فرنسا تنتقل من المراقبة إلى المواجهة مع الإخوان المسلمين

جماعة الاخوان تستفيد من القوانين الفرنسية التي تضمن حرية التعبير والتجمع، مما يجعل مواجهتها قانونيا أكثر تعقيدا.
جماعة الإخوان تعتمد على استراتيجية "التغلغل الهادئ"
جماعة الإخوان نجحت في بناء شبكة واسعة في أوروبا
الاخوان سعوا إلى إحداث تغييرات تدريجية في المجتمع الأوروبي

باريس - ترى الحكومة الفرنسية أن جماعة الإخوان المسلمين من خلال تغلغلها الهادئ في المجتمع والمؤسسات، تشكل تهديدا تدريجيا لقيم الجمهورية الفرنسية وعلمانيتها وتسعى لاتخاذ إجراءات لمواجهة هذا التأثير.

وفي المقابل، يدافع البعض عن حق الجمعيات الإسلامية في العمل وفقا للقوانين الفرنسية، ويحذرون من أن الإجراءات الحكومية قد تؤدي إلى تهميش المسلمين وتأجيج مشاعر العداء تجاههم.

ويُعد دور جماعة الإخوان المسلمين في فرنسا موضوعا معقدا ومثيرا للجدل ويشهد اهتماما متزايدا من قبل السلطات الفرنسية.

الوجود والتغلغل

تتواجد جماعة الإخوان المسلمين في فرنسا من خلال شبكة من الجمعيات والمؤسسات، أبرزها "اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا (UOIF) الذي غيّر اسمه لاحقا إلى "مسلمو فرنسا". ويتبع هذا الاتحاد أكثر من 250 جمعية إسلامية في جميع أنحاء فرنسا ويشرف على عدد من المساجد في المدن الكبرى.

وتشير التقارير الرسمية الفرنسية إلى أن الإخوان المسلمين يعتمدون على استراتيجية "التغلغل الهادئ" وغير العنيف، بهدف إحداث تغييرات تدريجية في المجتمع من خلال اختراق المؤسسات العامة والفضاء العام. هذا يشمل التسلل الثقافي والاجتماعي عبر الجمعيات والمراكز الثقافية والدينية.

وتُقدم هذه المنظمات خدمات في أحياء ذات أغلبية مسلمة، خاصة تلك التي تعاني من الفقر، لتلبية احتياجات السكان. ومع توطد هذه المنظومات، يُلاحظ انتشار معايير اجتماعية معينة مثل ارتداء الحجاب وإطلاق اللحية.

وتم تحديد نحو 11 مؤسسة تعليمية إسلامية على الأقل مرتبطة بالجماعة، خمسة منها فقط لديها عقود شراكة مع الدولة. هذه المدارس قد تثير الجدل حول مناهجها ومدى التزامها بقيم العلمانية الفرنسية.

وترى السلطات الفرنسية أن الإخوان المسلمين يمثلون جزءا من الإسلام السياسي الذي يسعى للتأثير على تماسك المجتمع الفرنسي ويهدد القيم العلمانية والمساواة بين الجنسين.

وتتهم دوائر فرنسية الإخوان المسلمين باستخدام السرية والازدواجية في الخطاب للتغلغل في المؤسسات والمجتمع، وسط تحذيرات من أن منظمات تابعة للجماعة قد تتلقى تمويلات خارجية.

وتتخوف السلطات الفرنسية من أن يؤدي تغلغل الإخوان إلى إقامة "مجتمعات موازية" داخل المجتمع الفرنسي، تهدد القيم الجمهورية والتماسك الوطني والنسيج المجتمعي.

وكان تقرير فرنسي قد سلط الضوء على الهيكل التنظيمي السري للجماعة في أوروبا، مع وجود طبقات داخلها ودرجات مختلفة للعضوية.

وانتقلت باريس من مرحلة "المراقبة" إلى "المواجهة" مع جماعة الإخوان المسلمين. ويطالب الرئيس إيمانويل ماكرون الحكومة بتقديم مقترحات للتعامل مع تأثير الجماعة وانتشار "الإسلام السياسي".

واعتمدت الحكومة الفرنسية على تقارير استخباراتية تحذر من أن جماعة الإخوان المسلمين تمثل "تهديدا طويل الأمد للتماسك الوطني الفرنسي"، على الرغم من أن هذا التهديد ليس عنيفًا أو مباشرًا.

وتتضمن المقترحات الحكومية المحتملة حظر الجماعة وإغلاق مساجد يُقال إنها مرتبطة بها وطرد أئمة أجانب "يبشرون بالكراهية".

وأثارت هذه التقارير والإجراءات المقترحة جدلا واسعا في الأوساط المسلمة داخل فرنسا، حيث يرى البعض أنها تخلط بين الإسلام والتطرف وتغذي "الإسلاموفوبيا".

وتستفيد الجماعة من القوانين الفرنسية التي تضمن حرية التعبير والتجمع، مما يجعل مواجهتها قانونيا أكثر تعقيدا.

