مهرجان صيد تقليدي يغوص بالقطريين في عمق الموروث البحري

المشاركون يستخدمون سنارات يدوية بسيطة لصيد الأسماك، ويمضون أياما متواصلة على متن قوارب الدّهو الخشبية التقليدية.

الدوحة - عُرضت أمام جموع من المتفرجين ثلاث أسماك ضخمة تبدو حراشفها لامعة تحت أشعة الشمس في وقت الظهيرة، في ختام فعاليات مهرجان الصيد التقليدي "سنيار" أو "رحلة البحر" لهذا العام على شاطئ الدوحة في العاصمة القطرية.

كانت سمكتا الهامور المميزتان ببقعهما البنية، وسمكة الكنعد الفضية، وتزن كل واحدة منها نحو عشرة كيلوغرامات، هي الأكبر التي تم اصطيادها خلال المسابقة التي اختُتمت الجمعة بنسختها الثالثة عشرة.

وفي تقليد ضارب في الجذور، يستخدم المشاركون سنارات يدوية بسيطة لصيد الأسماك، ويمضون أياما متواصلة على متن قوارب الدّهو الخشبية التقليدية والتي كانت خلال القرون الماضية تبحر في رحلات تجارية من شرق أفريقيا حتى سواحل الخليج.

وتحدث المتسابق محمد الهيل، وهو ضابط بحري قطري، لوكالة فرانس برس عن "شعور رائع" لديه، وذلك إثر عودته من رحلة بحرية استمرت أربعة أيام ليلتقي أصحابه وعائلته في حي كتارا الثقافي في الدوحة على ضفاف الشاطئ.

وأشار إلى أن الحشد "كان الداعم الأول لنا"، وكان إلى جواره أطفال يرتدون الثوب الأبيض التقليدي ويحاولون مُقارنة طولهم بطول الأسماك المعروضة، متابعا "بمجرد أن انتهينا… رأينا أصدقاءنا هنا وهناك".

وتُمنح جوائز لأصحاب أكبر الأسماك، لكن الجائزة الأهم تُمنح بناء على عدد الأسماك وجودتها وتنوّعها، وفق نظام نقاط يُعلي من قيمة الهامور والكنعد على الأنواع المحلية الأخرى.

وكان العمل في عرض البحر، وخصوصا الغطس لاستخراج اللؤلؤ إلى جانب الصيد، المصدر الرئيسي لدخل القطريين حتى ظهور اللآلئ الصناعية التي غمرت السوق في عشرينيات القرن العشرين، ثم انطلاق استكشاف النفط وعمليات الحفر في ثلاثينيات القرن نفسه وأربعينياته.

احتل الهيل وزميله محمد المهندي المركز الثامن في المنافسة. وقال المهندي "أشعر أنني بحالة جيدة، لكنني لست سعيدا جدا بنتيجتي، لأنني كنت آمل أن أحقق المركز الأول"، مضيفا "لكن إن شاء الله، في المسابقة المقبلة… سنحقق نتيجة جيدة".

مهرجان

قبل أربعة أيام من المسابقة، تفرقت قوارب نحو اثني عشر فريقا عبر مياه الخليج على بعد نحو خمسة كيلومترات من الرمال الصحراوية جنوب العاصمة القطرية.

على متن القارب "لوسيل" شرح يوسف المطوع، الذي شارك مع فريقه المكوّن من 12 شخصا في المنافسة للسنة الثانية على التوالي، أن السنارات تُرمى لاستغلال هدوء الرياح في منتصف النهار، قائلا إنه "عندما تهدأ الرياح، تظهر الأسماك الكبيرة".

وعن علاقته مع البحر، أوضح المطوع (55 عاما) الذي يشغل منصب مدير عمليات لمدينة لوسيل أن والده كان تاجرا على قارب دهو صغير حتى أربعينيات القرن الماضي.

وتابع المطوع "كان والدي يعمل في الشحن بين قطر والكويت، وكان يأتي ببعض الطعام من هناك ويحضره إلى هنا"، غير أن القارب تحطم في عاصفة قوية، فاضطر والده للعمل في قطاع النفط الناشئ في قطر.

وأشار إلى أهمية الحفاظ على هذه التقاليد عبر المهرجان، قائلا "الآن نرى تلك الحياة المختلفة… قبل مئة عام، كيف كانوا يأكلون، وكيف كان ذلك صعبا عليهم"، لافتا إلى أن أبناءه شاركوا في السنوات السابقة، ويأمل أن يشاركوا مجددا.

ومن جهته، أتى علي الملا من دبي في دولة الإمارات للانضمام إلى فريق "لوسيل" للعام الثاني. وقال الشاب البالغ 35 عاما "جئت إلى هنا للمشاركة في صيد السمك التقليدي المحلي. أعتقد أن هذا ممتع لنا. من الجميل أن نكون مع الأصدقاء. إنها صحبة طيبة".

وأضاف "من الجيد أيضا أن تكون الأجيال الشابة على دراية بما كان يفعله أجدادنا في ذلك الوقت"، موضحا أن لعائلته جذورا عميقة في عالم البحار، قائلا "ورثنا ذلك من والدنا، وقبله جدي، وهكذا. كان جدي يغوص بحثا عن اللؤلؤ".

وأوضح المتسابق أنه شارك في مسابقات صيد رياضية في الخليج، بعضها بتقنيات حديثة، وبعضها الآخر، مثل "سنيار"، تقليدي. وختم بالقول إن "الفوز جميل، لكننا هنا للاستمتاع".