واشنطن تدرس تخفيف العقوبات عن سوريا مع بدء سحب قواتها من البلاد
واشنطن – أفادت تقارير وسائل إعلام أميركية أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تبحث تخفيف العقوبات عن سوريا في حال التزمت بمكافحة الإرهاب. وذلك في إطار مساعٍ للتأثير على مرحلة ما بعد رحيل بشار الأسد ودعم عملية التحول السياسي في البلاد، خصوصا مع الاتجاه نحو انسحاب القوات الأميركية من البلاد.
وكشفت صحيفة "بوليتيكو" الأميركية أن وزارتي الخارجية والخزانة الأميركية تدرسان تخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، في إطار سعي الولايات المتحدة للتأثير على مرحلة الانتقال الهشّة في البلاد بعد الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.
وبحسب الصحيفة، فإن الخارجية الأميركية وجهت رسالة إلى المشرعة الديمقراطية والعضو في لجنة البنوك بمجلس الشيوخ إليزابيث وارن، في سياق مراسلات تعكس نقاشات مكثّفة داخل الإدارة الأميركية بشأن كيفية التعامل أو الانفتاح على الحكومة السورية الجديدة.
وأشارت إلى أن المسؤول كبير في وزارة الخارجية، بول غواغليانو، كتب في رسالة مؤرخة في 2 أبريل/نيسان الجاري، ولم يُعلن عنها سابقًا "إن نهاية حكم بشار الأسد الوحشي والقمعي تمثل فرصة تاريخية لسوريا وشعبها لإعادة البناء، بعيدًا عن النفوذ الإيراني والروسي المحتمل."
ولفت المسؤول في إدارة ترامب أن الولايات المتحدة أصدرت في كانون الثاني/يناير الماضي ترخيصًا عامًا خاصًا بسوريا، وهو إعفاء مخصص من بعض العقوبات، وذلك لتسهيل تقديم الخدمات الأساسية، مضيفًا أن واشنطن تفكر في إصدار المزيد من هذه التراخيص.
وأضاف غواغليانو "تقوم وزارة الخارجية، بالتشاور مع وزارة الخزانة، بدراسة خيارات إضافية لدعم أهداف السياسة الأميركية، بما في ذلك تلك المذكورة في رسالتكم، مثل الإعفاءات، والتراخيص، والمساعدات من الشركاء والحلفاء الأجانب.
نقاشات مكثّفة داخل الإدارة الأميركية بشأن كيفية التعامل أو الانفتاح على الحكومة السورية الجديدة.
وسلطت رسالة غواغليانو، التي جاءت ردًا على استفسارات وارن والنائب الجمهوري جو ويلسون، الضوء على الطريقة التي تتعامل بها إدارة ترامب والكونغرس مع تداعيات ظهور حكومة جديدة في سوريا، وكيفية تأثير ذلك على التوازنات الجيوسياسية في الشرق الأوسط.
وتحمل مسألة رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا أبعادًا كبيرة على صعيد الأمن القومي الأميركي، وأشارت الصحيفة إلى ارتباطات الرئيس السوري أحمد الشرع، بالتنظيمات الإسلامية المتشددة في السابق. وأضافت أن رفع العقوبات في وقت مبكر قد يُعتبر مكافأة لزعيم غير مُجرَّب، يُظهر خطابًا إيجابيًا، لكنه قد لا يكون قد تخلى تمامًا عن ارتباطاته في الماضي.
ومن جهة أخرى، فإن دعم التنمية الاقتصادية في سوريا خلال هذه المرحلة الانتقالية الحرجة قد يساعد البلاد على التعافي بعد سنوات من الحرب، ويسهم في منع تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" من إعادة التمركز داخل البلاد.
ويرى بعض المحللين والدبلوماسيين أن هذه اللحظة تمثل فرصة حاسمة للتعاون مع الحكومة السورية الجديدة في دمشق، وأن الولايات المتحدة قد تتمكن أخيرًا من القضاء على "داعش" إذا اختارت دعم القيادة الجديدة.
