راشد عيسى يلامس النفس البشرية بـ'الزر والعروة'

الكاتب يتأمل في مجموعته القصصية تناقضات الروح والجسد.

عمان - تتجول المجموعة القصصية "الزر والعروة" للكاتب والشاعر راشد عيسى في عدد من الموضوعات التي تلامس النفس البشرية وأفكارها كاشفة عن عمق في الطرح يتأسس على التناقضات التي يعيشها الإنسان بين ما يرغب به في الحقيقة وما يمارسه في العلن، فتبرز مواضيع كالحب، والارتباط، والأمومة، ومرور الزمن والتأمل في تبدل الأحوال..

وتضمن الكتاب الصادر حديثا عن "الآن ناشرون وموزعون" عشرة فضاءات هي: "نزوات الروح وغزوات الجسد، ضدّيات، أسئلة فاشلة لإجابات ناجحة، فانتازيا، لدائد الحرمان، أكاذيب صادقة، تدوير الناس، حب وحروب، حشرات محترمة، أخلاق نباتية"، وتندرج تحت كل فضاء منها جملة من القصص التي تنوعت في الطول، فمنها ما لا تتجاوز ربع صفحة، ومنها الأطول التي جاءت بحدود صفحة واحدة، واتسمت القصص القصيرة بالتكثيف والاتجاه نحو الرمز وفتح باب التأويل للمتلقي ليستشف المعنى الكامن وراء جدلية الأحداث والشخصيات والزمن والحبكة، ومن ذلك قصته "هل تُحبّينَني؟؟": "حاولتُ عبر ثلاث سنوات أن أُؤكّد لها حبّي بطُرق مختلفة، فكانت تردُّ عليّ بأنها تصدّق ذلك وتفرح به. لكنها لا تبادر بأي إيماءة حب. أمس انتابتني موجةُ كبرياء عالية. فسألتها لأتخذ قراري الحاسم: هل تحبّينني؟ ابْتسَمَتْ بشفتها السُّفْلى فقط، وقالت: سأحبّكَ عندما تحتاج السمكةُ لأنْ تتعلمَ السباحة. قلت لها: حسنًا، لكِ ذلك.. قلتُ لقلبي: لن أتدخل بشؤونك.. لكنْ تذكّرْ أنّ الزنبقة التي تعيش في الماء تحتقر المطر!!".

وبنيت بعض تلك الأقاصيص على الحوارات العميقة التي تتلاعب بالمعنى وتقوم على المباغتة في السؤال وفي الرد، ومن ذلك قصة "شتيمة": "التبس عليها الأمر وأنا أمشي بين أصحابي. فَشَتَمَتْني شتيمة لو سمعها الزجاج لتكسّر. بلعتُ ريقي. بَلَعْتُني. قلت لها بهدوء فراشة وقفتْ على زهرة:

حقًا، أنا أستحقّ شتيمتك لأنني لا أُحْسِن الإساءة لمن يُسيء إليّ.

ردّتْ بغرور: مَنْ لا يُحْسِن الشتْم لا يحسن الأدب.

انعقد لساني. تجاسرتُ وقلت: ليتني تلميذ في مدرسة شجاعتك...

 تدانت مني وجهًا لوجْه وقالت وهي تَمَيَّزُ من الغيظ:

شتمْتُك لأنك تجاهَلْتَني. أنت الوحيد الذي أسمح له أن يُعجَب بي ويغازلني.

تضاعف انعقاد لساني. تلاشيْتُ، وها أنا أفتش عني كي لا أجدَني".

تنوعت شخصيات القصص بين الواقعية والتاريخية التي يستدعيها راشد عيسى ضمن سياق عصري لدلالة على معنى وجودي عميق في الحياة، كأن يحتفل كل أبطال قصص الحب بالفلانتاين، فيحضر روميو وجوليت وامرؤ القيس وليلى.. أو يلتقي امرؤ القيس بفتاة بدوية تمنحه قطرات ماء في الصحراء، غير أنه يخسر تعاطفها حين تظن به إساءة الأدب: "غفا امرؤ القيس بعد تعب شديد، دفن رأسه في الوسادة المحشوّة بريش النعام، سمع صوتَه المكتوم وهو ينادي على شابة بدوية راكبة فوق جمل في الصحراء ساعة القيظ المحموم: شَربةَ ماء. شربةَ ماء.

