أحمد فضل شبلول يرسم صورة الطفل في الشعر المعاصر

باحثة ترى أن شعر شبلول يمثل تجربة خاصة وله ذائقة مميزة؛ حيث نجد في شعره تناميًا من خلال المراحل العمرية المختلفة للأطفال، ويحتوى على القسمات العامة للشعر المناسب للأطفال التي تجعلهم أكثر إحساسًا بالحياة، فهو لا يقدم صيغًا يحفظونها بل يبث فيهم قيمًا يؤمنون بها.
القاهرة

ترى الباحثة مريم علي محمد أن الأدب مقياس رقي الأمم وتقدُمها؛ فهو رؤية للأديب تعكس صور المجتمعات على مرِّ العصور. وفي عالم الأدب شَغَلَ الطفل حيزًا مهمًا في الكتابة في جميع الألوان الأدبية بداية من الأساطير والخرافات، والحكايات الشعبية، أو ما عُرف بالأدب الشفاهي، ولم يعرف الأطفال قبله أدبًا خاصًا بهم، إلا أن التغيرات التي طرأت على النظريات التربوية والعلمية والحقوقية دفعت بأدب الأطفال حتى بلغ ذروته في النصف الثاني من القرن العشرين.
وتؤكد أن الطفولة أهم المراحل التي تشكل الوعي الإنساني والثقافي، ويتزايد التركيز نحو المستقبل وكيفية إعداد أجيال الغد، ولن يتم هذا إلا إذا كانت التنشئة قائمة على إنتاج مواطنين تمتد جذورهم في ثقافتهم الخاصة التي تعمل على تعميق التفكير وإكساب هذه الأجيال سلوكيات تعمق الهوية والانتماء، وتساعدهم على التكيف مع معطيات العصر الحالي.
وتوضح الباحثة أن الاهتمام بأدب الطفل زاد في العصر الحالي الذى يتميز بالثورة المعلوماتية والتكنولوجية، وبالرغم من وجود وسائل حديثة في عالم الطفل فأنها تظل وسائل تكميلية تأتي وظيفتها بعد الوسيلة الأساسية لتعليم الطفل وتنمية وعيه الثقافي. وفي ظل هذا التطور لمعت أسماء رائدة في شعر الأطفال في البلدان العربية، ومن هذه الأسماء محمد منذر لطفي، ومحمد وحيد علي، وموفق نادر ووليد مشوح، ومن الأسماء الرائدة في مصر نجد أحمد سويلم، وأحمد زرزور، وأحمد فضل شبلول الشاعر والمبدع السكندري الحائز على جائزة الدولة في شعر الأطفال.
وفي رسالتها لنيل درجة الماجستير من قسم اللغة العربية بكلية الآداب – جامعة دمنهور، اختارت الباحثة موضوع "صورة الطفل في الشعر المعاصر ـ شعر أحمد فضل شبلول أنموذجًا.
وأوضحت الباحثة أن الشاعر أحمد فضل شبلول لم يقصر تجربته الشعرية على كتابة الأطفال فقط، وإنما قدم تجربته الإبداعية للكبار أيضًا، وتنوعت تجربته الإبداعية للأطفال بين الدراسات والبحوث والدواوين الشعرية في رحلة بدأت مع ثمانينات القرن العشرين بتقديم عدة دواوين تُعد نمطًا وتوجهًا جديدًا في شعر الأطفال باعتماده على لغة العلم وتقنيات العصر المتلاحقة، وصياغة أبنية وصور قادرة على التواصل مع الأطفال بلغة موسيقية تنساب في عذوبه ورقة وسحر عبر الأسطر تكشف لهم سر الجمال والحقيقة، وينمى فيهم الإحساس بجمال وقيمة الكلمة، ويسهم في نموهم العقلي والأدبي والنفسي والاجتماعي والأخلاقي، ويؤكد على الهوية العربية الإسلامية، وفضلها على العالم.
