هوية قوات سوريا الجديدة تثير أسئلة حول الولاءات

خبير في الشأن السوري يعتبر أن وزارة الدفاع السورية لا تعمل كمؤسسة رسمية مركزية بقدر ما تُشبه غرفة عمليات تهيمن عليها هيئة تحرير الشام.

دمشق - تطرح الاشتباكات الدامية في سوريا مع الدروز بعد العلويين، تساؤلات حول هوية المقاتلين الذين يشكلون نواة قوات الأمن الجديدة، ومدى قدرة السلطة الانتقالية على ضبطهم أثناء سعيها لبسط سيطرتها على كامل الجغرافيا السورية.

بعد نحو شهرين من إطاحة حكم بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول، أعلنت السلطة الجديدة بقيادة الشرع حلّ الجيش والأجهزة الأمنية القائمة في العهد السابق.

وقررت كذلك حلّ كافة الفصائل المسلحة، بما فيها هيئة تحرير الشام، الفصيل الذي تزعمه الشرع في إدلب (شمال غرب)، وقاد الهجوم الأخير الذي أطاح الأسد.

ولاحقا، ضمّت السلطات الفصائل التي وافقت على حلّ نفسها إلى وزارة الدفاع، كما فتحت باب التطوّع لصالح جهاز الأمن العام، وذلك في إطار مساعيها لتشكيل جيش وقوى أمن جديدة.

وانضوت ضمن وزارة الدفاع فصائل من درعا (جنوبا) وأخرى ترعاها أنقرة في شمال البلاد، إضافة الى فصائل إسلامية بينها "جيش الإسلام" الذي شكلت الغوطة الشرقية لدمشق معقله حتى انسحابه منها عام 2018.

واحتفظت تلك الفصائل بسلاحها وأبقت على انتشارها في مقراتها الخاصة، وتتولى وحدات منها حراسة مقرات كانت تتبع للجيش السابق.

ورغم ذلك، ظلت لهيئة تحرير الشام والفصائل الإسلامية المتحالفة معها اليد الطولى في الأمن، خصوصا في معقلها في إدلب ومركز السلطة في دمشق.

وكانت هيئة تحرير الشام تعرف باسم "جبهة النصرة" قبل فكّ ارتباطها عام 2016 بتنظيم القاعدة، لكنها ما زالت مصنّفة "منظمة إرهابية" من معظم العواصم الغربية.

وفي محيط دمشق، يتواجد عدد من الفصائل التي تعتبر من قوات النخبة، في مقرات عدة، وتؤمن كذلك حماية القصر الرئاسي. وينفّذ الأمن العام دوريات ويقيم حواجز في مناطق عدة بينها دمشق.

ويقول الخبير في الشأن السوري لارس هاوخ "حين وضعت هيئة تحرير الشام يدها على القصر الرئاسي، سارعت إلى تبني لغة الدولة ورموزها في خطوة أكسبتها غطاء من الشرعية دون تكلفة".

لكنه يشير في الوقت ذاته إلى أن "الكيانات التي تحمل مسميات ذات طابع مؤسساتي، على غرار مديرية الأمن العام، تتكون في الواقع من نواة الوحدات القتالية التابعة لهيئة تحرير الشام".

ويعد الأمن العام الذراع العسكرية الأكثر نفوذا للشرع. وفي ما يتعلق بالفصائل التي انضوت بإمرة وزارة الدفاع، يقول هاوخ "على الرغم من اندماجها الاسمي، لا تزال الغالبية منها تدين بالولاء لقادتها الأصليين".

ويرى أن "الوزارة لا تعمل كمؤسسة رسمية مركزية بقدر ما تُشبه غرفة عمليات تهيمن عليها هيئة تحرير الشام".

ومنذ وصولها إلى دمشق، تعهّدت السلطات الجديدة بحماية الطوائف كافة وسط مخاوف لدى الأقليات، في وقت يحثّها المجتمع الدولي على إشراك جميع المكونات في المرحلة الانتقالية ويربط رفع العقوبات بمراقبة أدائها السياسي.

