هشام الجباري يعري زواج الإكراه في 'ما زال الحال'
تدور أحداث الشريط التلفزيوني "ما زال الحال" للمخرج هشام الجباري في مدينة مولاي إدريس زرهون، وتحكي عن قصة "ناصر الله"، الشاب الطموح الذي يُضطر مُجبرًا إلى امتهان مهنة “كاتب عمومي” والزواج من "خيرة"، الفتاة التي كانت تطمح إلى ارتداء زي ممرضة وتقديم المساعدة للمرضى.
الشريط من تأليف السيناريست مريم الدريسي، وبطولة كل من فاطمة الزهراء جوهري، هند السعديدي، سكينة درابيل، محمود بلحسن، وعبد الفتاح الغرباوي.
يبرز فيلم "ما زال الحال" كشريط درامي مغربي يتناول قضايا اجتماعية حساسة بأسلوب يمزج بين النقد والنوستالجيا، إذ يركز السيناريو على فكرة الزواج كقرار يتطلب نضجًا واختيارًا حرًا، وينتقد تدخل الآباء الذين يدفعون أبناءهم غير الناضجين إلى الزواج. ويُظهر الشاب المهووس بألعاب الفيديو، "ناصر"، كمثال حي لشخص غير مستعد لتحمل مسؤولية الحياة الزوجية، مما يضع زوجته "خيرة" في موقف ظالم يُفاقم معاناتها.
وتركز حبكة الشريط التلفزيوني على قضية استغلال المرأة العاملة، من خلال تزويج شاب عاطل بموظفة للاعتماد على دخلها، بينما ينتقد هذا الطرح النظرة التقليدية التي تُحَمِّل المرأة مسؤوليات مالية ليست من واجبها. كما يُبرز عدم التكافؤ في الأدوار الزوجية، وتطرح المشاهد بين "ناصر" و"خيرة" هذا الظلم كجزء من صراع اجتماعي أوسع، عندما تتصادم التقاليد مع متطلبات الحياة الحديثة، فيَخلُق توترًا دراميًا داخل المجتمع المغربي.
ويبني المخرج الدراما العائلية بأسلوب مغربي أصيل، مستلهمًا من تراث مدينة مولاي إدريس زرهون، كما يبرز اختيار الملابس التقليدية مثل الجلباب والقفطان، والديكور المغربي كـ"الزليج" والأثاث التقليدي، كعناصر تعزز الهوية الثقافية. وتستحضر هذه العناصر ذكريات الأيام التقليدية عندما كانت الأسر تحتضن الزوجة الجديدة، غير أن الفيلم ينتقد هذه العادات عندما تتحول إلى ضغوط تؤدي إلى قرارات خاطئة.
ويستخدم المخرج تقنية الفلاش باك في الافتتاحية لرواية كيف بدأ الزواج بين "ناصر" و"خيرة" وكيف انتهى قبل ستة أشهر. ويساعد هذا الأسلوب التقليدي على بناء التوتر الدرامي وإثارة فضول المشاهد حول تطور الأحداث، وينجح الفلاش باك في تقديم خلفية واضحة عن دوافع الشخصيات، ويجعل تجربة المشاهدة منسجمة، رغم بساطة التقنية مقارنة بالأساليب الحديثة.
ويستحق أداء الممثلين الإشادة، إذ قدمت سكينة درابيل في دور "خيرة" أداءً متميزًا، جسّدت فيه شخصية الزوجة المغربية العفيفة الخدومة المحبة لزوجها، وطموح الفتاة المغربية وصراعها بين أحلامها المهنية والواقع الاجتماعي. كذلك كان أداء عبد الفتاح الغرباوي في تجسيد "ناصر الله" مقنعًا كشخصية الشاب غير الناضج والمولوع بألعاب الفيديو، والغير مبالٍ بفكرة الزواج أساسًا.
غير أن المشهد الختامي يبقى نقطة سوداء في العمل، حيث بدا مبالغًا فيه ومستنسخًا من الأفلام الهندية بلا شك: فلَحاق "ناصر" بـ"خيرة" على دراجة نارية ثلاثية العجلات لإيقاف الحافلة الصغيرة المتجهة إلى تاونات، وإعلانه حبه لها في منتصف الطريق، هو مشهد مبتذل ومكرر شاهدناه في ملايين الأفلام الهندية. وهذا الاختيار لم ينسجم مع الطابع المغربي الأصيل الذي ميز باقي أحداث المسلسل، إذ بدا مفروضًا وغير منسجم مع التيمة المحلية، رغم أن طريقة تناوله كانت مقبولة إلى حد ما. وكان من الأجدر اختيار ختام يُبرِز بساطة وواقعية الحياة المغربية.
ويبرز اختيار مولاي إدريس زرهون كموقع للتصوير كقرار موفق يُضيف طابعًا ثقافيًا قويًا، إذ تظهر أسواق المدينة ومعالمها التقليدية كإطار يبين مزيجًا من التاريخ والحياة اليومية. ويساهم هذا الاختيار في جعل الفيلم مرآة للواقع المغربي المفقود، حيث تتجاور التقاليد مع التحديات الحديثة.
وينجح السيناريو في الانتقال من الإطار العام إلى القصة الخاصة؛ فيبدأ بتصوير الضغوط الاجتماعية والتقاليد، ثم يركز على معاناة الشاب وزوجته. ويجعل هذا الانتقال القضايا الاجتماعية ملموسة من خلال تجربة شخصية تُثير تعاطف المشاهد. ويُبرز الفيلم تأثير القرارات العائلية على الأفراد، خاصة النساء، في سياق مغربي معاصر. وتلخص حبكة الفيلم أن الزواج يحتاج إلى نضج واختيار حر، وأن أي تدخل غير مدروس يؤدي إلى ظلم الأطراف المعنية.
هشام الجباري هو مخرج وكاتب سيناريو ومنتج مغربي، اشتهر بإخراج العديد من الأفلام والمسلسلات التي لاقت نجاحًا كبيرًا. من أبرز أعماله السينمائية: "الزبير وجلول"، "ظلال الموت"، "الذئاب لا تنام"، "دموع إبليس"، "خفة الرجل"، "آلو ابتسام"، و"قلبي بغاه". كما قدم مجموعة من المسلسلات الناجحة مثل: "دار الورثة"، "عش البنات"، "البخيل والمسرف"، "ناس وناس"، "بنت الناس"، "فالصالون"، "الوريث الوحيد"، "أنا ومنى ومنير"، "مومو عينيا"، "فرصة العمر"، "نهار مبروك"، "الماضي لا يموت"، "دابا تزيان"، "زهر الباتول"، "سلمات أبو البنات" بأجزائه المتعددة، "قهوة نص نص"، و"بين لقصور". كما أبدع في المسرح من خلال أعمال مثل: "الدق والسكات"، "درهم الحلال"، "ميعادنا العشا"، "سعد البنات"، "دير مزية"، "طالب راغب"، و"ضربنا التران".
حصل الجباري على عدة جوائز تقديرًا لموهبته، منها جائزة الشاشة الذهبية في مهرجان الشاشات السوداء بياوندي بالكاميرون عن فيلم "دموع إبليس"، وجائزتا أفضل إخراج وأفضل فيلم درامي عن "الذئاب لا تنام" في مهرجان مكناس، بالإضافة إلى جائزة أفضل فيلم درامي لنفس العمل في مهرجان القاهرة.