في الضربة الأميركية على إيران.. وانعكاساتها
في خطوة عسكرية وصفت بالمفاجئة، وجّهت الولايات المتحدة ضربة مباشرة إلى أهداف إيرانية داخل الأراضي الإيرانية، مُعلنةً بداية مرحلة جديدة من التصعيد في الشرق الأوسط. هذه الضربة، التي وصفتها واشنطن بأنها "ضرورية لحماية الأمن القومي وردع التهديدات الإيرانية"، جاءت في ظل توترات متراكمة وسيناريوهات مواجهة كانت تُرسم منذ سنوات، لكن الضربة هذه المرة كسرت قواعد الاشتباك وأشعلت فتيل أزمة إقليمية كبرى قد تتصاعد في أي لحظة، مُعلنةً بدء المواجهة المنتظرة بعد سنوات من الحرب الباردة ضد الجمهورية الإسلامية.
العراق، بحكم موقعه الجغرافي وعمق علاقاته بكل من إيران وأميركا، وجد نفسه مجددًا ساحةً لصراع الإرادات والنفوذ. فقد تعرّضت المعسكرات والقواعد الأميركية لهجمات انتقامية من فصائل مسلحة مرتبطة بمحور المقاومة، مما زاد الضغط على الحكومة العراقية، التي تحاول التوازن بين الحفاظ على السيادة وتجنب الانجرار إلى حرب ليست طرفا مباشرا فيها. كما أن الشارع العراقي بدوره انقسم بين من يرى أن الرد الإيراني "حق مشروع"، وبين من يخشى أن يدفع الشعب العراقي ثمن حرب لا ناقة له فيها ولا جمل. كذلك عاد الحديث مجددًا عن ضرورة إخراج القوات الأجنبية من البلاد، وهو مطلب يهدد بزعزعة العلاقات بين بغداد وواشنطن ويزيد من تعقيد المشهد السياسي الداخلي.
هناك تداعيات إقليمية لهذه الأحداث في المنطقة، من أبرزها اشتعال الجبهات في لبنان واليمن؛ فحزب الله رفع درجة الاستعداد إلى أقصاها، وقد تكون الجبهة اللبنانية ساحة ردّ محتمل ضد إسرائيل إذا تصاعدت المواجهة مع طهران. وكذلك الجبهة اليمنية، فجماعة أنصار الله (الحوثيون) كثّفوا من هجماتهم على السعودية والإمارات، ما يُنذر بإعادة إشعال الجبهة الجنوبية من الخليج. ناهيك عن الخليج العربي، الذي ينذر بالاشتعال هو الآخر، فالقواعد الأميركية في قطر والبحرين والكويت دخلت في حالة إنذار قصوى، تحسُّبًا لضربات إيرانية مباشرة أو غير مباشرة عبر الأذرع العسكرية المنتشرة في المنطقة.
الموقف الدولي هو الآخر ذاهب نحو التصعيد، صراع الكبار يعود إلى الواجهة، فقد أعلنت روسيا والصين رفضهما للضربة الأميركية، واعتبرتا ما حدث تهديدًا للاستقرار العالمي. كما بدأتا بتحرّكات دبلوماسية لتجنيب المنطقة حربًا واسعة، في وقت قد تحاولان فيه استثمار الموقف لتعزيز نفوذهما في الشرق الأوسط. في حين دعا الاتحاد الأوروبي إلى "ضبط النفس"، محذرًا من أن أي تصعيد جديد قد يؤدي إلى موجات هجرة جديدة وأزمات اقتصادية، خاصةً أن أوروبا لا تزال تعاني من تداعيات الحرب في أوكرانيا.
العامل الآخر المتأثر بالأزمة هو الاقتصاد والنفط؛ فالأسواق النفطية العالمية تحت الضغط، ومضيق هرمز، الذي تمرّ عبره أكثر من 20 في المئة من تجارة النفط العالمية، بات مهددًا بالإغلاق أو التقييد. ما دفع أسعار النفط إلى الارتفاع الحاد، وسط تحذيرات من أزمة طاقة قد تُصيب الأسواق العالمية وتُعيد شبح الركود الاقتصادي، ما يعني أن هذا التأثير الاقتصادي يشكّل ضغطا على الحكومات في الشرق الأوسط، التي تعاني أصلا من مشاكل اقتصادية ومالية خانقة، وعلى رأسها العراق ولبنان.
إن من أهم السيناريوهات المفتوحة التي تجعل المنطقة في قلق دائم هو ما بعد الضربة الأميركية لإيران؛ فالوضع لن يكون كما كان قبلها. ميزان القوى في الشرق الأوسط يتغيّر، والتحالفات تُعاد صياغتها، والملفات المؤجّلة بدأت بالانفجار. وأصبح العراق أحد أكبر المتضررين إذا استمرت المواجهة، وقد يجد نفسه أمام خيارات صعبة بين الحفاظ على الاستقرار أو التورط في حرب إقليمية لا يعرف أحد كيف ولا متى ستنتهي.
ويبقى السؤال المطروح: هل تتدخل القوى الدولية لفرملة التصعيد أم أن المنطقة تتجه فعلا نحو حرب كبرى تُعيد رسم خارطتها من جديد؟ هذا ما ستحدده المحطات القادمة من المواجهة.