أزمات الشرق الأوسط في الصحافة الإلكترونية الدولية والعربية

الإعلام الدولي كان ومازال الأداة الأقوى للدبلوماسية العامة التي تستخدمها الحكومات الغربية لخلق رأي عام مؤيد لها أو لخلق أزمة تخدم مصالحها، مع غياب الوعي العربي بخطورة هذا الخطاب.

تعد الصحافة الدولية محركا أساسيا ومحوريا على صعيد العلاقات الدولية وذات تأثير يكاد يكون مباشر على الواقع الدولي، وهو الأمر الذي يجعلها اليوم المرجع الأول الذي تستقي منه القنوات الإخبارية المحلية والدولية والمواقع الإخبارية الأحداث والتصريحات، كما أنها منبر تلجأ إليه الهيئات الدبلوماسية في حالات الرد أو الإيضاح للأزمات التي تطرأ على الصعيد الدولي.
هذا الدور المحوري تلعبه الصحافة الدولية في المنطقة العربية وخاصة على المستوي الدبلوماسي، وهو ما حللته الباحثة الدكتورة سمر خلف الله الزناتي في كتابها "الصحافة الإلكترونية الدولية والأزمات الدبلوماسية".
أكدت الزناتي في الكتاب الصادر عن دار العربي أن الإعلام الدولي كان ومازال الأداة الأقوى للدبلوماسية العامة التي تستخدمها الحكومات الغربية لخلق رأي عام مؤيد لها أو لخلق أزمة تخدم مصالحها، مع غياب الوعي العربي بخطورة هذا الخطاب الموجه للدول العربية وخطورة ما يحمله وما يؤدي إليه من تعقيد الأزمات أو خلقها بين هذه الدول، بالإضافة إلى تدهور في العلاقات الدبلوماسية والشعبية بين الدول العربية بعضها البعض أو بين الدول العربية وغيرها من دول الشرق الأوسط، وهو أمر من شأنه إضعاف هذه الدول وجعلها فريسة سهلة مستساغة لأي عدوان إيديولوجي كان أو عسكري.
اختارت الزناتي مقالات الرأي في مواقع خمس صحف إلكترونية دولية هي "الشرق الأوسط، الواشنطن بوست، الحياة الدولية، النيويورك تايمز، الغارديان"، نظرا لطبيعة الإنترنت التي تشكل المصدر الأسرع والأكثر انتشارا للأخبار على مستوي العالم. 
واهتمت برصد معالجة هذه الصحف للأزمات الدبلوماسية، وبيان دورها في إدارة هذه الأزمات بين الدول الشرق أوسطية على نطاق أوسع وتحديدا دراسة حالة على العلاقات العربية القطرية والعلاقات المصرية التركية والعلاقات السعودية الإيرانية كنموذج، وذلك عبر ثلاث أزمات دبلوماسية: الأزمة الدبلوماسية بين دول الخليج ومصر مع قطر، والأزمة الدبلوماسية بين مصر وتركيا، والأزمة الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وإيران.
ورأت الزناتي أنه بالنسبة لمدى اهتمام الصحف الإلكترونية الدولية بالأزمات الدبلوماسية في دول الشرق الأوسط، كان هناك اختلاف في درجات الاهتمام بين الصحف الإلكترونية العربية والغربية، يرجع إلى طبيعة الأزمة الدولية الدبلوماسية نفسها من حيث "تشابك العلاقات الدولية وتعدد الأطراف المعنية بها وتعدد الأطراف المؤثرة عليها والأطراف ذات الصلة المباشرة بتداعياتها".

