وقف القتال مع الحوثيين لم يكن تنازلاً أميركياً بل نتيجة نكسات حوثية

السلطات الايرانية لعبت دورا كبيرا في تشجيع الحوثيين على الحوار وذلك لإنجاح المفاوضات النووية مع واشنطن.
المخابرات الاميركية لعبت دورا في عقد الاتفاق بعد رصد سعي الجماعة لمخرج
الحوثيون روجوا طويلا لانتصارات وهمية في مواجهة الجيش الأميركي

واشنطن - كشف أربعة مسؤولين أميركيين أن المفاوضات التي جرت مؤخراً بين الولايات المتحدة وجماعة الحوثي، والتي أفضت إلى اتفاق مفاجئ لوقف إطلاق النار، جاءت في أعقاب مؤشرات رصدتها الاستخبارات الأميركية تفيد بأن الجماعة تسعى إلى مخرج بعد تكبدها خسائر متزايدة جراء الضربات الجوية التي استمرت سبعة أسابيع متواصلة في رد على ادعاء الجماعة المدعومة من طهران بانها حققت انتصارات فرضت على واشنطن وقف اطلاق النار.
وأشار المسؤولون إلى أن هذه المبادرة نحو التهدئة لم تكن نتيجة قوة حوثية كما تزعم الجماعة، بل جاءت انعكاساً لوضع ميداني متأزم دفعها للبحث عن تسوية تحفظ ماء الوجه، بعد أن وجدت نفسها تحت ضغط عسكري كثيف. ويؤكد ذلك أن مزاعم الحوثيين بتحقيق "نصر" على الجيش الأميركي لا تعدو كونها محاولة دعائية للتغطية على نكسات ميدانية فرضت عليهم تغييراً في سلوكهم التفاوض
وقال اثنان من المسؤولين إن قادة الحوثيين بدأوا التواصل مع حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط في وقت ما خلال عطلة نهاية الأسبوع الأولى من شهر مايو/أيار.
وقال أحد المصادر تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته لسرده مناقشات داخلية بشأن المعلومات المخابراتية التي لم تنشر من قبل "بدأنا نتلقى معلومات مخابراتية تفيد بأن الحوثيين لم يعد بإمكانهم التحمل أكثر من ذلك".
وتوضح مقابلات مع مسؤولين أميركيين حاليين وسابقين ومصادر دبلوماسية وخبراء آخرين كيف أن حملة كانت القيادة المركزية للجيش الأميركي تتصور في السابق أنها قد تمتد لمعظم أوقات العام الجاري توقفت فجأة في السادس من مايو أيار بعد 52 يوما، مما سمح للرئيس دونالد ترامب بإعلان الانتصار قبل توجهه إلى الشرق الأوسط هذا الأسبوع.
ومنذ نوفمبر/تشرين الثاني 2023، عطل الحوثيون حركة التجارة بشن مئات الهجمات بالطائرات المسيرة والصواريخ على سفن في البحر الأحمر، زاعمين أنهم يستهدفون سفنا مرتبطة بإسرائيل تضامنا مع الفلسطينيين خلال حرب غزة.
وأفاد مصدران بأن إيران لعبت دورا مهمًا في تشجيع الحوثيين المتحالفين معها على التفاوض، وذلك في الوقت الذي تمضي فيه طهران في محادثاتها الخاصة مع الولايات المتحدة بشأن برنامجها النووي الرامية إلى إنهاء العقوبات الأميركية التي تقوضها والحيلولة دون تنفيذ ضربة عسكرية من الولايات المتحدة أو إسرائيل.
لكن الإعلان الفعلي لاتفاق وقف إطلاق النار أبرز مدى سرعة إدارة ترامب في التحرك بناء على المعلومات المخابراتية الأولية للتوصل إلى ما كان يبدو في مارس آذار أمرا غير وارد على المدى القصير بالنسبة لكثير من الخبراء، وهو إعلان الحوثيين توقفهم عن ضرب السفن الأمريكية. وقال مسؤول إسرائيلي ومصدر مطلع إن نهج الرئيس غير التقليدي كان من شأنه تجاوز إسرائيل الحليف الوثيق للولايات المتحدة التي لا يشملها الاتفاق والتي لم يتم حتى إبلاغها مسبقا.