وكشفت الرسالة عن أهمية أدب الطفل ومدى الارتباط القائم بين التنشئة وغيرها من العلوم مثل العلوم الأدبية. فأدب الأطفال من أدوات بناء شخصية الطفل، وتكشف عن الجوانب الفنية والأدبية لشعر الشاعر الذي يرسم صورة للإنسان المصري الأصيل، والتي تتمثل في عدة دواوين هي طائرة ومدينة، وحديث الشمس والقمر، وعائلة الأحجار، وأشجار الشارع أخواتي، هل أنا كنت طفلا؟، ودوائر الحياة، وآلاء والبحر، وأُحب الحياة.
وتحدثت الباحثة عن الدوافع التي جعلتها تختار موضوع بحثها وهي: أن فكرة أدب الطفل لم تحظَ بكثير من الدراسات مع أهمية الطفل فهو اللبنة الأولى لبناء الأمم، فينبغي أن يُقدم له الاهتمام لأنه من سيحفظ تراث الأمة. وأن الكتابة الشِّعرية تشهد تراجعًا يومًا بعد يوم عكس السَّرد العربي والرواية والقصة.
ورأت أن الدراسة تنصب في مضمار الدراسات الشعرية. كما رأت أن الشعر أكثر الأجناس الأدبية ارتباطًا بالمشاعر الإنسانية؛ وأدب الطفل يتطلب شفافية مخصوصة وهو ما وجدتَه في شعر أحمد فضل شبلول الذي يتميز بالرقة وملئ بالخيال مع إضافة الصور والرسوم لتوصيل ما يريده الشاعر للأطفال، فعملية التذوق عند الطفل تقوم على الخبرات الخيالية.
ورأت أن شعر شبلول يمثل تجربة خاصة وله ذائقة مميزة؛ حيث نجد في شعره تناميًا من خلال المراحل العمرية المختلفة للأطفال، ويحتوى على القسمات العامة للشعر المناسب للأطفال التي تجعلهم أكثر إحساسًا بالحياة، فهو لا يقدم صيغًا يحفظونها بل يبث فيهم قيمًا يؤمنون بها. 
وذكرت الباحثة أن الرسالة تهدف إلى إلقاء الضوء على صورة الطفل في أعمال شبلول في مسار أدب الطفل وتحديد مدى تأثر أعماله بمحيطه الثقافي والبيئي وسماته الشعورية والتعبيرية، وذلك من خلال التحليل الفني تبعًا للمنهج الاستقرائي مع الإفادة من المنهج التاريخي والنفسي.
وقد جاءت الرسالة مقسمة إلى ثلاثة فصول تسبقها مقدِمَة، وتعقبها خاتمة وأهم النتائج.
يتكون الفصل الأول من ثلاثة مباحث متتالية؛ المبحث الأول: الطفولة في القرآن والسُنَّة من خلال بعض الآيات والأحاديث التي توضح مفهوم كلمة طفل، والمبحث الثاني عن نشأة أدب الطفل عالميًا فكانت بداية نشأته في فرنسا أواخر القرن السابع عشر، والمبحث الثالث وضَّحت فيه كيف تناول العرب قديمًا الحديث عن الطفل وماذا قدموا له في أشعارهم ولكن العرب قديمًا لم يتوفر لديهم مادة شعرية مقصودة للطفل إلا أغاني الهدهدة وتناولوا الطفل عن طريق الحديث عنه في بعض أجزاء شعرهم للكبار.
وشهد القرن الـ19 طفرة غير مسبوقة في وجود أدب خاص بالطفل وذلك بعد انتشار الطباعة في مصر، أما المبحث الرابع عن الطفولة في الشعر المعاصر وقد وُجِدَت فيه أعمال للأطفال غير هيَّنة، وبعد التطور التكنولوجي الهائل تطورت معه الوسائط التي يُقَدَم من خلالها.
والفصل الثاني بعنوان صورة الطفل والأبعاد التأسيسية في شعر أحمد فضل شبلول وقد قسمته إلى ستة مباحث وهو يهدف إلى التصور الذي وضعه أحمد فضل شبلول للطفل، ووضح لنا الصورة التي ينبغي أن يكون عليها، من خلال البُعد الديني والبُعد الوطني والبُعد القومي والبُعد التعليمي، والبُعْد التربوي والنفسي، والبُعْد الاجتماعي.
