الاستبداد، في مقابل عصا موسى وعصا السنوار، كرمزين للمقاومة والتحدي. فما الذي يجمع بين هذه الشخصيات والرموز؟ وما الدلالات التي يمكن استنتاجها من هذا التقابل اللافت؟
مقارنة بين فرعون وترامب
فرعون وادّعاء الألوهية
لم يكن فرعون مجرد ملك مستبد، بل قدّم نفسه كإله، قائلاً: "ما علمتُ لكم من إله غيري"، وكان يفرض عبادته على الناس.
استند حكمه إلى الاستبداد المطلق، حيث لم يكن هناك فصل بين الدين والدولة، إذ اعتبر نفسه مصدر التشريع والسلطة الإلهية.
ترامب واستغلال الدين دون ادّعاء الألوهية
لم يدّعِ ترامب الألوهية كما فعل فرعون، لكنه استغل الدين، وخصوصًا المسيحية الإنجيلية، لتحقيق مكاسب سياسية.
رغم أنه لم يكن معروفًا بتدينه، سعى إلى كسب تأييد التيارات الدينية المتطرفة، مثل الإنجيليين، الذين يرونه "منقذًا" أو "رجل العناية الإلهية".
الاستغلال السياسي للدين
استخدم فرعون الدين لترهيب الناس والسيطرة عليهم عبر الكهنة والسحرة.
ترامب، من جهته، لجأ إلى الرموز الدينية بشكل شعبوي، مثل حمله الكتاب المقدس أمام الكنيسة خلال احتجاجات 2020، لإثارة مشاعر المسيحيين المحافظين وكسب دعمهم الانتخابي.
إثارة النزعة الدينية ضد الخصوم
لجأ فرعون إلى الدين لتبرير قمع بني إسرائيل واتهام موسى بأنه يريد الإفساد في الأرض.
بدوره، شيطن ترامب المسلمين والمهاجرين والمعارضين الليبراليين، مروجًا لنظرية "الحرب الثقافية" ضد القيم المسيحية في أميركا.
التقارب مع رجال الدين لخدمة السلطة
أحاط فرعون نفسه بالكهنة والسحرة الذين دعموه حفاظًا على مصالحهم وسلطتهم.
أما ترامب، فقد حظي بدعم رجال دين مسيحيين متطرفين، ممن شبهوه بالملوك الذين أرسلهم الله لحماية "شعبه المختار"، وكانوا يبررون قراراته مهما بلغت تطرفها.
استغلال الدين في الصراع مع الآخرين
استخدم فرعون الدين لملاحقة بني إسرائيل واتهامهم بالخيانة.
ترامب دعم التيارات الدينية المتطرفة في إسرائيل، واعترف بالقدس عاصمة لها، تماشيًا مع العقيدة الإنجيلية الصهيونية التي تربط عودة المسيح بسيطرة اليهود على فلسطين.
عصا موسى وعصا السنوار: رمزية المقاومة والتغيير
في مواجهة القوة المطلقة، ظهرت رموز المقاومة والتحدي، ومن أبرزها عصا موسى وعصا يحيى السنوار:
1. عصا موسى: رمز الخلاص والانتصار
وفق الروايات الدينية، استخدم النبي موسى عصاه لإظهار المعجزات، فحوّلها إلى حيّة أمام سحرة فرعون، وشق بها البحر لإنقاذ بني إسرائيل.
كانت العصا رمزًا لإرادة الله التي لا تُقهر، وقوة قادرة على كسر جبروت الطغيان.
2. عصا السنوار: رمز المقاومة والتحدي
أصبحت "عصا السنوار" رمزًا إعلاميًا وعسكريًا بعد أن لوّح بها يحيى السنوار، القائد في حركة حماس، في رسالة تحدٍّ لإسرائيل، قبل أن يُستشهد في معركة سيدوّنها التاريخ.
بينما كان الاحتلال يُروّج أن القادة الفلسطينيين يعيشون في رفاهية الفنادق أو يختبئون في الأنفاق، جسّد السنوار نموذج القائد المقاوم الذي يعيش بين شعبه، ويقاتل حتى الشهادة.
وكما كانت عصا موسى رمزًا للتحرر، أصبحت عصا السنوار امتدادًا للمقاومة، ورسالة واضحة بأن القوة لا تُختزل في التفوق العسكري، بل في الإرادة والصمود.
التقاطع بين الرموز والشخصيات
فرعون وترامب يمثلان السلطة المطلقة والاستبداد، بينما موسى والسنوار يمثلان المقاومة والتحرر.
تحوّلت عصا موسى وعصا السنوار من مجرد أدوات مادية إلى رموز نفسية وإعلامية قوية قادرة على تغيير مسار الصراع.
انهار فرعون أمام قوة الحق، كما واجه ترامب مقاومة شعبية وسياسية أدت إلى إسقاطه ديمقراطيًا أمام بايدن، وحتى إن عاد للانتخابات، فإن سلطته آيلة للزوال.
تسبب فرعون في تشريد بني إسرائيل، وقطع أرحامهم، وقتل أبناءهم.
واليوم، يدعو ترامب إلى ترحيل الفلسطينيين إلى مصر والأردن، بعد أن تم استخدام مئات الأطنان من المتفجرات ضد الشعب الفلسطيني، وقتل أكثر من 60 ألف فلسطيني، إضافة إلى التدمير شبه الكلي لغزة، ولا يزال يهدد أهلها بالمزيد من الجرائم.
لكن، مهما بلغت قوة الظلم والطغيان والجبروت، ستظل هذه القوة هشّة أمام إرادة التغيير والمقاومة والنضال.
خاتمة
يعيد التاريخ نفسه بأشكال مختلفة، حيث تتكرر أنماط السلطة والطغيان، وفي المقابل تتكرر مقاومة الشعوب. وبين فرعون وترامب، وعصا موسى وعصا السنوار، يبقى الصراع بين منطق الحق ومنطق القوة، وتستمر إرادة التحرير.
وكما كانت عصا موسى إيذانًا بنهاية حكم فرعون، فستكون عصا السنوار بداية لنهاية طغيان ترامب وأمثاله.