إعادة التوازن: إحياء السياسة خارج أروقة البرلمان الكويتي

إعادة الحياة السياسية هي إعادة الاعتبار للمجتمع.

يواجه النظام السياسي في العديد من الدول ومن ضمنها الكويت مشكلة أساسية تتمثل في تركيز النشاط السياسي بشكل مبالغ فيه داخل أروقة البرلمان، مع تجاهل وتهميش الفعاليات السياسية خارجه.

وقد طرحت ابعاد هذه المشكلة في أكثر من مناسبة مع شخصيات سياسية وناشطة في المجال العام، لكني لاحظت ان استيعاب تأثيرها السلبي على الحياة السياسية، ودورها في رعاية الفساد وتكريس التخلف، لا يزال بعيدا عن اذهانهم.

ولذا، احاول في هذا المقال تلخيص ابعاد الفكرة، اذ لا يمكن بأي حال التراجع عن وجود وبقاء المؤسسة البرلمانية، فهي صمام الاستقرار السياسي في البلاد، لكن من الضرورة بمكان ايضا ايجاد بيئة سياسية فاعلة يكون البرلمان أحد مخرجاتها وليس مهيمنا عليها.

والاصل ان البرلمان يمثل ارادة الناخبين، فاذا كان الناخبون على درجة عالية من الوعي والنشاط والصلاح، فان مخرجاته ستكون أكثر جودة، لكن تبدأ المشكلة حين ينتقل البرلمان من تمثيل الناخبين الى مصادرة دورهم السياسي وتهميشه.

ما حدث في السنوات الاخيرة، ان البرلمان في الكويت على سبيل المثال وبفعل ارادات سلطوية وفاسدة متضامنة أخذ بالتمدد على كل مساحات المجتمع، وصادر كل الانشطة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، بحيث لا تكاد تجد حياة او نشاط سياسي الا داخل البرلمان او على ظلاله.

يُتيح مقعد البرلمان لصاحبه فرصة ذهبية لامتلاك مفاتيح التأثير على السياسات والأنظمة، بدءًا من إدارة المشاريع والمناقصات الحكومية، مرورًا بتسهيل الإجراءات الإدارية، وصولًا إلى تعيين القياديين وتخليص المعاملات وتوقيع العقود وكسر القوانين وترخيص دور العبادة ومنع او تسهيل دخول الوافدين.

وقد انتهى تركيز القوة والنفوذ السياسي في ايدي النواب الى تهميش العمل السياسي خارجه، وأصبح سعي جميع القوى الاجتماعية والمدنية هو الوصول إلى المجلس كونه "فانوس علاء الدين" السحري القادر على تحقيق الإنجازات، وانجاح الانشطة.

ويُؤدي تركيز النشاط السياسي داخل البرلمان إلى العديد من المخاطر، تشمل من بينها:

- تضخيم مكانة أعضاء المجلس: يصبح الوصول إلى عضوية المجلس غاية بحد ذاته، ممّا يشجع البعض على السعي وراء المنصب بطرق غير مشروعة.

- تسخير كل الإمكانات للسيطرة على المجلس: تستخدم مختلف الوسائل، من رشاوى وصفقات مشبوهة، لضمان ولاء أعضاء المجلس وتحقيق مصالح خاصة.

- تهميش الفعاليات السياسية: قد يتم تهميش الفعاليات السياسية والمجتمعية الأخرى، مثل الأنشطة المدنية والبرامج التوعوية، لصالح العمل داخل المجلس.

- إهمال القضايا الجوهرية: تُهمل القضايا المُجتمعية الهامة، مثل الفقر والبطالة والتعليم، لصالح التركيز على المناكفات السياسية والصراعات على السلطة.

لذلك، يبدوا ضروريا إحياء السياسة خارج أروقة البرلمان، من أجل اعادة الاعتبار للمجتمع، وحفظًا للمؤسسة التشريعية وحمايتها من الفساد. ويتم ذلك من خلال تشجيع المشاركة السياسية خارج البرلمان وتشجيع المبادرات المجتمعية، ودعم المنظمات المدنية.