دمشق تشرع أبواب العدالة الانتقالية بتشكيل هيئتين للمفقودين والمساءلة

أهمية المرسومين الرئاسيين تكمن في كونهما يضعان إطارا مؤسساتيا وقانونيا لبدء عملية معقدة وشائكة تهدف إلى محاسبة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة.

دمشق - أعلنت السلطات السورية السبت تشكيل هيئتين للعدالة الانتقالية والمفقودين، سعيا لمعالجة ملفين من الأكثر تعقيدا في المرحلة الانتقالية عقب إطاحة حكم بشار الأسد.

ورغم جسامة المهمة وتشابك خيوطها، يحمل المرسومان الرئاسيان دلالة قوية على إرادة السلطة الجديدة في المضي قدما نحو تحقيق عدالة شاملة وكشف الحقائق التي أدمت قلوب السوريين على مدى عقد ونيف.

تكمن الأهمية الجوهرية لهذين المرسومين في كونهما يضعان إطارا مؤسساتيا وقانونيا لبدء عملية معقدة وشائكة تهدف إلى محاسبة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة.

هذا الإطار يعتبر بمثابة حجر الزاوية لتحقيق مصالحة وطنية حقيقية وبناء مستقبل مستقر لسوريا يقوم على أسس العدل وسيادة القانون. فالاعتراف الرسمي بحجم الانتهاكات ووضع آليات للمساءلة وجبر الضرر يمثل خطوة ضرورية لطي صفحة الماضي وضمان عدم تكرار المآسي.

وتعهدت السلطة الجديدة المضي نحو عدالة انتقالية شاملة وإنشاء هيئة خاصة، ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة خلال سنوات النزاع الذي اندلع عام 2011، وضمان عدم تكرار الانتهاكات، وسط دعوات من المجتمع الدولي لتطبيق العدالة الانتقالية بعد 14 عاما من نزاع مدمّر.

ومنذ إطاحة الأسد الذي تُتهم أجهزته الأمنية بارتكاب عمليات تعذيب وقتل وإخفاء قسري داخل السجون، أعلنت السلطات إلقاء القبض على عشرات العسكريين والأمنيين السابقين، متهمة إياهم بالتورط في "جرائم حرب".

وأعلنت السلطات تشكيل الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية بعد أكثر من خمسة أشهر على إطاحة حكم الأسد في الثامن من ديسمبر.

وجاء في مرسوم وقعه الرئيس أحمد الشرع، أن الهيئة الجديدة "تعنى بكشف الحقيقة حول الانتهاكات الجسيمة التي تسبب فيها النظام البائد، ومساءلة ومحاسبة المسؤولين عنها بالتنسيق مع الجهات المعنية، وجبر الضرر الواقع على الضحايا، وترسيخ مبادئ عدم التكرار والمصالحة الوطنية".

وعيّن عبدالباسط عبداللطيف رئيسا لهيئة العدالة الانتقالية، بموجب المرسوم الذي كلّفه "بتشكيل فريق العمل ووضع النظام الداخلي خلال مدة لا تتجاوز 30 يوما من تاريخ هذا الاعلان".

وفي مرسوم منفصل، أعلن الشرع تشكيل "الهيئة الوطنية للمفقودين" بهدف كشف مصير "آلاف" من المخفيين قسرا.

ويبقى المصير المجهول لعشرات الآلاف من المعتقلين والمفقودين من الموروثات المروعة للنزاع السوري الذي اندلع عام 2011، وبدأ باحتجاجات سلمية مناهضة للأسد قمعتها السلطات بعنف.

وحفلت الأعوام الماضية بممارسات مثل الاعتقالات التعسفية والعنف والتعذيب في السجون، ضمن ممارسات هدفت الى القضاء على أي شكل من أشكال المعارضة، بحسب منظمات حقوقية.

وأتى تشكيل الهيئة "حرصا على كشف مصير آلاف المفقودين في سوريا وإنصاف ذويهم"، بحسب المرسوم الموقع بتاريخ السبت 17 مايو 2025.

وكلفت الهيئة "بالبحث والكشف عن مصير المفقودين والمختفين قسرا، وتوثيق الحالات، وإنشاء قاعدة بيانات وطنية، وتقديم الدعم القانوني والإنساني لعائلاتهم".

وسيرأس الهيئة محمد رضى خلجي الذي عيّن في مارس عضوا في اللجنة المكلفة صياغة مسودة إعلان دستوري.

وأقر المرسومان تمتع هيئتي المفقودين والعدالة الانتقالية "بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري".

وكان الشرع وقّع في مارس إعلانا دستوريا للمرحلة الانتقالية، يُحدد مدتها بخمس سنوات، على أن يتم "إحداث هيئة لتحقيق العدالة الانتقالية" بهدف "تحديد سبل المساءلة والحق في معرفة الحقيقة وإنصاف الضحايا والناجين" في النزاع المدمّر الذي اندلع عام 2011.

وسبق للعديد من المنظمات الحقوقية وهيئات المجتمع المدني والأطراف الدوليين، التشديد

تأتي هذه المراسيم تتويجا لمطالب منظمات حقوقية وهيئات مجتمع مدني وأطراف دولية، التي سبق أن شددت على أهمية العدالة الانتقالية وكشف مصير المفقودين ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات خلال حكم الأسد الذي امتد زهاء ربع قرن، في التأسيس للمرحلة الجديدة في البلاد.

ورغم أن الطريق نحو تحقيق عدالة انتقالية شاملة وكشف مصير جميع المفقودين في سوريا لا يزال محفوفًا بالتحديات والتعقيدات، فإن صدور هذين المرسومين يمثل خطوة أولى ذات أهمية بالغة. فيما يبقى التحدي الأكبر في ترجمة هذه النصوص القانونية إلى واقع ملموس، وضمان توفير الدعم السياسي والمادي اللازم للهيئتين لتمكينهما من أداء مهامهما بكفاءة وشفافية، وبما يحقق تطلعات الشعب السوري في محاسبة الجناة وإنصاف الضحايا وبناء مستقبل أكثر عدلاً وإنسانية.

وأطاحت فصائل معارضة تقودها هيئة تحرير الشام حكم الأسد في الثامن من ديسمبر، إثر هجوم بدأته من معقلها في شمال غرب سوريا.