عالمية الرواية العربية.. حديثٌ ذو شجون

رغم بروز أسماء مثل نجيب محفوظ وجوخة الحارثي وأحمد سعداوي، الرواية العربية لم تبلغ العالمية بشكل فعلي إلا من خلال اعتراف غربي محدود غالبا من باب الفضول الثقافي أو الرؤية الاستشراقية وليس بفعل تأثيرها الفني في الرواية الغربية.

كُتب الكثير عن موضوعة تحقّق صفة العالمية للرواية العربية، ولا يخلو الأمر، بالدرجة الأساس، من أنّ موضوعة تحقّق تلك العالمية مرتبطةٌ بالاعتراف الغربي بالرواية العربية. وأوّل ما يقفز إلى ذهن المتصدي لهذه الموضوعة هو أنه يجب توافد وقائع على الأرضية الثقافية العالمية، تثبت أنّ الرواية العربية باتت مثار جذب دور النشر الأوروبية، وتتعاقد مع مترجمين ضليعين باللغة العربية، لأجل ترجمة أهم الروايات الحديثة في العالم العربي، وما هو واضح أنّ ذلك الاستقطاب الغربي غير حاصل، إلى الدرجة التي يُشار إليها بوضوح، في المحفلين الغربي والعربي. إذاً هو حديث ذو شجون لا ينفكُّ أن يثار دائماً.

محفوظ النوبلي بلزاك العرب

محفوظ
رُحّب به عالمياً في الغالب بصفته بلزاك العرب، أو زولا العرب

هناك واقعة فوز الروائي المصري نجيب محفوظ بجائزة نوبل للآداب عام 1988 ، ومعنى ذلك مرور نحو أربعة عقود، ولم تحصل سوى خروقات قليلةٍ لحدود الاعتراف الغربي بالرواية العربية، ليست بالضرورة نوبلية، بل على مستوياتٍ مقاربة، تحدث استقطاباً جديداً للروايات العربية الحديثة، كما حدث في الأصداء الكبيرة لفوز محفوظ، حيث تُرجمت غالبية أعماله إلى لغاتٍ متعددةٍ، وليس حصراً بالأوروبية. وعلى الرغم من ذلك، يجب النظر؛ كيف كانت رؤية الغربيين للرواية المحفوظية. ويمكن الاستشهاد بما كتبه الناقد اللبناني عبده وازن لاستشراف تلك الرؤية ومفادها" أنّ نجيب محفوظ عندما أقبل المترجمون الغربيون على نقل رواياته إلى لغاتهم، رُحّب به عالمياً في الغالب بصفته بلزاك العرب، أو زولا العرب، ما يعني أنّه أُدرج في ذاكرة القرن التاسع عشر أوروبياً. ومعظم من رحّب به في الغرب هم المستشرقون، مع قلّةٍ من النقاد أو الروائيين العالميين".

هل هذا يعني أنّ روايات العرب في القرن العشرين، محفوظ مثالاً، تُعدُّ بمرتبة روايات الغرب في القرن التاسع عشر؟ إن كان الأمر كذلك، فهذا يقلّل من شأن التطور الذي حصل في الرواية العربية. وبعبارةٍ أخرى، أنّ محفوظ، لم يترك أثراً في الروائيين الغربيين الشباب، إذا كان يوصف هناك ببلزاك العرب، أو زولا العرب، في ظل التقنيات السردية المتقدمة للرواية الغربية الآن.

وهنا نتوصل إلى أنّ اعتراف الغربيين بالرواية العربية يجب أن يكون معادله الموضوعي تأثّرهم بأساليب روائيةٍ عربيةٍ جديدةٍ لافتةٍ للنظر، وغير مطروقةٍ عندهم، وهذا ربما لم يحصل واقعاً.

فرانكشتاين أحمد سعداوي

 أحمد سعداوي
فوز مدوّي بجائزة البوكر العالمية

كما لا نستطيع أن نستبعد أنّ الاعتراف بعالمية الرواية العربية قد يقترن، أو ربما نقول يتجدّد، بمدى تزايد فرص فوز العرب بجوائز عالمية، فتسليط الصحافة الغربية على فرص الفوز باستمرار، ربما يزيد فضول القارئ الغربي، المعيار الحقيقي لعالمية الرواية العربية، وليس المعيار اهتمام ثلّةٍ من النقاد والاكاديميين والروائيين. وهنا يشار، من ضمن فرص الفوز، إلى الروائية العمانية جوخة الحارثي، الحائزة على جائزة "جائزة مان بوكر الدولية" البريطانية المرموقة، عام 2019، عن روايتها "سيدات القمر"، والتي تتحدث فيها عن مرحلةٍ مهمةٍ من تاريخ سلطنة عُمان. وهذه هي المرة الأولى التي يفوز فيها كاتبٌ أو كاتبةٌ عربية بهذه الجائزة. عراقياً، نذكر الفوز المدوّي للروائي أحمد سعداوي بجائزة البوكر العالمية للرواية العربية عام 2014، عن روايته " فرانكشتاين في بغداد"، وتتناول يوميات الإرهاب الدامي في العراق، كما فوزه، عن الرواية ذاتها، بجائزة GPI الفرنسية عام 2017، عن فئة الروايات المترجمة إلى الفرنسية. وصدرت الرواية في 14 طبعة، وتُرجمت إلى 32 لغة.