وأكد الشرع مرارا أولوية الحفاظ على الوحدة والسلم الأهلي وبناء دولة جديدة تحفظ الحقوق. لكن الاشتباكات ذات الطابع الطائفي التي أودت في 7 و8 مارس/آذار خصوصا بأكثر من 1700 شخص، غالبيتهم علويون في منطقة الساحل، وتخللتها انتهاكات وقتل على الهوية الطائفية، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، أثارت تنديدا على نطاق واسع.

على مقاتلي الفصائل أن يغيّروا هندامهم وأن يتصرفوا كجنود في جيش وطني

ووثق المسلحون أنفسهم عبر مقاطع فيديو قتلهم أشخاصا بلباس مدني عبر إطلاق الرصاص من مسافة قريبة، بعد توجيه الشتائم وضربهم.

وفي المواجهات الأخيرة ضد مسلحين دروز والتي اسفرت عن مقتل نحو مئة مقاتل من الطرفين بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، وثق مقاتلون تابعون للسلطة مقاطع فيديو، وهم يطلقون هتافات طائفية ويهينون موقوفين دروز.

ووفق هاوخ فإن "أكثر الانتهاكات فظاعة يرتكبها عدد صغير من المتطرفين، لكنهم نافذون"، على وقع انتشار التوترات الطائفية على نطاق وساع في البلاد.

ويقول الخبير العسكري رياض قهوجي "على مقاتلي الفصائل أن يغيّروا هندامهم وأن يتصرفوا كجنود في جيش وطني". ويتعين على السلطات في المقابل أن "تسرّع آلية تأهيل المقاتلين السابقين ودمجهم، وأن تجنّد عناصر جدد من كافة المكونات السورية، لبناء الثقة في الداخل والخارج".

ويضيف "يجب أن تتمحور عقيدة الجيش حول الحفاظ على الدولة المدنية والدفاع عن أهلها ومكوناتها كافة".

وكانت السلطات اتهمت مسلحين موالين للرئيس المخلوع بشار الأسد بإشعال أعمال العنف في الساحل السوري، عبر شنّ هجمات دامية على عناصرها. وقالت إن "مجموعات خارجة عن القانون" أشعلت الاشتباكات في منطقتي جرمانا وصحنايا في ريف دمشق عبر استهداف عناصرها.

وتواجه السلطة الانتقالية تحديات أمنية كبيرة تحول دون بسط نفوذها على كامل التراب السوري، بالنظر الى وجود مجموعات مسلحة متعددة الولاءات ومناطق لا تحظى فيها بحاضنة شعبية.

وفي شمال شرق سوريا، يشكل وجود المقاتلين الأكراد تحديا للسلطة الانتقالية رغم توقيعهم اتفاقا يقضي بدمج مؤسسات الإدارة الذاتية الكردية في إطار الدولة بحلول نهاية العام. لكن الأكراد يطالبون بنظام لامركزي، يرفضه الشرع، ويودون الحفاظ على قوتهم العسكرية المدربة جيدا والتي تضم نساء.

وفي السويداء جنوبا، معقل دروز سوريا، أكدت المرجعيات الدينية والفصائل الدرزية الخميس أنها "جزء لا يتجزأ" من الدولة السورية، وترفض "الانسلاخ عنها". ودعت الدولة إلى تفعيل وجودها، إنما عبر عناصر من أبناء المحافظة حصرا.

وكان مئات المقاتلين انضموا إلى الأمن العام ووزارة الدفاع قبل الاشتباكات الأخيرة. ويرى هاوخ أن سيطرة الشرع "لا تزال محدودة نسبيا" خارج دمشق وإدلب. ويعتبر أن "الغموض جراء عدم تحقيق الاندماج الكامل بين الفصائل المسلحة يتيح له استخدام القوة لفرض سيطرته".

كما يمكّنه ذلك الاستمرار في تقديم نفسه على أنه "الشخصية الوحيدة القادرة على احتواء المتطرفين والقادة الخارجين عن السيطرة وسواهم من المسلحين".