ضربة قضائية قوية لغوغل تهز إمبراطوريتها الإعلانية

محكمة أميركية تقضي بأن العملاقة التكنولوجية احتكرت سوقي الإعلانات الرقمية بشكل غير قانوني، مما يمهد الطريق لتفكيك جزء من أعمالها الإعلانية.

واشتطن - في قرار تاريخي، قضت محكمة أميركية بأن شركة غوغل استغلت موقعها المهيمن بشكل غير قانوني للسيطرة على سوقين رئيسيين في مجال تكنولوجيا الإعلانات الرقمية، ما يمهد الطريق أمام السلطات الأميركية للمطالبة بتفكيك جزء من أعمال عملاق التكنولوجيا العالمي.

وأصدرت القاضية ليوني برينكيما من المحكمة الجزئية في الإسكندرية بولاية فيرجينيا حكمها بعد محاكمة استمرت ثلاثة أسابيع، حيث نجح ممثلو وزارة العدل وتحالف من الولايات الأميركية في إثبات أن العملاقة الأميركية احتكرت سوقي خوادم إعلانات الناشرين وسوق تبادل الإعلانات بين البائعين والمشترين، عبر سلسلة من الممارسات التي وصفت بـ"الكلاسيكية" في مجال الاحتكار.

أكدت القاضية برينكيما في حيثيات حكمها أن غوغل "شاركت عمداً في سلسلة من الأفعال المناهضة للمنافسة بهدف اكتساب والحفاظ على قوة احتكارية في سوقي خوادم إعلانات الناشرين وسوق تبادل الإعلانات". وأشارت إلى أن غوغل ربطت بشكل قسري بين خدماتها المختلفة، وفرضت سياسات تعاقدية وتكاملات تقنية منعت المنافسين من دخول السوق أو البقاء فيه.

وخلال المحاكمة، عرض الادعاء أدلة على أن غوغل استحوذت على شركات منافسة، وأجبرت الزبائن على استخدام منصاتها، بل وأزالت ميزات كانت تتيح قدراً أكبر من المنافسة. وأظهرت وثائق داخلية أن بعض مسؤولي غوغل تفاخروا في وقت سابق بنيّة "سحق" المنافسين في قطاع الإعلانات الرقمية.

نختلف مع قرار المحكمة بشأن أدوات الناشرين وسنستأنف الحكم

من جانبها، أعلنت غوغل رفضها لجزء من الحكم وأكدت عزمها على الاستئناف. وقالت لي-آن مولوهولاند، نائبة رئيس الشؤون التنظيمية في غوغل: "نختلف مع قرار المحكمة بشأن أدوات الناشرين وسنستأنف الحكم. الناشرون لديهم العديد من البدائل ويختارون غوغل لأن حلولنا الإعلانية فعالة وسهلة الاستخدام".

وأضافت غوغل أن القضية تركزت على ممارسات في الماضي، وأن الشركة اليوم توفر بيئة أكثر انفتاحاً وتكاملاً مع منتجات المنافسين.

ما الذي قد يحدث لغوغل؟

والحكم يفتح الباب أمام وزارة العدل الأميركية للمطالبة بتفكيك منصة "غوغل آد ماندجر" (Google Ad Manager)، والتي تضم خادم إعلانات الناشرين ومنصة تبادل الإعلانات. وقد يشمل ذلك بيع هذه الأصول لشركات أخرى، في خطوة غير مسبوقة تهدف إلى إعادة التوازن والمنافسة في سوق الإعلانات الرقمية.

وفي الوقت ذاته، تواجه غوغل تهديداً آخر من محكمة في واشنطن، حيث ينظر قاضٍ خلال أيام في طلب وزارة العدل بإجبار الشركة على بيع متصفحها الشهير "كروم" واتخاذ إجراءات أخرى لإنهاء هيمنتها على سوق البحث عبر الإنترنت.

يرى خبراء أن هذا الحكم قد يشكل نقطة تحول في صناعة الإعلانات الرقمية، حيث من المتوقع أن يؤدي إلى زيادة الشفافية في تسعير الإعلانات الرقمية، حصول الناشرين على حصة أكبر من عائدات الإعلانات، تعزيز المنافسة والابتكار في تكنولوجيا الإعلانات، تقليص سيطرة غوغل على تدفق الأموال في السوق الإعلاني.

ورحب ناشرون ومنظمات مجتمع مدني بالحكم. وقال متحدث باسم صحيفة "غانيت" الأميركية: "هذا القرار خطوة مهمة نحو استعادة التوازن في سوق الإعلانات الرقمية وتمكين الناشرين من المنافسة بعدالة".

ويأتي هذا الحكم في ظل تصاعد الضغوط القانونية والتنظيمية على غوغل في الولايات المتحدة وأوروبا، حيث تواجه الشركة عدة دعاوى تتعلق بالاحتكار في مجالات البحث والإعلانات والتطبيقات. وتشير تقارير إلى أن غوغل تدرس بالفعل بيع بعض أصولها الإعلانية استجابة لمطالب الجهات التنظيمية الأوروبية.

يمثل هذا الحكم القضائي ضربة قوية لغوغل وإشارة واضحة إلى أن عصر الهيمنة المطلقة لشركات التكنولوجيا الكبرى يواجه تحدياً جدياً من السلطات الأميركية. ورغم أن غوغل ستستأنف الحكم، إلا أن الطريق أمامها يبدو طويلاً ومعقداً، وقد نشهد خلال السنوات المقبلة تغييرات جذرية في خريطة سوق الإعلانات الرقمية، مع فرص أكبر للمنافسة والابتكار.