اهتمام الصحافة الدولية بالأزمة الدبلوماسية بين السعودية  وإيران يعود لطبيعة الأزمة وتشابك العلاقات الدولية 

فبالنسبة للأزمة الدبلوماسية بين دول الخليج ومصر مع ودولة قطر، كان هناك اهتمام اكبر للصحف الدولية نسبيا، عن باقي الأزمات الدبلوماسية في المنطقة، ويرجع ذلك تعدد الأطراف المعنية بالأزمة "السعودية، والإمارات، والبحرين، ومصر، وقطر"، إضافة إلى جهات أخري ذات صلة مثل دولتي "الكويت والأردن"، وجهات أخري ذات مصالح مشتركة مع أطراف الأزمة مثل "الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وروسيا وإيران وتركيا"، فتعدد هذه الأطراف وتشابك العلاقات فيما بينها وفر زخما في الموضوعات المتعلقة بالأزمة نجم عنه اهتمام أكبر بها في الصحافة الدولية والعربية.
وقالت "اختلف الأمر مع الأزمة الدبلوماسية المصرية التركية، التي تميزت بمحدودية تأثيرها على طرفي الأزمة وحدهما، وهو ما أرجعته لكون الأزمة أزمة أيدولوجيات في المقام الأول وليست أزمة مصالح متضاربة أو سياسات وتوجهات مختلفة لأطراف دولية، مما أدي إلى اهتمام ضعيف نسبيا بتغطية جوانب الأزمة وهو ما انعكس أيضا على كفاءة الصحف الدولية في معالجتها لجوانب الأزمة الثلاث.
أما فيما يتعلق بالأزمة الدبلوماسية بين السعودية  وإيران، فقد رصدت اهتماما معقولا بالأزمة نجم أيضا عن طبيعة الأزمة التي تميزت بتعدد أطرافها وتشابك العلاقات الدولية فيها، مثلا: حلفاء السعودية "اليمن والبحرين، والإمارات، والولايات المتحدة الأمريكية" من جهة وحلفاء إيران من جهة أخري "روسيا والدول الأوروبية وسوريا وحزب الله" وأذرع "إيران العسكرية في اليمن ولبنان والعراق وسوريا".
 فهذه الأزمة تمثل بوتقة من الأطراف الدولية المعنية بها والمتأثرة بتداعياتها، فترتب عليه زخم في التغطية ربما صعب رصده بدقة في ضوء ضعف الأرشيف الصحفي لصحف الدراسة الشرق الأوسط والغارديان وعدم تحديثه بصورة جيدة.

وأوضحت الزناتي أن تحليل الخطاب المقدم في الصحافة الدولية الإلكترونية أكد على نتائج تحليل المضمون، حيث كان هناك اهتمام جيد بالأزمة العربية القطرية، واهتمام فاتر بالأزمة المصرية التركية، واهتمام متوسط بالأزمة السعودية الإيرانية وهو ما عكسه عدد التكرارات لمواد الرأي المقدمة عن الأزمات الدبلوماسية الثلاث.
كما أوضح تحليل الخطاب الصحفي المقدم، أفضلية في التغطية والاهتمام لصالح الصحافة العربية الدولية تجاه الأزمات الدبلوماسية بالشرق الأوسط، ظهر في إهمال الصحف الغربية الدولية الثلاث التي أجريت عليها الدراسة "الواشنطن بوست، والنيويورك تايمز، والغارديان" طرح حلول معقولة لاحتواء الأزمات أو الحد من تأثيرها حيث أكتفت برصد الأسباب وتحليل الدوافع الكامنة وراء مواقف الأطراف المعنية بالأزمة، إضافة إلى الوقوف على اهم النتائج التي ترتبت على هذه الأزمات دون الارتقاء بالخطاب الصحفي المقدم لتقديم نصائح عملية من شأنها حل هذه الأزمات، لخلق التوازن في المعالجة الذي طرحه نموذج الموقف المشكل كمعيار لقياس كفاءة الصحف في تغطية الأزمات.
وأظهرت نتائج دراسة الزناتي اهتماما ملحوظا للصحف الدولية الالكترونية محل الدراسة باستخدام عناصر التدعيم والإبراز والتفاعلية في تغطيتها للأزمات الدولية الدبلوماسية، فقد تنوعت هذه العناصر بين الاهتمام بعنصر الصورة الصحفية والوسائط المتعددة خاصة الفيديو المصور بالنسبة للصحف الغربية التي تفوقت على الصحف الدولية العربية في استخدامه لتدعيم النصوص المنشورة حول الأزمة، كما اهتمت الصحافة الدولية بتوفير أدوات النشر والمشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي وإرسال الموضوعات بالبريد وإمكانية حفظها مما أعطي القراء مساحة كبيرة للتفاعلية مع الموضوعات المنشورة حول الأزمة ومثل عنصر جذب كبير للقراء.