وفي المقابل، تنوه "بوليتيكو" إلى محاولة إيران وروسيا كسب ود الحكومة السورية الجديدة، بعد فقدان نفوذهما عقب سقوط الأسد، إذ تدهورت علاقة طهران بدمشق، وتخلّت موسكو عن قاعدتها في المتوسط، ما يفتح الباب لاحتمال توطيد دمشق علاقتها مع إحدى الدولتين، في حال غاب البديل الغربي الأميركي.
وكانت وارن وويلسون قد وجها رسالة متابعة يطالبان فيها بعقد جلسة إحاطة حول الخطط المحددة لوزارة الخارجية بشأن تحديث نظام العقوبات، والكشف عن المطالب التي وضعتها واشنطن أمام الحكومة السورية الانتقالية مقابل رفع العقوبات.
وقالت الرسالة "الرد الذي تلقيناه لم يتضمن تفاصيل، ولم يحدد جدولًا زمنيًا لأي إجراء، رغم أن هذا قد يكون حاسمًا في ظل حالة الاستعجال التي تحدث عنها الوزير ماركو روبيو".
وبحسب مسؤولين أميركيين فإن إدارة ترامب تطالب الحكومة السورية باتخاذ خطوات تشمل أيضًا تأمين مخزون البلاد من الأسلحة الكيميائية، مضيفين أن الولايات المتحدة ستنظر في المقابل في تجديد إعفاء محدود من العقوبات بهدف تسريع تدفق المساعدات إلى البلاد.
وكانت الولايات المتحدة بدأت سحب مئات القوات من شمال شرقي سوريا، حسبما أفادت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية الخميس.
وذكرت الصحيفة نقلاً عن مسؤولين أن الجيش الأميركي بدأ الخميس، سحب مئات الجنود من شمال شرقي سوريا، ويعمل على إغلاق ثلاث من قواعده العسكرية الثماني هناك.
وقال المسؤولون إن الجيش الأميركي سيخفض عدد قواته في سوريا من ألفَي جندي إلى نحو 1400، وسيعمل القادة بعد شهرين على تقييم إمكانية إجراء تخفيضات إضافية في عدد أفراد القوات.
وأضافت أن القادة الأميركيين أوصوا بالإبقاء على 500 جندي على الأقل في سوريا، مشيرة إلى أن سحب الجنود يستند إلى توصيات قادة ميدانيين بإغلاق قواعد وتعزيز أخرى، وهي التوصيات التي حصلت على موافقة وزارة الدفاع (البنتاغون) والقيادة المركزية الأميركية.
وأفاد مسؤولان كبيران إن القوات الباقية التي تضم جنوداً تقليديين وقوات خاصة، ستواصل تقديم المساعدة لـ"قوات سوريا الديمقراطية" في عمليات مكافحة الإرهاب، وفي إدارة العديد من معسكرات الاعتقال في سوريا.
وكشفت مصادر للصحيفة أن تنظيم داعش شن مئات الهجمات في سوريا خلال العام الماضي، محققا زيادة كبيرة في نشاطه مقارنة بعام 2023.
وأواخر العام الماضي أعلنت الولايات المتحدة أن جيشها ضاعف تقريبا عدد قواته البرية في سوريا ليصل إلى ألفي جندي، للمساعدة في التعامل مع التهديد المتزايد من تنظيم داعش، والفصائل المسلحة المدعومة من إيران التي هاجمت قواعد أميركية توازيا مع حرب غزة.
وكان اتفاق مع دمشق دعا قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة من الولايات المتحدة، إلى دمج "جميع المؤسسات المدنية والعسكرية" في الدولة الجديدة بحلول نهاية العام الجاري، بما في ذلك حقول النفط والغاز.
ومنذ تولي السلطات الجديدة برئاسة أحمد الشرع زمام الأمور في سوريا في ديسمبر/كانون الأول الماضي، سعت الحكومة إلى توحيد الشبكة المعقدة للفصائل العاملة في أنحاء البلاد، ومع ذلك ظل الوضع الأمني غير مستقر.