وفد حكومي سوري في واشنطن لكسر العزلة وكسب دعم ترامب

الوفد سيشارك في اجتماعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بهدف العمل على رفع العقوبات على سوريا وإنعاش اقتصادها.
زيارة الوفد السوري لواشنطن ينقسم إلى مسارين سياسي واقتصادي
دمشق تطمح لإقامة علاقات طبيعية مع المجتمع الدولي
الوفد سيلتقي ممثلين عن هيئات مالية ودبلوماسية أميركية وأوروبية

واشنطن - يزور وفد وزاري سوري رفيع المستوى الولايات المتحدة للمرة الأولى منذ أكثر من عقدين، للمشاركة في اجتماعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي التي تُعقد في واشنطن هذا الأسبوع. وتأتي هذه الزيارة في إطار جهود حثيثة تبذلها السلطات السورية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع لإنهاء العزلة الدولية المفروضة على سوريا منذ سنوات، والعمل على إعادة دمج البلاد في النظام المالي والسياسي العالمي بعد سقوط نظام الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
ويضم الوفد السوري وزيري الخارجية والمالية، إلى جانب حاكم المصرف المركزي، حيث ينقسم إلى مسارين سياسي واقتصادي.

وقال وزير الاقتصاد والصناعة السوري نضال الشعار إن وزير الخارجية أسعد الشيباني سيتوجه إلى نيويورك، بينما يترأس وزير المالية محمد يسر برنية الشق المالي في واشنطن، يرافقه حاكم مصرف سوريا المركزي عبدالقادر حصرية.
وتحمل الزيارة في طياتها رسالة سياسية واضحة مفادها أن سوريا الجديدة، التي أُعلن عن قيادتها الانتقالية في يناير/كانون الاول الماضي برئاسة أحمد الشرع، تتجه نحو إعادة التموضع دبلوماسيًا، وتطمح لإقامة علاقات طبيعية مع المجتمع الدولي، لا سيما مع الولايات المتحدة التي لا تزال تفرض عقوبات على البلاد بموجب "قانون قيصر" رغم التوجه الحالي نحو تخفيفها تدريجيا مع الالتزام بشروط ابرزها مكافحة الإرهاب وتعزيز التعددية السياسية وتشريك الأقليات وكذلك منع عودة النفوذ الايراني لدعم وكلائها في المنطقة عبر الاراضي السورية.
ويأتي هذا التحرك بعد زيارة غير مسبوقة لوفد من الكونغرس الأميركي إلى دمشق قبل يومين، ضم النائبين الجمهوريين كوري ميلز ومارلين ستوتزمان، ما اعتُبر تمهيدًا لتسوية محتملة أو على الأقل إعادة نظر أميركية في سياسة العزل تجاه سوريا، خصوصًا في ظل إدارة الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب، المعروف بميله إلى النهج البراغماتي في السياسة الخارجية.
وبحسب مصادر دبلوماسية مطلعة في واشنطن، فإن اللقاءات التي سيجريها الوفد السوري خلال الاجتماعات المالية لا تقتصر على الطابع الفني، بل تشمل لقاءات تنسيقية مع ممثلين عن هيئات مالية ودبلوماسية أميركية وأوروبية، إضافة إلى مسؤولين في البنك الدولي وصندوق النقد.
وتسعى الحكومة السورية الانتقالية إلى الاستفادة من هذه المناسبة لتقديم خطة اقتصادية متكاملة تهدف إلى إنعاش الاقتصاد المحلي المنهك بفعل سنوات من الحرب والعقوبات، وذلك من خلال الانفتاح على المؤسسات المالية الدولية وإعادة تفعيل القنوات الرسمية للدعم والتمويل.
وفي هذا السياق، عقدت دمشق مؤخرًا اجتماعًا أوليًا مع وفد من البنك الدولي، بحضور وزارات أساسية، تم خلاله بحث سبل تخفيف تأثير العقوبات وتيسير التحويلات المالية وتوجيه الدعم نحو القطاعات الإنتاجية، ضمن خطة وطنية شاملة للتعافي الاقتصادي.
وأكد الجانبان على أهمية إعداد خريطة طريق اقتصادية مشتركة، تتضمن خطوات تنفيذية لإعادة بناء البنية التحتية، وضمان الاستقرار النقدي والمالي، تمهيدًا لاجتماع موسع من المقرر عقده في أبريل، يُتوقع أن يُطلق خلاله أولى برامج الدعم الدولي لسوريا الجديدة.
وقد شدد الشرع كان في تصريحات سابقة على أهمية فتح قنوات تواصل مباشر مع إدارة ترامب، معتبرًا أن التفاهم مع الولايات المتحدة يمثل "مفتاحًا حقيقيًا لإنهاء العزلة الدولية، وكسر طوق العقوبات، وبدء صفحة جديدة من العلاقات المتوازنة".
وأكد أن سوريا الجديدة "لا تعادي أحدًا، وتسعى إلى بناء علاقات تحترم السيادة وتخدم مصالح الشعب السوري"، مشيرًا إلى أن التعاون مع واشنطن لا يُفهم على أنه انحياز سياسي، بل خطوة عقلانية لإعادة تموضع سوريا ضمن المشهد الإقليمي والدولي.
من جهتها، عبّرت الجالية السورية الأميركية عن ترحيبها الكبير بخطوة إصدار التأشيرات للوفد السوري من قبل وزارة الخارجية الأميركية، واعتبرتها "بادرة إيجابية" من إدارة ترامب تجاه سوريا الجديدة، قد تمهد لتعاون أكبر في المستقبل.
وأشار بيان صادر عن اتحاد رجال الأعمال السوريين الأميركيين إلى أن "اللقاءات المرتقبة في واشنطن تشكل فرصة تاريخية لبناء تفاهمات اقتصادية وتنموية حقيقية"، داعيًا إلى "إعطاء الأولوية لدعم الشعب السوري وتسهيل عملية إعادة الإعمار".
وتعكس زيارة الوفد السوري إلى واشنطن تحوّلًا جوهريًا في السياسة الخارجية السورية، التي باتت تعتمد على الانفتاح التدريجي، وتغليب المسارات الاقتصادية والدبلوماسية على الخطاب التصادمي الذي طبع الحقبة السابقة.
ويُتوقع أن تشكل هذه الخطوة بداية سلسلة من اللقاءات الإقليمية والدولية، خاصة مع الاتحاد الأوروبي ودول الجوار العربي، بهدف إعادة إدماج سوريا في المنظومة السياسية والاقتصادية العالمية.
وفي حال نجحت هذه الجهود في كسر الجمود القائم، فإن سوريا قد تكون على أعتاب مرحلة جديدة عنوانها التعافي التدريجي والانفتاح المتوازن، بعد أكثر من عقد من العزلة والنزاع.