أوقفت الشابة جَمَلَها، حذفتْ عليه كيسًا جلْديًّا فيه ماء، فشرب. حين أعاد لها الكيس قال:لك الشكران يا بنتَ الأكارم.

لاحظت من هيئته أنه مهَنْدمٌ مُنعَّم فقالت: ما الذي رمى بك في هذا القيظ أيها الغريب؟ إنْ شئْتَ أخذْتُكَ معي إلى مكان أنيس تتدبر فيه أمرك. شكرها مرة أخرى ووافق. أردَفَتْه خلفها بعد أن نوَّخت البعير بصعوبة. نهض البعير، فكاد امرؤ القيس يقع لولا أن أحاط جذْعَها بذراعيْه بتلقائية بريئة. أسرع الجمل في المشي. أدارت وجهها نحوَ الغريب وَزَجَرَتْهُ: تأدّبْ أيها الغريب. تضاعفتْ سرعة الجمل إلى أن تساقط الغريب عن ظهر الجمل وتطاير ريش النعام من الوسادة".

تأتي هذه المجموعة كما لو أنها محطات يتأمل فيها الكاتب والشاعر راشد عيسى في تجارب الحياة، وبخاصة تلك التي تتعلق بالعلاقات الإنسانية على اختلافها، وهو تأمل عميق جاء بلغة رمزية وأحداث غير مباشرة ولغة حمالة للوجوه تدفع القارئ للتأمل والتفكر والتفاعل كل حسب تجربته وخبرته.

يذكر أن راشد عيسى أستاذ الأدب والنقد الحديث في عدة جامعات عربية، وهو شاعر أصدر 15 مجموعة شعرية منها "امرأة فوق حدود المعقول"، "ما أقل حبيبتي"، و"عليه أوقع"، "حفيد الجن"، "حتى لو"، "جبرياء"، "ريشة صقر"، "زهرنامة"، "المتنافي" وغيرها.

أصدر أربعة عشر كتابا في نقد الشعر من مثل قصيدة المراة في المملكة العربية السعودية، الخطاب الصوفي في الشعر المعاصر، استدعاء الطفولة في الأدب، الوئام الديني في الأدب، عالمية التناص في الأدب المقارن، ميزوكولوجيا القصيدة، شعرية المرأة في العالم، فن الومضة الأدبية.

عمل مدرسا للعربية في جميع مراحل التعليم من الروضة إلى الدراسات الجامعية العليا. أصدر مجموعة كتب فكرية وإعلامية مثل مهارات الاتصال بالعربية، تراجيديا الحب والزواج، أقنعة الجسد والحواس، خصوصية المرأة.

وعيسى إعلامي قدم للإذاعة والتلفزيون مجموعة من البرامج. وترأس تحرير مجلة مدارج الثقافية، ومجلة وسام للأطفال. وهو باحث أكاديمي مشارك في مؤتمرات الثقافة العربية، ومؤتمرات مجامع اللغة العربية. له منجز كبير في مجال أدب الأطفال، لاسيما الأناشيد والقصص والروايات مثل روايات اليافعين، واحدة تكفي، لم اكن اتوقع، سلومين. وقدم ما يزيد على مئة أغنية للأطفال.

وهو خبير مناهج اللغة العربية لمنظمة الايليسكو. تدرس العشرات من قصائده في مناهج عدد من الدول العربية. وهو عضو لجان تحكيم الجوائز والمسابقات الأدبية. نال مجموعة من التكريمات كفوزه بجائزة الدولة التقديرية في الأدب، وجائزة الشارقة للشعر العربي، وجائزة مهرجان أغنية الطفل العربي. وهو عضو رابطة الكتاب الأردنيين. وجمعية النقاد الأردنيين.