المشروع الصهيوني من ريف دمشق إلى قطاع غزة في حكايا 'النص المتشظي'
صدر مؤخرًا عن وكالة الصحافة العربية - ناشرون بالقاهرة، الكتاب الثاني والثلاثون للدكتور بليغ حمدي إسماعيل، أستاذ المناهج وطرق التدريس بكلية التربية بجامعة المنيا.
ويروي كناب "النص المتشظي - المشروع الصهيوني من ريف دمشق إلى قطاع غزة"، ثلاث قصص أو، بالأحرى، حكايا عن الراهن العربي؛ الأولى قصة الصراع العربي-الصهيوني، والثانية مذبحة غزة، أما الثالثة فهي عن سورية، التي تواجه محاولات مستدامة من جانب الكيان الصهيوني لتقويضها وجعلها محافظة إسرائيلية، عبر سلسلة من الإجراءات الممنهجة التي تستهدف هدم المقاومة الداخلية، واستقطاب الفارين من دمشق إلى خارجها. وكلٌّ من هذين المشهدين يعكس بوضوح الحالة الراهنة للأمة.
وبين القصة الأولى والأخيرة، تأتي قصة وسطى، وهي قصة الخريطة العربية الحائرة بين التقسيم الجغرافي-السياسي، والتمزق الفكري الذي أحدثه الكيان الصهيوني في بلاد العرب. فمنذ وفاة المفكر العربي ابن رشد، لا تزال الفلسفة العربية غارقة في تنظير طروحاته، دون عناء البحث عن فلسفة واقعية تمسّ المواطن العربي العادي، الذي ينفر، بطبيعته، من القراءة المعقدة وإعمال العقل في تفاصيل غير عملية.
لذا، فإن كل الكتابات التي تواترت بعد رحيل ابن رشد ليست سوى محاولات تفسيرية لما خطَّه، دون طرح أفكار وظيفية أو تطبيقية أو حتى قابلة للتداول المجتمعي. وقد أفقد ذلك الفلسفة العربية مكانتها الطبيعية، التي ازدهرت على أيدي الفارابي وابن سينا، وإن كانا في إطار فكر أرسطو وكتابه "ما بعد الطبيعة".
ويرى المؤلف أنه قد يبدو متطرفًا في اعتقاده بأن الفلسفة السياسية اليوم تحولت إلى "كابوس معرفي"، بعدما كانت لعقود طويلة فنًّا لصياغة وتطبيق المفاهيم. أما الآن، فقد أصبحت مجرد استيراد نظريات وأفكار، ثم إعادة تدويرها بصورة تقريرية، قد تبدو، في كثير من الأحيان، ساذجة وسطحية.
كارثة الفلسفة السياسية العربية تكمن في استغراقها المستدام في الأفكار الماركسية، رغم انتهاء صلاحيتها فكريًا وسياسيًا، حتى أنها لم تعد جديرة بالنقد، لأنها، ببساطة، أفكار فاشلة، كشفت عن تحريض أصحابها لمجرد التحريض. وهكذا، ظل الفكر العربي سجين الأيديولوجيات المستوردة، دون قدرة على تطوير رؤى محلية نابعة من واقع الأمة.
وفي ظل تسارع المعرفة الإلكترونية، بات الكاتب العربي بحاجة إلى فهم جيد لطبيعة القارئ المعاصر، الذي لم يعد ينجذب للخطاب الفكري التقليدي. فاليوم، يحتكر بعض الكتّاب اهتمام جمهور واسع، ليس بالضرورة لما يقدمونه من أفكار، بل لأنهم استطاعوا استغلال لحظات ضعف القارئ، واستقطاب عواطفه واحتياجاته المؤجلة.
ومع تغير عادات القراءة، لم تعد القواعد التقليدية للكتابة كفيلة بتحقيق التأثير المطلوب، خصوصًا مع صعود الأفلام الوثائقية التي قد تفنّد روايات الكاتب، وتعيد تشكيل الحقائق في وعي الجمهور، بينما أصبحت شبكات التواصل الاجتماعي هي صاحبة القرار النهائي في قبول أو رفض الأفكار المطروحة.
