بالوما فرنانديز تبحث عن الذات والعدالة في 'الوحدة التي تسكننا'

الناقدة والشاعرة الإسبانية تعد واحدة من أبرز الشاعرات المعاصرات اللاتي يتمتعن بحضور قوي في المشهد الشعري المحلي والعالمي بتجربة ثرية ترتكز رؤاها على ذخيرة متقدة ومتوهجة من الثقافات والحضارات الشرقية والغربية.

تعد الناقدة والشاعرة الإسبانية بالوما فرنانديز كوما واحدة من أبرز الشاعرات الإسبانيات المعاصرات اللاتي يتمتعن بحضور قوي في المشهد الشعري الإسباني والعالمي، حيث تمتلك تجربة شعرية ثرية ترتكز رؤاها على ذخيرة متقدة ومتوهجة من الثقافات والحضارات الشرقية والغربية، وهي مؤسس ومدير مجلة Three Shores-Two Shores منذ 2002 حتى الآن، وقام بتنسيق مختارات Reach at the Bay، لقاء الشعراء في عام 2000.

وهذا الديوان "الوحدة التي تسكننا" الذي ترجمته سلمى متوكل وصدر أخيرا عن دار خطوط وظلال الأردنية، يكشف عمق تجليات روحها الشعرية، فالوحدة التي يصورها ليست تلك الوحدة التي تقارب الانعزال والاغتراب عن المحيط الخارجي، بقدر ما هي اشتباك روحي وجسدي مع العالم؛ الطبيعة والبشر والتاريخ والثقافة والأفكار، إنها بحث عميق للعثور على الذات وإعادة خلق التجارب أو العثور على تجارب جديدة والاقتراب من معرفة ما يحيط بنا، هنا الطبيعة حاضرة دائمًا كصوت خفي يلهم ويدعو للتأمل، تأمل الوجود الداخلي والخارجي.

الوحدة هنا نوافذ، ونور الفجر، وانعكاس بياض النهار، وروعة الظهيرة، وأيضا عودة للماضي، ذكرى وشوق لزمن كانت فيه الحياة فرحًا وحبًا، حيث تخبرنا الشاعرة أنها لم تفقد كل شيء، لكن هذا السير عبر الزمن أمر لا مفر منه، وإن هشاشة الحياة في مواجهة الكون الممتلئ بالأحداث تولد الألم والكرب والشك الوجودي والفقد، لكن الحياة كلها سريعة الزوال، ومصنوعة من لحظات ويجب علينا الاستمتاع بها، لأنه لا شيء يدوم إلى الأبد.

كتب عن الديوان الشاعر والناقد ألبرتو توريس مؤكدا أن "دفاع الشاعرة عن الوحدة ـ في هذا الديوان ـ قد يكون بحثا عن عالم أكثر عدلا، تعطي فيه العناية بالحرية والصواب من أجل إذكاء الحقيقة وتألقها. بيد أن الشعور بالفقد صار واضحا جدا كالحاجة إلى إعادة تشكيل عصرنا هذا أو تعبئته أخلاقيا: "لقد أضعف الإنسان معجم وجوده/ وتقمص دور الحكم في مبارة العالم الكبيرة". دعونا نقول إن الشاعرة قد لامست جميع جوانب الحياة من خلال شظايا الوحدة. رؤيتها، الغياب الذاتي، الحب والحسرة. تتجرد من ردائها وتمنحنا الصفاء. هي وحدة يمكن أن نعثر عليها في خطواتنا وفي مخيلتنا، نتمثلها متلازمة جلية. تستوطن دواخلنا خلسة. نجد في هذه القصائد أصداء للنزعة الإنسانية التضامنية، التي تمثل مشتل قسائد مؤلفتنا".

تقول سلمى متوكل "لعل الدفاع هنا عن الوحدة هو بحث عن عالم أكثر عدلاً حيث يتم الاهتمام بالحرية والعقل ومن ثم الحقيقة وتكثيف التألق. ومع ذلك، فإن الشعور بالخسارة واضح مثل الحاجة إلى إعادة ترتيب عصرنا أو إعادة تنظيمه أخلاقيا" لقد أضعف الإنسان معجم/ وجوده ويتظاهر بأنه الحكم/ في اللعبة الكبرى في العالم". أن الشاعرة تقترب من الحياة بأكملها من خلال شظايا الوحدة، والنظرة، وغياب المرء، والحب أو عدم الحب، الوحدة التي ترتدي زي الخصوصية، والتي تُسكت الكلمات، والتي تجرد نفسها من ملابسها وتمنحنا أيضًا الصفاء. العزلة التي يمكن أن نجدها في خطواتنا وفي الخيال، والتي يُنظر إليها بمتلازمات واضحة ومخفية بالتسلل. هناك أصداء واضحة للنزعة الإنسانية التضامنية في هذه القصائد، وهي الحركة التي تنتمي إليها شاعرتنا. يمكن فهم الوعظ الغنائي الذي تم تطويره في قصائد الديوان على أنه حاجة إلى فهم التاريخ كأفق للتضامن، كمحور عاطفي حيث تشكل الوحدة شريان الحياة، ربما في بعض الأحيان، ولكن قبل كل شيء سيكون لديها المزيد من الإرادة للحياة وتعميق القدرة على التضامن مع مفرداتها. إننا نشعر بأن حدسها بشعرها المنير والموحي لا يخلو من الروحانية. 

وتضيف "بمجرد أن يتوقف المرء، تصبح الذات الشعرية في أغلب الأحيان "ذاتًا جماعية"، "نحن" حقيقية، وحقيقية تهرب من الأجندات الاعتباطية والاتصال بالقوائم السوداء والأدب الذي تحول ليس فقط إلى موضوع غامض للرغبة ولكن أيضًا. بالأحرى سلعة تبادل مبتذلة. كتابات بالوما تحيلنا دائما إلى مغامرة الفكر، أو بالأحرى، الفكر الذي يوقظ في الخيال، مغامرة الكتابة ومحفزات الانفعال".

نماذج من الديوان

الوحدة التي ترافقنا

ترافقنا الوحدة،

في الحب واللاحب،

 الحب هو كل شيء ولا شيء؛

خضوع أبدي للمحبوب

متلبس دوما بنا

مواساة في الألم وبلسم

إزاء الفراغ، حين نبحث عن غذاء للروح.

طهّر المطر أصل الحب،

ليّن رائحته الهلامية

بسحابة متعلقة بالأفق،

يلفت النظر مع رعشة مبهمة.

يطرق الأبواب ويكشف موعد

حصاد النور والقمح بالحظائر.

الحب أفق مفتوح ويتوارى.

بين طيات الجلد، يحرك

نظرة المواساة

اتجاه الوحدة.

حب بلا اسم

اعتاد أن يكون عاشقا

أُمّا أو منارة للبحارة.

أو على جنبات الطرق.

 لم يسأل عن أحد،

اكتفى بلحظته الآنية

وسعى الظمآن،

وتحرى العدل في غير مقامه

وشكّل رغيفا من الموروث العام.

استلقى بجوار الجرح وجفف دمه.

حب بلا اسم يبحر دون ترخيص

ويرسو في جميع الموانئ.

لديه تقرّح لا يلتئم

يترك في الجلد عطرالناردين المحطم

وينبعث كل ليلة.