ولم يكن الحوثيون وحدهم الذين يشعرون بالضغط. فحملة القصف كانت مكلفة أيضا للولايات المتحدة التي استهلكت ذخائر وخسرت طائرتين وعددا من الطائرات المسيرة.
وقال أحد المسؤولين إن وزير الدفاع بيت هيغسيث بعد أن تلقى المعلومات بشأن الحوثيين في أوائل مايو/أيار، بادر بعقد سلسلة من الاجتماعات في البيت الأبيض صباح الاثنين، وخلص إلى وجود فرصة سانحة مع المقاتلين المتحالفين مع إيران.
وقال مسؤولان أميركيان إن مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، الذي كان يقود بالفعل المفاوضات الأميركية بشأن البرنامج النووي الإيراني، كان يعمل من خلال وسطاء عمانيين وأجرى محادثات غير مباشرة مع كبير مفاوضي الحوثيين والمتحدث باسمهم محمد عبد السلام.
وقال أحد المسؤولين أن عبدالسلام كان بدوره على اتصال بزعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي مؤكدا أنه تم التوصل إلى اتفاق إطاري في وقت لاحق من يوم الاثنين.
وبحلول يوم الثلاثاء السادس من مايو/أيار، كان ترامب مستعدا لإعلان الاتفاق، معلنا استسلام الحوثيين. وقال لصحفيين "قالوا من فضلكم توقفوا عن قصفنا مجددا ولن نهاجم سفنكم".
وعند سؤاله قال عبدالسلام إن الجماعة كانت تتواصل عبر سلطنة عمان فقط، ووافقت على وقف إطلاق النار لأن رد الحوثيين على الولايات المتحدة كان موقفا دفاعيا مضيفا "إذا أوقفوا عدوانهم سنوقف ردنا"، رافضا الإدلاء بمزيد من التصريحات.
وكان كل طرف يرى فائدة من إبرام اتفاق. فبالنسبة للحوثيين، قال مسؤولون وخبراء أميركيون إن الاتفاق وفر مخرجا لهم يمكنهم من إعادة بناء صفوفهم وتخفيف الضغط الذي كان سيعرضهم على مدى شهور أو سنوات لخطر استراتيجي. وأفاد أحد المصادر بأن حلفاء واشنطن في المنطقة أرادوا أيضا الانسحاب.
وقال مصدر مطلع "حدث ذلك لأنه إذا تعرض الحوثيون لمزيد من الضغط، فسيكون ردهم بإطلاق النار على السعوديين أو الإماراتيين".
وفي بداية الحملة الأميركية في 15 مارس/آذار، كان الحوثي يتبنى نبرة تحد، إ قال في خطاب نقله التلفزيون إن مقاتليه سيستهدفون السفن الأمريكية في البحر الأحمر ما دامت الولايات المتحدة مستمرة في هجماتها على اليمن.

شدة الضربات الاميركية جعلت الحوثيين في مازق
شدة الضربات الاميركية جعلت الحوثيين في مازق

وفي ذلك الوقت، بدا أن الولايات المتحدة قد تكون عالقة في مواجهة مكلفة مع جماعة معروفة بقدرتها على الصمود، إذ استنفدت القوات الأمريكية ذخائرها بعد توجيه أكثر من 1100 ضربة. وقال هيغسيث إن الولايات المتحدة لن توقف قصفها إلا بعد موافقة الحوثيين على وقف استهداف السفن والطائرات المسيرة الأميركية.
ومنذ تولي ترامب منصبه، أسقط الحوثيون سبع طائرات أميركية مسيرة من طراز إم.كيو-9 تبلغ قيمة كل منها عشرات الملايين من الدولارات.
وفقدت حاملة الطائرات هاري إس ترومان، التي مدد هيغسيث مهمتها في الشرق الأوسط، طائرتين مقاتلتين إحداهما سقطت من على سطح السفينة بعد أن اضطرت السفينة الضخمة إلى اتخاذ منعطف حاد بسبب هجوم حوثي في المنطقة.