عالمية الطيب صالح

الطيب صالح
'استبق بعقدٍ من الزمان كتاب 'الاستشراق' لإدوارد سعيد'

 لكنّ الأمر المفارق في شأن الجوائز، أنّ هناك مثلاً ساطعاً، على حيازة الاهتمام الكبير بالرواية العربية في الغرب من دون الفوز بجائزة، ونقصد هنا رواية" موسم الهجرة للشمال" لمؤلفها السوداني الطيب صالح، على الرغم من أنّها تُرجمت إلى لغاتٍ عديدة. فقد شكلت هذه الرواية" لدى العديد من الباحثين والنقاد الأوروبيين مدخلاً لدراسة آثار الاستعمار على الصعيدين الاجتماعي والثقافي التي ما زالت تربط بين البلدان الأوروبية وشعوب مُستعمراتها رغم الاستقلال السياسي لتلك البلدان المُستعمرة". وهذا باختصار، يعني الاهتمام الشديد للغرب الثقافي، بالنظرة المشرقية لهم. ووصل الأمر إلى القول في الغرب، بأنّ الطيب صالح لم يفز بجائزة نوبل، وكان مرشحاً لها بسبب الرؤى الانتقامية للرجل الشرقي للنساء الأوروبيات، في الرواية المذكورة، ففاز بها محفوظ.

إذن، مثلما تبوّأ محفوظ العالمية بجائزته النوبلية، حققها صالح ومعيار عالميته، يتمثّل بما قيل عنه في الغرب، حيث يؤكد الناقد الألماني لودفيغ أمان بأن صالح "استبق بعقدٍ من الزمان كتاب "الاستشراق" لإدوارد سعيد، فإدوارد سعيد لم يرَ في الاستشراق سوى تحقير الشرق غافلاً عن تمجيد المستشرقين للشرق ومتجاهلاً حركة الاستغراب، الاستشراق معكوساً".

نظرةٌ استعلائية

عبده وازن
نظرة استعلائيّة ترجمها أحد الباحثين الذين استجوبهم عبده وازن

وتسود لدى القراء الغربيين، وحتى باحثيهم، بأنّ كلّ ما هو أدبٍ غير غربي، هو يُعدُّ وثيقةً اجتماعيةً سياسيةً عن أحوال المشرق، هنا نظرةٌ إلى اجتماعية الأدب وليس أدبيّته أي لغته ومبناه. وهي قد تعدّ نظرةً استعلائيّة، في حين يكافح روائيون عرب إلى السعي بأن يكونوا أنداداً لنظرائهم الغربيين.

أحد الباحثين الذين استجوبهم عبده وازن في تحقيقٍ له عن عالمية الرواية العربية، أفاد أنّ هناك رواياتٍ عربيةً على مستوى عالمي، ولكن البقية من روايات العرب ذات مستوى محلي، وهذا يشمل الكثير من مناطق العالم، الكثير من الإنتاج المتواضع والقليل من الإنتاج المتميز. أما عن موضوعة تأثير الرواية العربية في النتاج الروائي الغربي، يقول الباحث ذاته وهو مستشرق ومترجم ألماني ويدعى هارتموت فاندريتش، بأنّه من الصعوبة بمكان البحث في تأثير الرواية العربية في المنتج الغربي، ولكن المسألة عامّةً تكمن في أصالة الرواية في موقعها الجغرافي، مع قدرتها على تجاوز محليّتها إلى أبعادٍ كونية، وهذا يشابه ما نقوله هنا بأن" المحلية الطريق إلى العالمية" .

حبٌّ من طرفٍ واحد

الناقد السعودي عبدالله الغذامي
الناقد السعودي يرى ان صورة الرواية العربي في التلقي الغربي 'غير باعثةٍ على البهجة'

الناقد السعودي عبدالله الغذامي يرى في التحقيق المذكور بأنّ صورة الرواية العربي في التلقي الغربي "غير باعثةٍ على البهجة"، وهذا الأمر ينطبق على الروايات المكتوبة بلغاتٍ صينيةٍ وهندية، ففي الغرب الأولوية للروايات المكتوبة بلغاتهم الأصلية، حتى وإن كانت تلك الروايات لقادمين إلى الغرب، ولكنّهم يكتبون بلغاتٍ أوروبيةٍ غير لغات بلدانهم التي قدموا منها، ويضرب الغذامي على ذلك مثالين هما: أمين معلوف والطاهر بن جلون، فلديهما هناك في الغرب مكانةٌ إبداعيةٌ كبيرة. وهذا الأمر من الخطورة بمكان، أنّهم لا يستهوون الروايات الأجنبية المترجمة إلى لغاتهم، مهما كان منشأ تلك الروايات. وفي المقابل، هنا في الشرق يهتّمون أشدّ الاهتمام بأن تكون رواياتهم مترجمةً إلى الانكليزية والفرنسية، اللغتين الأوليين في العالم، وهناك غير متحمّسين لذلك، حتى عّد الروائي والناقد المغربي عبد الفتاح كيليطو تلك المفارقة بأنّها "حبٌّ من طرفٍ واحد".

بالمحصّلة، هناك أعمالٌ عربيةٌ وصلت إلى العالمية، عبر ترجمتها إلى لغاتٍ عديدة، لكن أن يقال هناك تأثّرٌ غربيٌّ بالرواية العربية، تنعدم، غالباً، مصداقية هذا القول. النظرة البارومترية لاشتداد الجذب إلى الرواية العربية، مرتبطةٌ بالأحداث السياسية، فما قبل سبتمبر/ايلول 2001 ، كان هناك جهلٌ بالعالم العربي من قبل الإنسان الأوروبي، لكنّ هذا الزلزال أيقظ الغربيين من سباتهم نوعاً ما، وبالنتيجة، فإنّ الأعمال المُستقدمة من العرب ترجميّاً، ينحصر الاهتمام بها متى كان جوهرها وثائق سرديةً عن الحياة والسياسة والتقاليد الاجتماعية والشؤون الدينية.