تتأثر الصحف الإلكترونية والدولية بالسياسة الخارجية للدول التي تصدر عنها والنظام السياسي الحاكم فيها 

كما أتاحت هذه الصحف مساحة لمشاركة الرأي العام وقياسه من خلال التعليقات والردود على الموضوعات المنشورة.
وتميزت النيويورك تايمز عن باقي صحف الدراسة في تقديمها لاستطلاعات الرأي حول مجريات الأزمة على صفحاتها مما مثل اهتماما اكبر بقياس الرأي العام ومشاركة القراء وتفاعلاتهم على الصحيفة الإلكترونية.
وتابعت الزناتي أن الصحف الإلكترونية الدولية اعتمدت في التدليل على ما تقدمه من معلومات حول الأزمات الدبلوماسية الثلاث على أساليب الإقناع العقلية المنطقية من خلال تركيزها على الاستشهاد بتصريحات المسئولين والخبراء والمصادر الرسمية عند عرض المعلومات حول الأزمة، كما اعتمدت على تقديم الأدلة والبراهين والنسب والإحصائيات للتدليل على صحة ومصداقية ما تقدمه لمواكبة تطورات الأزمة، بما يتناسب مع طبيعة الأزمات الدبلوماسية التي تعتمد فيها العلاقات الدولية على الجانب المنطقي وتغليب المصالح الاقتصادية والمكاسب السياسية في لغة الحوار الدولي وبالتالي لغة القارئ الذي يهتم بمواكبة الأحداث على الساحة الدولية.
وهي نفس النتيجة التي ظهرت في رصد مسارات البرهنة التي اعتمد عليها الخطاب الصحفي المقدم بصحف الدراسة تجاه الأزمات الثلاث محور الدراسة، حيث تصدرت المبررات السياسية وتصريحات وأقوال المسؤولين صدارة مسارات البرهنة المستخدمة في خطاب الصحف العربية والغربية حول الأزمات المطروحة.
وكشفت نتائج دراسة الزناتي عن ضعف كفاءة الصحف الدولية محل الدراسة في تغطية الأزمات "حيث لم تحقق التوازن المطلوب في عرض جوانب الأزمة الثلاث "الأسباب، النتائج، الحلول" وهو الأمر الذي أشار إليه نموذج الموقف المشكل حين ألزم وسائل الإعلام أن تعمل على تغطية الجوانب الثلاثة للأزمة وتحقق الترابط والتوازن بينها أثناء تغطيتها لمراحل تطور الأزمة، بحيث لا تركز على أسباب المشكلة فقط أو نتائجها وتهمل الحلول المقترحة أو تركز على الحلول ولا تهتم بالأسباب.
وأظهرت الدراسة عزوفا ملحوظا لمختلف الصحف الإلكترونية العربية والغربية عن تقديم حلول معقولة للأزمات المطروحة " الأزمة الدبلوماسية بين دول الخليج ومصر مع قطر، والأزمة الدبلوماسية بين مصر وتركيا، والأزمة الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وإيران.

ومن جانب آخر أظهرت نتائج دراسة الزناتي تأثر الصحف الإلكترونية بشكل عام والدولية منها بشكل خاص بالسياسة الخارجية للدول التي تصدر عنها والنظام السياسي الحاكم فيها حيث تتخذ في كثير من الأحيان مواقف داعمه لحكوماتها تظهر في نمط التغطية الذي تعتمده في التعامل مع الأزمات والقضايا الدولية، مثلا تأثر الحياة الدولية بالموقف العربي المناهض للسياسة القطرية بشكل عام اتجاه دول المنطقة وظهر هذا في تحميل قطر وشركاءها مسؤولية الأزمة بنسبة عالية.

