ضغوط واشنطن تعزز التقارب بين الصين وإيران

زيارة وزير الخارجية الإيراني المرتقبة للصين تأتي في ظل سياق دولي معقد خاصة مع عودة الحرب التجارية بين واشنطن وبكين ومواصلة سياسة 'الضغوط القصوى' الأميركية على طهران لإرغامها على تقديم تنازلات في ملفها النووي.
الصين عززت حضورها الاقتصادي داخل إيران رغم العقوبات الأميركية
إيران تمثل نقطة ارتكاز مهمة في مشروع الحزام والطريق الصيني

بكين - وسط تصاعد الضغوط الأميركية على كل من إيران والصين، يتجه البلدان نحو تعزيز تقاربهما الاستراتيجي بشكل متسارع، في محاولة لمواجهة ما تعتبره بكين وطهران "سياسات عدائية" تنتهجها واشنطن على جبهات متعددة. وفي هذا السياق، أعلنت الخارجية الصينية الثلاثاء أن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي سيزور بكين هذا الأسبوع لإجراء محادثات "معمقة"، في توقيت دقيق يتزامن مع الجولة الجديدة من المحادثات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة بشأن البرنامج النووي.
ويأتي هذا التحرك في ظل سياق دولي معقد، إذ تعود الحرب التجارية الأميركية ضد الصين إلى الواجهة مع فرض واشنطن رسوماً جمركية جديدة على واردات صينية، إلى جانب مواصلة سياسة "الضغوط القصوى" على طهران لإرغامها على تقديم تنازلات في ملفها النووي.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية غوو جياكون في مؤتمر صحفي إن "الطرفين سيجريان مباحثات معمقة حول العلاقات الثنائية، فضلاً عن القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك"، مضيفاً أن الصين "تولي أهمية كبرى لهذه الزيارة"، وتعتبرها خطوة لتشجيع التعاون في مجالات متعددة والحفاظ على التعددية.

الصين تولي أهمية كبرى لهذه الزيارة

ويعتقد أن الصين تستخدم هذا النوع من اللقاءات لإعادة تأكيد التزامها بتحالفات خارج دائرة النفوذ الأميركي، في وقت تسعى فيه واشنطن إلى تطويق نفوذ بكين، ليس فقط في المحيط الهادئ، وإنما على الساحة العالمية، من خلال الضغط على حلفاء وشركاء اقتصاديين كبار مثل إيران وروسيا.
والعلاقات بين إيران والصين ليست جديدة، بل تعود إلى عقود مضت، وبلغت مستويات جديدة من التقارب منذ انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي في عام 2018، ما أدى إلى إعادة فرض عقوبات صارمة على طهران. ورداً على ذلك، سعت السلطات الايرانية إلى تعزيز علاقاتها الاقتصادية والدبلوماسية مع شركائها غير الغربيين، وفي مقدمتهم الصين.
وتوّج هذا المسار بتوقيع اتفاقية استراتيجية شاملة لمدة 25 عاماً في عام 2021، تشمل مجالات الطاقة، والبنية التحتية، والاتصالات، والأمن، في وقت كانت فيه طهران تعاني من عزلة اقتصادية خانقة نتيجة العقوبات الأميركية.
ولم تقتصر العلاقات على الجانب الاقتصادي فحسب، بل شملت تنسيقاً أمنياً وعسكرياً تمثل في مناورات بحرية مشتركة ضمت أيضاً روسيا، في رسالة واضحة برزت فيها ملامح تكتل مضاد للنفوذ الغربي.
ومنذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، حافظت الصين على موقف ثابت نسبياً، دعت فيه إلى ضرورة الالتزام بالاتفاق، منتقدة انسحاب واشنطن، لكنها في الوقت نفسه، عززت حضورها الاقتصادي داخل إيران. ويُقدّر أن نحو 92 في المائة من صادرات النفط الإيراني تتجه اليوم إلى الصين، مع حسومات كبيرة، في التفاف مباشر على العقوبات الأميركية.
كما دعمت شركات صينية طهران في الالتفاف على بعض العقوبات، من خلال توفير تكنولوجيا واتصالات وشبكات مالية غير خاضعة للرقابة الغربية، وهو ما أدى إلى تصعيد التوترات بين بكين وواشنطن وفرض عقوبات مشددة على تلك الشركات.
ومع دخول إدارة ترامب مرحلة جديدة من الضغط النووي على إيران، بما في ذلك التهديد بتحرك عسكري في حال فشل المفاوضات، يبدو أن بكين تنظر إلى الشراكة مع طهران بوصفها ورقة ضغط استراتيجية، سواء في إطار مواجهة العقوبات أو في سياق المناورات الدبلوماسية المرتبطة بمفاوضات فيينا ومحادثات عمان.
وبالنسبة للصين، فإن إيران تمثل نقطة ارتكاز مهمة في مشروع "الحزام والطريق"، الذي يهدف إلى تعزيز الربط التجاري واللوجستي بين آسيا وأوروبا. كما أن احتياطيات إيران من الطاقة وموقعها الجغرافي يجعلانها شريكاً لا يمكن تجاهله في لعبة التوازنات الدولية.
وفي المقابل، ترى إيران في الصين شريكاً اقتصادياً وسياسياً يوفر لها متنفساً استراتيجياً في وجه العقوبات الأميركية، وهو ما يجعل العلاقة بين الطرفين تتجاوز مجرد التبادل التجاري لتأخذ طابعاً تحالفياً أوسع.
وفي ظل تصلب المواقف الأميركية، سواء تجاه البرنامج النووي الإيراني أو التصعيد التجاري مع الصين، يبدو أن إدارة البيت الأبيض تدفع عن غير قصد نحو تقارب أوسع بين خصومها. ومع كل ضغطة جديدة على طهران أو بكين، تزداد فرص الشراكة بينهما رسوخاً، ما يُبقي واشنطن أمام تحدي إدارة خصوماتها المتزامنة على جبهات متعددة.
وقد لا يكون من المبالغة القول إن التقارب الإيراني–الصيني، في ظل هذا المناخ من الضغوط، لم يعد خياراً سياسياً بل ضرورة استراتيجية لكلا البلدين.