
عيسى هجرس يسري بحضور حاشد إلى ادغال 'السرّايات'
في أمسية استثنائية وحضور جماهيري ملفت احتضنت قاعة مكتبة الكشكول في جريدة الأيام البحرينية فعالية تدشين الطبعة الثانية من كتاب “السرّايات” للأستاذ عيسى محمد هجرس.
وأدار الأمسية باقتدار الدكتور الأكاديمي طارق الشيباني وشارك في الأمسية بورق نقدية كل من الدكتورة اديم الانصاري والكاتبة الأستاذة زينب علي البحراني من المملكة العربية السعودية والدكتورة سهير المهندي والدكتورة هنادي الجودر من مملكة البحرين كما كان هنالك مشاركات عبر تقنية الفيديو من تونس الشقيقة للإعلامي الفنان القدير حافظ الشتيوي والإعلامي الفنان القدير لطفي البحري.
وقد أجمعت كل الورق النقدية والتداخلات على إنسانية عيسى هجرس وعمق رؤاه في ما طرحه من خلال كتابه المحتفى به والذي صدر من عامين في طبعته الأولى وأعاد طباعته طبعة ثانية ووزعه بالمجان للجمع الغفير الذي حضر الأمسية من الأساتذة ورجال الثقافة والفكر في مملكة البحرين يتقدمهم الشيخ اللواء المتقاعد خليفة بن أحمد بن محمد آل خليفة.
وبعد الترحيب بالجميع بدأ مدير الأمسية الدكتور طارق الشيباني بالتعريف بالأستاذ عيسى هجرس ومنجزه المحتفى به السرّايات ومما قاله أن الكتاب كان إملاءات عفوية تلفّظت بها لغة الاحداث والظواهر وإليكم سادتي سيداتي باقة مما جاد به فكر الاخ عيسى وسطره قلمه وسال به حبره ولا أدرى كيف انتقي من مزهرية "السرّايات" وردة واحدة متفردة بجمالها فكلها ورود جميلة بألوان زاهية اخّاذة فمثلا عندما نراه يقول "سأبقى معنى جميلا وإن كتبتني بخط قبيح فالسيف الذي يقطر دماً ليس بجريح".
وفي سرّاية أخرى يقول "يهرب من الحرب الجبان كما يهرب من النار الدخان" ويقول أيضا في سراية أخرى "أمّي حبّك كالشجرة كلّما تسامت طولا اخترقتنا جذورا" ويقول أيضا "كثير من الشعراء الذين بنو بيوت الشعر ومنارات القصائد كانوا يسكنون في بيوت للإيجار".
ومن ورقة الدكتورة اديم الانصاري نقتطف ما يلي:
ـ حين عرفت عيسى هجرس لن أعرف إنسانا أو اديبا فحسب بل عرفت طاقه بشرية تتجدد بالعطاء تختزل المحبة للناس كافة رجل لا أستطيع أن أقول أنه بعشرة أو بمئة أو بألف هو قبيلة من الاخلاق والقيم والمكارم يشهد له بها كل من عرفه ومن يعرفه هو من سيعرفه ربما بالتعريف بالضيف يلجئون لسرد الشهادات والمؤهلات والاصدارات ولكني التقط من سيرته الذاتية المحلّقة بالسماء أنه محاط بالسمو من كل الجهات مهما ارتفع عن الأرض أو نزل إليها فهو سامي المكانة رفيع القدر عالي المنزلة أنا لا أقول هذه الكلمات ولا هذه المقدمة تمجيداً ولا اطراء بل لأعرف به وبسيرته التي يعرفها الناس.

ومن ورقة الكاتبة الإعلامية زينب البحراني نقتطف ما يلي:
الكتابة الأدبيَّة صورةٌ من صور الحُريَّة الراقية، لأنها رسول المشاعِر إلى الأذهان على أجنحةِ الكلمات المرسومة بإتقان، وحين تأتي النصوص المكتوبة طارقةً أبواب القلوب من ذائقةٍ لطالما ارتشفَت من أنهار الموسيقى، وبصيرةٍ قادرةٍ على الاستلهام من خبرات الحياة اليوميَّة والتعبير عنها بحكمةٍ لا تعوزها رهافةُ المشاعِر، لا بُد وأن يكون لمضمون الكتاب صوتًا مسموعًا في تاريخ الإبداع الأدبي، وكتاب "السَّرايات" لمؤلفه الأديب "عيسى هجرس" الذي تزوَّد بمخزونٍ ثريٍ من أناقة اللغة، وفخامة الأفكار، وقُرب الأسلوب من استيعاب مُختلف طبقات القُرَّاء، استطاع تحقيق مُعادلةٍ أدبيَّةٍ فريدةٍ تُقدّم الطرح العميق على طبقٍ يجمع السهلَ بالمُمتنِع.
بينما قالت الدكتورة سهير المهندي في مداخلتها انه “كما نفهم من هذه السرايات شخصية عيسى هجرس الذي يضعك أمام أبواب من الحكمة حيث التناقض الظاهري الذي يفتح لك هذه الأبواب كما في سرايته التي تقول "قد تملك قليلا من المال فتبني به مدينة وقد تملك كل اللغة ولا تستطيع أن تبني بيت شعر واحدا” حيث يقلب النص وعي القارئ ويوقظه بنفحات معرفية خفيفة لكنها متقنة فكل جملة مفارقة تنقلك من السطح الى العمق فجأة، وبلغة لا تمشي على قدميها بل تحلق وتختلج وتنهار ثم تنهض من جديد، لا تستأذن القارئ بل تداهمه وتعيد ترتيب أفكاره كما يعيد النهر مجراه بعد الطوفان، فهي نصوص دون محاذير، وأحكام دون محكمة كُتبت بقلم يشبه المطرقة، تدق كلماته على جدار السكون .هذا الكاتب لا يتجمل، لا يساوم، لا يداهن اللغة ولا يراوغ الحقيقة، بل يجلدها يعريها يفضح تناقضاتها، ثم يلملمها كأب يعاتب أبناءه بحزم المحبة فهي شخصيته الحقيقية، من جانبها قالت الدكتورة هنادي الجودر.
للحديث عن "السرايات"عليّ أولاً أن أبدأ بالحديث عن الصديق عيسى هجرس، هذا الانسان السهل الممتنع، البسيط جداً رغم تعقيده، المفعم بالإنسانية، القادر والعازم على الاحتواء، الحريص على الارضاء، المتعاطف مع الجميع، اللطيف الذي ليس من الصعب أن تكسب ودّه وأن تُصبح صديقاً له، بشرط أن لا تخلف ظنّه في الخير الذي يتوسمه فيك.
لذلك لا يمكنني في حديثي هذا أن أفصل "السرايات" عن شخصية عيسى هجرس لأنهما متماهيان تماهـٍ تام. فالسرايات هي خلاصة تجارب انسانية عايشها عيسى خلال رحلة عمره المديد بإذن الله تعالى، واستخلصها من معاشرة الرجال الحقيقيين وأشباه الرجال ومن المواقف. وهي مزيج من فكر وتدبّر وعاطفة ومشاعر، وانكسارات ونجاحات وثقة وخذلان وتهذيب نفس وتسامح وتفاصيل كثيرة لهذا الانسان الذي أُجزم بأنه من القلّة المتبقيّة من الاشخاص ذوي السموّ النفسي والأخلاقي.
وفي ختام الأمسية تم تكريم المشاركين في الفعالية عرفانا لما قدموه في ذلك المساء الذي كان يعبق بالجمال غير العادي وكان مسك الختام.