وأطلقت وزارة الداخلية الفرنسية "منتدى الإسلام في فرنسا" كبديل للمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، بهدف فتح حوار أوسع بين السلطات العامة والعقيدة الإسلامية. ومع ذلك، هناك من يرى أن هذا المنتدى قد يكون قد اخترق من قبل الإخوان المسلمين.

وتنتشر شبكة الإخوان المسلمين في أوروبا بشكل واسع ومعقد وتثير جدلا كبيرا حول طبيعة تأثيراتها. وتعود جذور وجود الإخوان في أوروبا إلى ستينات القرن الماضي، عندما لجأ قادة وأعضاء من الجماعة إلى أوروبا هربا من الملاحقات القضائية والأمنية في بلدانهم الأصلية. وقد نجحوا في بناء شبكات متعددة الأوجه، تهدف إلى نشر أيديولوجيتهم والتأثير في المجتمعات الأوروبية.

أبرز ملامح شبكة الإخوان المسلمين في أوروبا

اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا (FIOE): تأسس عام 1989 ويُعتبر الواجهة الرئيسية للإخوان المسلمين في أوروبا. وقد غيّر اسمه لاحقاً إلى "مجلس المسلمين الأوروبيين" (Council of European Muslims - CEM)  في محاولة لتغيير الصورة النمطية.

المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث (ECFR) أنشأه اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا لتقديم الفتاوى والتوجيهات للمسلمين في أوروبا، ويُعتبر أداة لنشر فكر الإخوان وتأويلاتهم للشريعة.

منظمات الشباب والطلاب: مثل "منتدى المنظمات الشبابية والطلابية المسلمة الأوروبية" (FEMYSO)  الذي يُتهم بأنه هيكل تدريب لمسؤولين من الإخوان المسلمين.

شبكة واسعة من الجمعيات: تعمل الجماعة عبر مئات الجمعيات والمنظمات المحلية في مختلف الدول الأوروبية والتي تبدو مستقلة ظاهريا ولكنها تتبع أجندة الإخوان. وتشمل هذه الجمعيات مساجد ومراكز ثقافية ومؤسسات خيرية ومدارس.

التغلغل والتأثير

وتسعى الجماعة عبر استراتيجية "التغلغل الهادئ" وغير العنيف، إلى التأثير على المجتمعات الأوروبية من خلال اختراق المؤسسات المدنية والفضاء العام، بما في ذلك المؤسسات التعليمية والسياسية.

وتطورت الجماعة لتصبح جماعات ضغط مؤثرة تسعى للتأثير على السياسات الأوروبية الرسمية واكتساب الدعم والتمويل لأنشطتها. وقد اتُهمت مؤخرا بممارسة "أنشطة ضغط كبيرة" على مؤسسات الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك محاولة دفع بروكسل إلى تجريم التجديف والترويج لرؤية "خاصة" للحرية الدينية تتعارض مع النموذج العلماني الصارم في فرنسا.

التصنيف كمنظمة إرهابية أو محظورة

قامت بعض الدول، مثل النمسا، بحظر جماعة الإخوان المسلمين كجزء من قوانين مكافحة الإرهاب، وهناك نقاشات مستمرة في دول أخرى لتصنيفها كمنظمة إرهابية، رغم أن غالبية دول الاتحاد الأوروبي لا تزال مترددة في هذا التصنيف.

وتقوم بعض الحكومات بالتحقيق في أنشطة المنظمات المرتبطة بالإخوان وتدرس خيارات مثل إغلاق المساجد المرتبطة بهم أو طرد أئمة أجانب. وتسعى بعض الدول إلى مراقبة ومنع التمويلات الخارجية التي تتلقاها منظمات الإخوان.

الجدل حول الاندماج والتمثيل

وفي دول مثل فرنسا، يُنظر إلى أيديولوجية الإخوان على أنها تتعارض مع مبادئ العلمانية التي تفصل الدين عن الدولة وتكفل المساواة بين جميع المواطنين. وتثير أنشطة الإخوان نقاشاً وانقساماً داخل الجاليات المسلمة نفسها، حيث يرى البعض أنها لا تمثل جميع المسلمين وقد تساهم في وصمهم.

وتواجه الحكومات الأوروبية تحدياً في الموازنة بين حماية الأمن القومي وقيمها العلمانية، وبين احترام حرية التعبير والتجمع التي تحميها قوانينها.

وباختصار، تشكل شبكة الإخوان المسلمين في أوروبا ظاهرة معقدة ومتعددة الأبعاد، حيث تسعى للتأثير على المجتمعات الأوروبية من خلال التغلغل الهادئ والضغط السياسي، مما يثير مخاوف جدية لدى الحكومات الأوروبية بشأن التماسك الاجتماعي والقيم العلمانية، ويدفعها لاتخاذ إجراءات لمواجهة هذا النفوذ.