والفصل الثالث بعنوان صورة الطفل والخصائص الفنيَّة في شعر أحمد فضل شبلول؛ ويشتمل على سبعة مباحث أتناول فيها مصادر الصورة وقد قسمتها إلى طبيعية حية وطبيعة ساكنة وفضاء، ووسائل تشكيل الصور وأنماط الصور من خلال الصور الذهنية والحسية، وأعرض من خلال المبحث الرابع كيف وظَّف الشاعر التراث الديني والشعبي والأسطوري في خدمة النص الذي يُقَدِمُه للطفل.
ويتناول المبحث الخامس اللغة التي اعتمدها الشاعر وهي الفصحى، السائدة بين دواوينه. والمبحث السادس يبين معالم السردية الشعرية والحوار. وفي المبحث الأخير تناولت الباحثة الإيقاع، وكانت قصائده غنائية موقعة ذات نغمات مقسمة بين مقطوعات القصيدة تعلو أحيانًا وتتميز بالهدوء والرقة أحيان أخرى، وقد جعل الشاعر القصيدة بحرًا وموسيقاه هي الموج الذي يعلو وينخفض في تموجات تسرق خيال الطفل وتسلب عقله إلى عالم مملكة الشعر السحري الذي يغذي جميع ملكات الطفل العقلية والنفسية والاجتماعية.
وفي نهاية الرسالة خرجت الباحثة بعدة نتائج منها أن أدب الطفل هو شكل فنِّي يُبدعُه الفنانُ للأطفالِ من سِنِ الثانية وحتى الثانية عشرة أو أكثر قليلا، يعيشونه ويتفاعلون معه. ومن بين كُتاب الطفل المعاصرين الشاعر المبدع السكندري أحمد فضل شبلول.
وتناولت الباحثة دواوينه الشِّعرية بالتحليل من حيثُ صورة الطفل المتغياة عنده وأطرها؛ فقد تعددت أبعادها بين البُعد الديني وحرصه على غرس القيم وتعاليم الدين الإسلامي في الطفل ، والبُعد الوطني الذي يُناقَش من خلاله قضية الغُربَة والحنين إلى الوطن والانتماء إليه، والبُعد القومي الذي يثير من خلاله أهم قضية في العالم العربي وهي القضية الفلسطينية، ويوضح لنا القيم التربوية والنفسية التي يجب أن ينشأ عليها الطفل، ويبين للطفل قيمة الحياة ويطرحها من خلال مرور الإنسان بفترات عمرية ذات خصائص من المولد إلى الطفولة والشباب والكهولة وما يعتريها من فتوة وضعف.
وعَرضْتُ كل بُعد منها كما تمثلها الشاعر أحمد فضل شبلول من خلال المراحل العمرية؛ وجاءت مقسمة على ثلاث مراحل هي مرحلة الطفولة المتوسطة ومرحلة الطفولة المتأخرة وبداية مرحلة المراهقة. 
وتنوعت عنده الصور الشِّعرية بين الحسية والذهنية مستخدمًا التشبيه والاستعارة والكناية والمجاز. وقد غلبت الصور الحسية عليه وحتى المعاني المجردة حولها الشاعر إلى تشكيلات تنقلها الحواس، وكان التشبيه من أكثر الألوان البيانية استخدامًا.
فقد استخدم التشبيهات الحسية لأنها تناسب إدراك الطفل لاسيما في المراحل الأولى من عمره. وتعدَدَتْ مصادر الصورة بين الطبيعة الحيَّة والطبيعة الساكنة والفضاء، وكانت أكثر الصور حسية لأنها الأقرب إلى الطفل فصور البحر في أغلب قصائده، وتعددت صور الشمس والقمر والنجوم والكواكب، ومظاهر الحيز المكاني مثل الحدائق والحقول، والغابات، والجبال والتلال.. 
وأمّا عن أنماط الصورة فكان أكثرها استخدامًا الصور الحسيَّة البصريَّة التي تَخُصُ المرحلة المتوسطة للطفل. فقد اهتم الشاعر بالتشكيل البصري عن طريق الرسم فكانت مساحة الرسم أكبر من مساحة الكتابة، كما استخدم الصور الشمية والذوقية والسمعية، وجاءت الصورة مناسبة لكل مرحلة عمرية حتى مرحلة المراهقة المبكرة أي من سن 12 إلى 15 عامًا.
