الرسام فرانك بوكسر يتوغل داخل المغرب المظلم

الترجمة العربية لكتاب الفنان السويسري تكشف عن بُعد إثنوغرافي بصري ونصيّ نادر في أدب الرحلات، يوثّق فيه رحلته من طنجة إلى فاس عام 1858 بأسلوبٍ حرّ متعدد اللغات والانفعالات.

تضيف الترجمةُ العربيّة لكتاب "التوغل داخل المغرب المظلم/يوميات رحلة فنان سويسري 1858م"، للرسّام السويسري فرانك بوكسر، بعدًا اثنوغرافيّاً وثقافيًّا لم نتعرّف عليه بعدُ في عالمنا العربيّ، وهو تجربةُ الرحّالة السويسريّين إلى المغرب.

ويتيح الكتاب للقارئ أن يتتبّع رحلةَ هذا الفنّان إلى فاس انطلاقاً من طنجة، مصوِّرًا ملامحَ من المشهد الثقافيّ والاثنوغرافيّ للمغرب، وموثِّقاً تجاربه وتفاعلاته مع الثّقافة المغربيّة.

وتكمن أهمية ترجمة هذا الكتاب، التي أنجزها عن اللغة الألمانية الدكتور رضـوان ضـاوي، فيما حررها سليمان المعمري، في أنه يقدم لدارسي الأدب المقارن والدّراسات الثقافيّة والاثنوغرافيّة وأدب الرحلات، نصًّا اثنوغرافياً سويسريا مكتوباً باللغة الألمانية في أصله، حيث يمكن القول إنّ القارئ العربيّ كان يكتفي بقراءة النصوص السويسرية المكتوبة باللغة الفرنسية أو المترجمة عنها فحسب.

ويبيّن مترجم الكتاب، وقد أصدرته "مؤسسة بيت الزبير"، في مسقط ـ سلطنة عُمان، عن دار الآن ناشرون وموزعون، في عمّان، أهميّة التجربة الاستشراقية السويسرية، فإضافة إلى أنها تجربة سياق ثقافي وسياسي وجغرافي غير معنيّ بالأطماع الاستعمارية في دول الشرق والمغرب، فهي متنوّعة ما بين تجارب الكتابات الاثنوغرافية والاستكشافية والرحليّة، والتوثيق البصري من خلال أعمال رسّامين ينتمون إلى مدرسة الاستشراق الفنّي، والتجربة النسويّة (الأديبة السويسرية غريته آور (1871-1940) في مجال الرحلة. وقد تميّز عمل فرانك بوكسر عن المغرب -في حالة نادرة- بالجمع بين التوثيق النّصي والتوثيق البصري للثقافة المغربية في منتصف القرن التاسع عشر.

وبحسب المترجم فقد "تميّز الكتاب بأسلوب بوكسر المعقدّ والمتحرر من قواعد اللغة، ومن الالتزام بلغة واحدة، ما جعل ترجمة هذا الكتاب محنة ترجمية حقيقية لأي مترجم. وقد زاد من صعوبة ترجمة النص الأسلوب المباشر في نصّه، إذ استعمل لغات الشخصيات الحقيقية التي يلتقي بها، فكتب عبارات بالمغربية وبالفرنسية والعربية والإنكليزية والإسبانية والألمانية السويسرية، إضافة إلى لهجات محلية لبعض المناطق، كما أكثر من الاستعانة بالاقتباسات من هذه اللغات، إضافة إلى أنه يذكر الأشخاص بأسمائهم الحقيقية، مما يضفي واقعيّة على وجودهم، والأمر نفسه بالنسبة للأماكن. ولكن كتابته لأسماء العلم وللأسماء الجغرافية عرف فوضى واضحة، بسبب عدم إتقانه للغة العربية واعتماده على السماع فقط".

الجزء الأول من الكتاب جاء تحت عنوان "من غرناطة إلى طنجة"، ونقرأ منه الآتي:

"غرناطة/ أبريل 1858

حسنًا، جيّد، يا ولدي، هكذا أنت في وضع أفضل! فقط ثبِّت الركبة جيّدًا في السرج، ولا تجرّ اللجام بإحكام، هناك في الأمام يوجد خندق، اُترك العنان لرأس الحصان تمامًا كما جمعته الآن. ركاب محفّزة للحصان، ثم الانطلاق! هيا، ممتاز حيواني العزيز!- بالمناسبة، ما الذي تحتاج إليه، صديقي العزيز، حين تترك حصانك وحده هكذا في اتجاه آخر؟ طبعًا هذا لا يؤثر في شيء، ويمكن أن يواجهه كل شخص، وإذا لم تُكسر سوى بعض الضلوع يكون هذا أفضل مجدّدًا، ويعلمك في المستقبل. كما قلنا، من الأفضل وضع الركبة في السرج".

وجاء الجزء الثاني تحت عنوان "فــاس"، ونقرأ منه الآتي:

"29 أغسطس

هذا الصباح، تقريبًا حوالي الظهر، بلغت فاس في حرارة مرتفعة، وقد حرقتني الشمس فأصبحت بني اللون مثل العربي الأسود. إن الشيء الأكثر تنويرًا الذي لم أرَ مثله منذ فترة من الزمن، كان باب المحروق. أو ما أسميه باللغة الألمانية بوّابة المئة رأس. فعلى القوس الجداري قُطِعَ عدد لا يحصى من رؤوس الزنوج الذين يشبهون في لونهم لون الغراب، كما قُطِعتْ رؤوس حتى الأطفال ذوي البشرة البيضاء والكثير من الأيادي من المرفقين، والتي خُوزِقَتْ هناك، ربما بهدف الترفيه عن عمّال البناء وقت الفراغ.

لم أدخل عبر هذه البوّابة، وربّما سأعود إليها مرّة أخرى، وإنما دخلتُ من باب الكــيسة إلى فاس العتيقة، أو فاس البالي الساحرة.

تتراصّ ثلاث بوابات عربية عالية للغاية. تحت الباب الثاني فيما يشبه فناءً يوجد قائد البوّابة، محاطًا بكَتَبَتِه وجنوده. كان يراقب كل القادمين بعينيه الحادّتيْن، وبكل تأكيد لا يسمح لأي كلب نصراني بالدخول إلى مدينته المقدّسة، مكّة المغربية".