صحيفة الحياة الدولية الإلكترونية تحمّل قطر مسؤولية نشوب الأزمة الدبلوماسية مع دول الخليج وواشنطن بوست تقدمها كطرف مسؤول عن الأزمة 

كما ظهر تأثر المحتوى الصحفي الذي تقدمه الصحف الإلكترونية الدولية محل الدراسة بالمواقف المعلنة والرسمية للدول الممولة لها في تغطية صحيفتي الشرق الأوسط الدولية والغارديان البريطانية للأزمة السعودية الإيرانية وفي نظرتهما للمملكة العربية السعودية ودورها في الأزمة، حيث نجد أن صحيفة الغارديان قدمت المملكة العربية السعودية كمسؤول عن الأزمة بنسبة بلغت 19.92 بالمئة، في حين أن الشرق الأوسط لم تشر إلى المملكة العربية السعودية كطرف مسؤول عن الأزمة سوى في تكرار واحد بنسبة 0.36 بالمئة. 
كما أظهرت النتائج تحميل صحيفة الحياة الدولية الإلكترونية قطر مسؤولية نشوب الأزمة الدبلوماسية مع دول الخليج العربي بنسبة 65.55 بالمئة، بينما قدمت الواشنطن بوست الدولية قطر كطرف أول مسؤول عن الأزمة بنسبة 26.74 بالمئة وهي نسبة ضئيلة نسبيا مقارنة بالحياة الدولية.
وأشارت الزناتي إلى الاختلاف بين الصحف الإلكترونية الدولية في ترتيب الأطراف المسئولة عن الأزمة المصرية التركية حيث قدمت الحياة الدولية رجب طيب أردوغان كطرف أول مسؤول عن الأزمة بنسبة 28.12 بالمئة، تلته جماعة الإخوان المسلمين.
في حين نجد أن موقع النيويورك تايمز أبرز جماعة الإخوان المسلمين كطرف أول مسؤول عن الأزمة بنسبة 54.54 بالمئة، تلاها رجب طيب أردوغان بالمرتبة الثانية.
ولفتت إلى تعدد الأطر المرجعية التي استقي منها الخطاب الصحفي لمواد الرأي أطروحاته بالنسبة للأزمتين الدبلوماسيتين العربية القطرية، والأزمة السعودية الإيرانية وهو الأمر الذي نتج عن اتساع نطاق الأزمة، وتشابك العلاقات الدولية المؤثرة فيها والمتأثرة بتداعياتها.
وتصدر الإطار السياسي المرتبة الأولي في خطاب الرأي المقدم بصحف الدراسة العربية والغربية في الأزمات الثلاث، ثم تلاه الإطار التاريخي كمرجع لتسلسل العلاقات الدولية بين أطراف الأزمات الثلاث، ثم الإطار الاقتصادي، والديني، والثقافي، والإنساني؟
وخلصت إلى أن خطاب الرأي المقدم في الصحف الدولية الخمس حول الأزمات الدبلوماسية الثلاث اعتمد على مسارات البرهنة المنطقية في المقام الأول حيث اعتمد الخطاب الصحفي المقدم على المبررات السياسية للأزمات وتطورها في كل من الصحف العربية والغربية إضافة إلى الاستعانة بأقوال المسؤولين وتصريحاتهم للتدليل على ما قدمه من أطروحات حول الأزمات.
كما ظهرت المبررات الاقتصادية التي ترصد الخسائر الاقتصادية على الصعيد الدولي الناجمة عن هذه الأزمات، ثم المبرر الديني الذي ظهر في الخطاب الصحفي الغربي حول الأزمة السعودية الإيرانية نتيجة المرجعية الدينية المختلفة بينهما. "السعودية ذات المرجعية السنية، وإيران ذات المرجعية الشيعية "، والذي قدمه الخطاب الصحفي للشرق الأوسط على استحياء بنسبة ضئيلة في أطروحاته الصحفية، تلتها المسارات العاطفية التي ظهرت في تغليب عرض جانب واحد من جوانب الأزمة، أو عرض الجوانب الإنسانية للأزمات على شعوب الدول المعنية بها وخصوصا بالنسبة للأزمتين العربية القطرية، والأزمة السعودية الإيرانية.