ضربات نوعية في بورتسودان تكشف تحول تكتيكات الدعم السريع
الخرطوم - لليوم الثالث على التوالي، استهدفت ضربات جوية بطائرات مسيّرة مدينة بورتسودان، التي تُعد المعقل الرئيسي للحكومة السودانية المؤقتة ومقراً لقيادة الجيش. وفي تصعيد خطير، قالت مصادر عسكرية وأمنية إن الهجمات التي وقعت صباح الثلاثاء طالت مطار المدينة المدني وقاعدة عسكرية رئيسية، في مؤشر على قدرة قوات الدعم السريع، رغم خسائرها، على تهديد مواقع استراتيجية بعيدة عن خطوط التماس التقليدية فيما وصفت بأنها تكتيكات عسكرية جديدة تعتمد بالأساس على المسيرات.
وتأتي هذه التطورات بعد أن تبنت قوات الدعم السريع، بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي"، استخدام تكتيكات جديدة لتعويض خسائرها الميدانية، لا سيما بعد أن فقدت السيطرة على معظم أنحاء العاصمة الخرطوم والمناطق المحيطة بها. ويُنظر إلى استهداف بورتسودان – التي لجأت إليها الحكومة المؤقتة ووكالات أممية ومئات الآلاف من النازحين – كرسالة سياسية وعسكرية مفادها أنها لا تزال تتمتع بالقدرة على تنفيذ عمليات نوعية مؤثرة، حتى في عمق مناطق سيطرة الجيش.
ويعكس استخدام المسيرات التي بات أداة حربية رئيسية في يد قوات حميدتي توجهاً جديداً نحو حرب استنزاف طويلة، تقوم على الضربات الدقيقة والمباغتة، دون الحاجة إلى التمركز والسيطرة الأرضية.
وبحسب مسؤولين في مطار بورتسودان، فإن إحدى المسيرات "استهدفت الجزء المدني من المطار"، مما أثار حالة من الذعر في أوساط السكان. وأكد مصدر في الجيش أن ضربة أخرى استهدفت القاعدة العسكرية الرئيسية وسط المدينة، بينما أفاد شهود عيان بسقوط طائرة مسيرة داخل حرم أحد الفنادق القريبة من مقر إقامة رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان.
وشهدت المدينة انفجارات قوية في الساعات الأولى من صباح الثلاثاء، مع تصاعد أعمدة الدخان من اتجاه الميناء ومستودعات وقود تقع جنوبي المدينة، حيث اشتعلت حرائق منذ مساء الاثنين بفعل هجمات مماثلة.
كما استُهدف "مستودع بالقرب من الجزء الجنوبي من الميناء"، بحسب ما أكده مصدر أمني، ما يعزز فرضية أن الهجمات كانت ممنهجة وتستهدف تعطيل البنية التحتية للمدينة وتعكير صفو الاستقرار النسبي الذي كانت تتمتع به.
ومؤخرا خسرت قوات الدعم السريع مواقع استراتيجية عدة، أبرزها في العاصمة الخرطوم ومدينة أم درمان، بعد أن كانت قد سيطرت على مساحات واسعة في الأسابيع الأولى للحرب. وبفقدانها هذه المواقع، انتقلت القوة شبه العسكرية إلى تكتيكات حروب الظل، مستفيدة من ترسانة جديدة من الطائرات المسيّرة التي يُعتقد أنها حصلت عليها مؤخراً، وربما بمساعدة أطراف خارجية.
وكان حميدتي قد توعد، عقب انسحاب قواته من مواقع رئيسية في الخرطوم، بأن الرد سيكون "قاسياً ومؤلماً"، وهو ما يبدو أنه يضع موضع التنفيذ الآن من خلال استهداف بورتسودان التي طالما اعتُبرت بمنأى عن لهيب الحرب.
ويؤشر استخدام الطائرات المسيّرة – وهي سلاح غير تقليدي في السياق السوداني – إلى مرحلة جديدة من الحرب، حيث باتت المسافة الجغرافية بين الجبهات لا تشكل عائقاً أمام تنفيذ عمليات هجومية دقيقة. ويرى محللون أن هذا التطور قد يعيد خلط الأوراق ميدانياً ويجبر الجيش على إعادة النظر في توزيع قواته وتمركزها.
ومن جانبه، يبدو أن البرهان، قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة، لا يزال متمسكاً بخيار الحسم العسكري رغم الواقع المتغير على الأرض. إلا أن التطورات الأخيرة تشير إلى أن هذا الخيار بات بعيد المنال، مع استمرار الدعم السريع في تنفيذ عمليات مباغتة ومؤثرة.
ويواجه قائد الجيش ضغوطاً داخلية وخارجية متزايدة للتوجه نحو تسوية سياسية، في وقت تُجمع فيه منظمات دولية على أن الحرب السودانية أصبحت "عبثية" بكل ما تحمله الكلمة من معنى، خصوصاً مع تعاظم الكلفة الإنسانية وانعدام أي أفق واقعي للنصر العسكري.
وتدفع الحرب السودانية المستمرة منذ أكثر من عام البلاد نحو كارثة إنسانية غير مسبوقة. وبحسب تقديرات الأمم المتحدة، فقد أسفر النزاع عن مقتل عشرات الآلاف وتشريد أكثر من 13 مليون شخص داخل وخارج البلاد. وبدأت مناطق واسعة، خصوصاً في إقليم دارفور وغرب كردفان، تشهد مستويات مقلقة من انعدام الأمن الغذائي، وسط تعطل تام للزراعة وتوقف المساعدات الإنسانية.
وفي ظل عجز الحكومة المؤقتة وضعف السيطرة الميدانية، يجد المدنيون أنفسهم مرة أخرى ضحايا لصراع على السلطة بين جنرالات عسكريين، دون أفق واضح للخروج من الأزمة.