وشكك بعض المحللين في حكمة الاستراتيجية الأميركية. فقد تحمل الحوثيون بالفعل ضربات عنيفة لما يقرب من عقد شنها تحالف عسكري بقيادة السعودية، لكنهم تمكنوا من إعادة بناء صفوفهم إلى الحد الذي مكنهم من تهديد البحرية الأميركية وإسرائيل.
وقال أحد المسؤولين الأميركيين إن نقطة التحول للحوثيين جاءت في 17 أبريل/نيسان عندما استهدفت الولايات المتحدة ميناء رأس عيسى الذي يسيطر عليها الحوثيون على ساحل البحر الأحمر.
وكانت هذه الضربة الأكثر دموية على الإطلاق، إذ أعلنت وزارة الصحة التابعة للحوثيين مقتل 74 شخصا. ولا يعلق البنتاغون على أعداد محددة للقتلى في أي من الضربات.
وقال المسؤول وهو يصف الجهود المبذولة للضغط على الجماعة اقتصاديا "أضر ذلك بقدرتهم على تنفيذ العمليات وتوليد الإيرادات".
وعندما طلب من آنا كيلي نائبة المتحدثة باسم للبيت الأبيض التعليق، قالت إن وقف إطلاق النار الذي أعلنه ترامب "صفقة جيدة أخرى لأميركا ولأمننا".
وأضافت "كان الهدف منذ البداية ضمان حرية الملاحة، وتحقق ذلك من خلال استعادة قدرات الردع الأميركية".
وقال المتحدث باسم البنتاغون كريس ديفاين  إن الحملة العسكرية الأميركية نجحت في إضعاف قدرات الحوثيين و"مهدت الطريق للرئيس للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار".
وجاءت حملة ترامب لإضعاف الحوثيين بعد محاولات فاشلة لردع الجماعة والنيل منها خلال إدارة بايدن.
وأضاف المسؤول أن القيادة المركزية للجيش الأميركي أوصت بحملة تستمر ثمانية أشهر على الأقل، تتضمن تحولا تدريجيا نحو ضربات أكثر استهدافا من الضربات الأوسع التي تم تنفيذها في الأسابيع القليلة الأولى.
ويقول مسؤولون إن تكلفة عمليات القصف تخطت المليار دولار، وأسفرت عن مقتل عدد كبير من مقاتلي الحوثيين من المستوى المتوسط الذين كانوا يدربون قوات من المستوى الأدنى، بالإضافة إلى تدمير الكثير من منشآت القيادة وأنظمة الدفاع الجوي ومنشآت تصنيع وتخزين الأسلحة. كما دمرت أيضا مخزونات من الصواريخ الباليستية المضادة للسفن وصواريخ كروز وطائرات مسيرة وسفنا مسيرة.
لكن الضربات لم تقطع خطوط إمداد الحوثيين أو تنهك القيادة العليا، وحذر ثلاثة خبراء من أن الجماعة قد تتعافى بسرعة.
كما تظهر هجمات الجماعة المستمرة على إسرائيل أنها تحتفظ بقدرات كبيرة على الرغم من الحملة الأمريكية. واستمرت هذه الهجمات بعد إعلان وقف إطلاق النار في السادس من مايو أيار.
كما يحذر مسؤولون أميركيون ومصادر أخرى من أنه من غير الواضح إلى متى سيصمد وقف إطلاق النار، وما إذا كان الحوثيون سيظلون يعدون الولايات المتحدة وإسرائيل تهديدين منفصلين، لاسيما مع رد إسرائيل على اليمن.
وقال مصدر مطلع "وكلاء إيران لا يفرقون بين ما هو إسرائيلي وما هو أميركي".
وأضاف "وجهة نظرهم هي أن أي شيء تفعله إسرائيل يكون بتمكين من الولايات المتحدة. لذا أعتقد أن الحوثيين سيرون أنفسهم من يحاول محاسبة الولايات المتحدة".