اليوم، معيار نجاح الكاتب ليس كثرة مؤلفاته، بل قدرته على الإقناع والمحاججة الفكرية. لهذا، يمكننا التساؤل: هل نجح محمد حسنين هيكل في كتابه "خريف الغضب" في إقناعنا بأفكاره، بعيدًا عن التعاطف مع الرئيس الراحل أنور السادات؟ وهل استطاع نزار قباني، في دواوينه الخمسين، أن يغيّر علاقتنا باللغة، أم أنه فجّر اللذة أكثر مما فجّر الإحساس بها؟
حتى ونحن نقرأ أحلام مستغانمي، هل قرّبتنا كتاباتها من المشاعر المحايدة، أم أنها غذّت العاطفة الجارفة؟ ومثلها، استطاع روبيرت أنتوني، في كتابه "ما وراء التفكير الإيجابي"، أن يخلق مساحات من الطاقة لدى قرائه، لكنه، في النهاية، لم يقدّم أكثر من محفّز نفسي لحياة أفضل.
باختصار، ما يظنه الكاتب مجرد محاولات قد تبدو بائسة، هو في الحقيقة عالم استثنائي، يقفز بالقارئ إلى عنان السماء، حتى يعتقد أن كاتبه ملكٌ له وحده. وكما صنع نجيب محفوظ بشخصياته، أصبحت شوارعه ومقاهيه جزءًا من ذاكرة قرائه.
ورغم هيمنة الرواية على الفنون الأدبية الأخرى، تظل الكتابة السياسية-التأريخية ضرورة ثقافية ومعرفية، تمكّن الإنسان من فهم ماضيه وحاضره. فهي مرآة تعكس القدرة اللغوية والفكرية للأفراد، وأداة حيوية للحياة المعاصرة، لكونها جزءًا أساسيًا من عملية التعلم والتواصل الإنساني.
فهرس الكتاب:
الصهيونية
الفصل الأول: من التبرؤ إلى الاستيطان إلى ترويج السيرة الذاتية
- مفتتح للكلام
- العرب وإسرائيل
- فكرة تأسيس الدولة
الفصل الثاني: إسرائيل حينما ترتدي قناع الاعتدال
- حديث عن الصهيونية
- تيودور هرتزل.. المؤسس
- الأصل التاريخي للصهيونية
- إنهم قتلوا الرب!
- بروتوكولات حكماء صهيون
- الأمن الإسرائيلي في الشرق الأوسط
- مستقبل الحركة الصهيونية
- الحركة العلمية الصهيونية كحل أمني
الفصل الثالث: موت الجغرافيا.. تاريخ صراع العولمة مع الخريطة
- علاقة حميمية جدًا!
- وفاة الخريطة
- اليهود.. أنثروبولوجيا
- قراءة في عمق المزاعم اليهودية
الفصل الرابع: التقصي الأمريكي في الشرق الأوسط
- هنا واشنطن
الفصل الخامس: الحرب على غزة.. ثمة أقوال أخرى!
- مشهد رأسي على غزة
- مشهد أفقي على غزة
- لماذا نؤيد إسرائيل؟
- كلمة أخيرة عن غزة
- حان الوقت المناسب للإحلال
صوب دمشق
- الطريق إلى دمشق: ساسة، قادة، وأنبياء!
- سورية الأسد بين الأب والابن
- الموقف الأمريكي
- المسألة السورية
- سورية من الداخل
حديث عن النهايات
- سورية من الداخل.. حديث عن النهايات
- بروتوكولات التعامل مع الأزمة السياسية
- إحداثيات المشهد الأخير.. سورية تدير معركتها
- #هاشتاج حلب.. بين شاطئين
- سورية.. السقوط الأخير
- الشرع ورفاقه.. المواجهة من نقطة الصفر
- هل انتهت قصتنا بعد؟