ووظَّفَ الشاعرُ التراثَ بأنواعِه التاريخي والديني والشعبي والأسطوري؛ واستخدمه للتعبير عن أفكاره وتجاربه في محاولة منه لغرس القيم الدينية والمبادئ الخلقية وترسيخ مفهوم الهُويّة المصرية والعربية، والعمل على ربط واقعه بماضيه والانطلاق من خلالهما إلى المستقبل.
وجاءت دواوينه باللغة الفصحي إلا بعض قصائده التي نسج خلالها حكايات لتسلية الطفل ويشعر بالمتعة عن طريق لغته الدارجة أو العامية، في أسلوب عذب يتميز بالدقة والمهارة.
والإيقاع عنده نغمي يعتمد على التكرار بأنواعه الذي تطرب له الأُذن ويعشقه الأطفال، وتنوع بين موسيقى الحروف والألفاظ، وتكرار الجمل والمقاطع، كما استخدم المحسنات البديعية بأنواعها مما زاد الجرس الموسيقي.
وهكذا كان أدب الطفل في منظور الشاعر أحمد فضل شبلول أدبًا هادفًا لا يسعى إلى إمتاع الطفل وتسليته وحسب بل يعمل على تربيته دينيًا وعلميًا واجتماعيًا وثقافيًا؛ ولذا خرجت صورة الطفل عنده تبتغي التربية المتكاملة التي تبني شخصية الطفل، وتسهم إسهامًا إيجابيًا في تكوينه وإعداده للمستقبل. 
أما عن التوصيات التي خرجت بها الباحثة مريم علي محمد فهي: 
اللغة هي الأساس في تنشئة الطفل، وتكوين شخصيته وهويته في ظل ما يواجه عالمنا العربي من ثورات معلوماتية رقمية، وتقنيات جديدة أساسها اللغة.
ولأدب الأطفال دور ثقافي إذ يقود إلى إكساب الأطفال القيم والاتجاهات واللغة وعناصر الثقافة الأخرى، والدور المعرفي من خلال تنمية عمليات الطفل المعرفية من التّفكير والتّخيل والتّذكر، والشِّعر أكثر الأجناس الأدبية ارتباطًا بالمشاعر الإنسانية، لاسيما وإن كانت موضوعاته تواكب التطور الحالي. والذي يشغل بال الكُتَّاب وقضيتهم الأساسية هي توجيه أدب الطفل في بُعدين رئيسيين هما البُعد التربوي والبُعد التعليمي، ولا يكترث كُتَّاب الأطفال بالأبعاد الأخرى.
يجب وضع جوائز تشجيعية كبيرة لكُتَّاب شعر الطفل، وأيضًا تشجيع الطلاب على حفظ الشعر بوضع مسابقات وجوائز تناسب سن الطفل وعقله.
وعلى الرغم من اهتمام الشعراء بغلاف الكتب والألوان والقصص المصورة والرسومات المعبرة إلا أنها لا تناسب الطفل في ظل ما يراه وما يسمعه وما يدور حوله في العوالم الافتراضية المليئة بكل ما يجتذب انتباهه، والسؤال الذي يطرح نفسه: هل الكِتَاب أو قراءة الأشعار يُغنِيانه عن هذه العوالم أم لا؟، وكيف السبيل إلى ذلك مع عدم الاهتمام بهذا الجانب؟.
يجب إعادة النظر في برامج الطفل وتزويدها بذوي الخبرة، والعمل على إنشاء قنوات مصرية للطفل تعمل على غرس الهُويَّة الدينية والمصرية، ويمكن أن يكون هنالك قناة خاصة بالشِّعرِ ضمن هذه القنوات. 
الكتابة الشعرية عمومًا ومن ثَم شعر الطفل يشهد تراجعًا يومًا بعد يوم. فما الجديد المُقَدَم لهذه النوعية من الكتابة كي يجعلها في مكانة تليق بها وبمكانة اللغة العربية لاسيما وإننا لدينا طاقات إبداعية بشرية متميزة.